وقفات نصح إلى الشباب

وقفات نصح إلى الشباب[1]

الحمدلله الذي هدانا إلى الإسلام, وجعلنا خير أمة أخرجت للناس, فما من خير إلا دلنا عليه, وما من شر إلا حذرنا منه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الآمة وجاهد في الله حق جهاده, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين, أما بعد:

فإن خطبتي إليكم هي وقفاتُ نصح أخصُّ بها الشبابَ أكثرَ من غيرهم, فاعلموا أيها الشباب أنَّكم في زمنٍ تكثر فيه الصراعات, والقوميَّات, والحزبيَّات, والعصبيات, وتتلاطم فيه أمواج الفتن, التي تستشرفُ لمن يستشرف لها, وتقذِفُ بمن يرتمي في ساحتها, حتى تهلِكَهُ أو يسلمَ منها برحمة الله وفضله, فاستيقظوا, ولا تغفلوا عن كيدِ عدوِّكم ومكره, واحذروا من أنْ تكونوا أداةً للأعداء يوجِّهونكم أنَّى أرادوا؛ خدمةً لتنفيذ مخططاتهم.

وإليكم أقفُ وقفاتٍ في أمواج الفتن المتلاطمة هذا الزمن:

الوقفة الأولى: أهمية الالتفاف حولَ ولاةِ أمورِ المسلمين وعلمائهم, فإنَّ يد الله مع الجماعة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

الوقفة الثانية: عدمُ نشرِ قالة السوء في ولاةِ أمور المسلمين وعلمائهم, وأهميَّةُ التيقظِ لهذا المزلق العظيم, فإنَّ غيبةَ وُلاةِ الأمورِ والعلماءِ, حرامٌ؛ لعموم الأدلة من الكتاب والسنة على تحريم الغيبة, والحذر من السعي بالنميمة.

قال العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:"لا يجوز لنا أنْ نتكلم بين العامة فيما يثير الضغائنَ على ولاةِ الأمور، وفيما يسبِّبُ البغضاءَ لهم؛ لأن في هذا مفسدةً كبيرة, قد يتراءى للإنسان أنَّ هذه غيرة، وأنَّ هذا صدعٌ بالحق؛ والصدع بالحق لا يكون من وراء حجاب، الصدع بالحق أنْ يكون وليُّ الأمر أمامك, وتقولُ له: أنت فعلت كذا, وهذا لا يجوز، تركتَ هذا، وهذا واجب". انتهى ما قاله رحمه الله.

أيها المسلمون: إنَّ كلَّ وسيلةٍ تسعى إلى تفريق المسلمين, هي هدف من أهداف الأعداء لإضعاف الأمَّة الإسلاميَّة زيادةً على ضعفها, مستغلِّينَ مصطلحَ الحريَّة والحقوق الذي يسلكون فيه مسالكَ متعدِّدة, فيقعُ من يقعُ في شَرَكِ شباكهم, جهلاً واغتراراً, وغفلةً وإصراراً, فيكونوا أداةً يوجهونها متى أرادوا, حرباً على الإسلام وأهله, فاحذر أيها الشاب أنْ تكون صيداً سائغاً لأعداء الإسلام.

الوقفة الثالثة: إنَّ عليكم أيَّها الشباب أنْ تكونوا خدَّاماً للإسلام, داعون إليه, مدافعون عنه بما استطعتم, مستشعرون للأمانة الملقاةِ على عواتقكم, فإنَّ عزَّكم بالإسلام, ولن تقوم لكم حضارةٌ إلا به, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام, ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلَّنا الله).

الوقفة الرابعة: أهميةُ مصاحبةِ التقوى في جميع شؤونكم, ونبذُ العصبيَّةِ والهوى, والتقربُ إلى الله تعالى بعبادته كما شرع, والحذرُ من اقتراف الآثام والموبقات, والتوبةُ إلى الله منها, فإنَّ التوفيق كلَّه, والسعادةَ بحذافيرها, لا تكون إلا بتقوى الله والتزام شرعه ومنهاجه, يقول تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

الوقفة الخامسة: الاهتمام بطلب العلم الشرعي, والجثوِّ بالركب عند العلماء في حِلَقِ الذكر, فإنَّ في تعلم العلم الشرعي فضل عظيم, لا يوازيه علم آخر في الفضل, فاحرص أيها الشاب على تحصيل العلم الشرعي, والعملِ به, وتعليمهِ للناس.

الوقفة السادسة: الحذر من الانضواء تحت المظلات الحزبية, فإنَّ الحزبيات لا تأتي بخير, بل إنَّ فيها تفريقاً لكلمة المسلمين, لأنَّ الإسلام أمر بالجماعة ونهى عن الفرقة ومخالفة الجماعة, والجماعة لا تكون إلا بإمام, والإمام هو حاكم المسلمين, من ملوكٍ ورؤساء, ومن رأى من إمامه شيئاً يكرهه, فالواجب عليه أن يصبر, عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ, فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». متفق عليه.

الوقفة السابعة: أهميةُ فقهِ تعامل الراعي مع الرعية, والرعيةِ مع الراعي, وفقَ ما دلَّت عليه نصوص الكتاب والسنة, بفهم سلف الأمة, فإنَّ الإسلام كامل, لا يأمر إلا بخير, ولا ينهى إلا عن شرٍّ.

الوقفة الثامنة: الحذر من المتعالمين الذين يتجرؤون على القول على الله بلا علم, والذين كثروا في هذا الزمن, وانتشر كلامهم عبر مشاركاتهم في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة, وذاع صيتهم عبرها, فلبَّسوا على الناس, وبثوا شبهاتِهم, ودسُّوا سمومهم, وقدموا عقولَهم على نصوص الكتاب والسنة, فما قبلته عقولهم من تلك النصوص قبلوه, ومالم تقبله رفضوه وعارضوه, فخالفوا شرع الله, وآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض, فالواجب الحذر من هؤلاء, وبيانُ ضلالهم وزيغهم, حتى يحذرهم المسلمون.

الوقفة التاسعة: الحذرُ من الخوض في تصنيف الناس بين الظن واليقين, والحذرُ من اتهام الناس في نياتهم, وتصنيفهم افتراء وكذبا, والحذرُ من تتبع الزلات, وتلقفِ العثرات, وخطورةِ التفكه بها في المجالس, مع أهميةِ محاسبة النفس, وإصلاح ما بها من عيوب, فإنَّ في إصلاح عيبك شغلاً عن عيوب الناس.

الوقفة العاشرة: عدم الاندفاع والعجلة في اتخاذ القرارات والمواقف, بل الواجبُ التأني ودراسة ذلك من جميع الجوانب, مع استصحاب الرفق والحلم واليقظة والفطنة؛ كي لا تندم على أمرٍ اندفعت إليه, وتعجَّلت فيه, والحذر مما يُبَثُّ من الأخبار المتداولة التي لا يُعلم صدقها من كذبها, ولا يُعلَمُ هل المصلحة في نشرها أم لا؟ خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي, مثل التويتر, والفيس بوك, وغيرهما؛ لما فيها من رواجٍ للإشاعات, ونشرٍ للشبهات, وسوقٍ للكذب, والظلم, والبهتان.

الوقفة الحادية عشرة: أهمية كثرة العبادة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن, وخاض فيها كثيرٌ من الناس, قال صلى الله عليه وسلم: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) أخرجه مسلم. قال النووي رحمه الله:"المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس, وسبب كثرة فضل العبادة فيه, أنَّ الناس يغفلون عنها, ويشتغلون عنها, ولا يتفرغ لها إلا الأفراد".انتهى ما قاله رحمه الله.

فاحذر أيها المسلم من الغفلة عن عبادة الله, واحذر من كثرة الخوض في الأحداث والفتن الحاصلة, وأكثِر من نوافل العبادات, واذكر ربك آناء الليل وأطراف النهار.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ِونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه إنه غفور رحيم.

[1] خطبة ألقيتها في جامع بلدة الداخلة في سدير وهي مختصرة من مقال كتبته, ونشر في صحيفة الشرق يوم السبت 18/11/1435ه, العدد رقم (1014).

المشاهدات 3558 | التعليقات 4

جزاك الله خيرا


@شبيب القحطاني 24654 wrote:

جزاك الله خيرا


و إياك.


بارك الله فيك شيخ عمر عبدالله المشاري خطبة قيمة ومشاركة طيبة كتب ربي أجركم ونفع بكم مزيدا من الحضور والتواجد.


زياد الريسي;24684 wrote:
بارك الله فيك شيخ عمر عبدالله المشاري خطبة قيمة ومشاركة طيبة كتب ربي أجركم ونفع بكم مزيدا من الحضور والتواجد.

أسعدني تعليقك أخي الأستاذ زياد الريسي, وجزاك الله خيرا.