وقفات مع نعمة الغيث على البلاد

مبارك العشوان
1438/05/20 - 2017/02/17 03:31AM

إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ... عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ ... مُسْلِمُون، اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاشْكُرُوهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ عَلَى مَا لَا يُحْصَى مِنَ النِّعَمِ، اشْكُرُوهُ عَلَى مَا صَرَفَ مِنَ النِّقَمِ، اشْكُرُوهُ على نِعَمٍ تَتْرَى نَتَقَلَّبُ فِيَهَا لَيْلَنا وَنَهَارَنا، هُوَ الرَّحِيمُ جَلَّ وَعَلَا بِعِبَادِهِ، هُوَ الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَرَاءُ، هُوَ القَوِيُّ وَنَحْنُ الضُّعَفَاءُ، يُجِيبُ دَعْوةَ الدَّاعِ إذا دَعَاهُ؛ وَيَكْشِفُ الضُّرَّ عَنْ عِبَادِهِ.
لِنَشْكُرْ أُّيُّهَا النَّاسُ رَبَّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نِعْمَةِ الغَيثِ، لِنَشْكُرْهُ بِقُلوبِنا وَألسِنَتِنا وَجَوَارِحِنا. فَاللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الشُّكْرُ كُلُّهُ؛ رَزَقْتَنَا مِنْ عَظِيْمِ فَضْلِكَ وَوَاسِعِ رَحْمَتِكَ، فَلَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، أنْزَلْتَ عَلَيْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، مَاءً مُبَارَكًا؛ فَلَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ: { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } الشورى 28 أضِيفُوا ـ عِبَادَ اللهِ ـ النِّعَمَ لِلمُنْعِمِ سُبحَانهُ، وَأكْثِرُوا الثَّنَاءَ عَليهِ واعتَقِدُوا أنَّهَا مِنْهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَا تَنْسِبُوا ذلكَ إلى نُجُومٍ وَأنْوَاءٍ وَطَبِيعَةٍ أوْ غَيْرِهَا.
اسْتَعِينُوا بِنِعَمِ اللهِ عَلَى طَاعَتِهِ؛ اسْعَدُوا بِعَطَاءِ اللهِ، وَافْرَحُوا بِفَضْلِهِ، ثُمَّ إِيَّاكُمْ أيَّهَا النَّاسُ إيَّاكُمْ أنْ يَكُونَ سَبَباً لِلْغَفْلَةِ وَالتَّفْرِيطِ فِي طَاعَةِ اللهِ، وَالتَّسَاهُلِ فِي ارْتِكَابِ المُخَالَفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.
أخِي المُسْلِمُ: إنْ خَرَجْتَ لِلنُّزْهَةِ فَتَقَيَّدْ بِطَاعَةِ اللهِ، وَقِفْ عِنْدَ حُدُودِهِ؛ حَافِظْ عَلَى صَلَوَاتِك الخَمْسِ؛ عَلَى طَهَارَتِهَا وَوَقْتِهَا.
عَلَيكَ أخي المُسْلِمِ أنْ تَحْذَرَ الإِسْرَافَ فِي المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ، احْذَرْ إيْذَاءَ النَّاسِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنَ الأَذَى؛ لا تَتَعَمَّدِ السُّرْعَةِ فِي أمَاكِنِ تَجَمُّعِ المِيَاهِ فَتُؤذِي المَارَّةَ، لا تُضَايِقِ النَّاسَ فِي الطُّرُقَاتِ، لا تَتَطَلَّعْ إلى العَوَائِلِ، لا تُؤْذِ الناسَ بِالتَّفْحِيطِ ، وَرَفْعِ أصْوَاتِ المُوسِيقَى.
التَزِمْ أخِي المُسْلِمُ أنْظِمَةَ السَّلَامَةِ، وَاحْذَر التَّهَوُرَ، بِالسُّرْعَةِ أوْ بِقَطْعِ السُّيُول.
لَا تَغْفَلْ أخِي المُسْلِمُ عَنْ أبْنَاءِكَ وَتَتْرُكَهُمْ يَذْهَبُونَ مَعَ مَنْ يَشَاؤُونَ، فَقَدْ يَكِيدُ لَهُمْ أصْحَابُ السُّوءِ شَيَاطِينُ الإِنسِ وَيُوقِعُونَهُمْ فِي شِبَاكِهِمْ، فَتَنَبَّهُوا رَحِمَكُمُ اللهُ، وَخُذُوا حِذْرَكُمْ.
عِبَادَ اللهِ: حَافِظُوا عَلَى سُنَّةِ نَبِيِّكُم صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِي الأَمْطَارِ وَالرِيَاحِ وَسَائِرِ الأحْوَالِ.
( لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح وقال الألباني: صحيح.
لِيُصِبِ المَطَرُ شَيئاً مِنَ البَدَنِ وَالمَتَاعِ؛ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى كَمَا صحَّ عن رَسُولَ الهَش صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم.
عِنْدَ سَمَاعِ الرَّعْدِ قُولُوا: ( سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ، وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) رواه البخاري في الأدب المفرد وقال الشيخ الألباني: صحيح
وَإذا نَزَلَ المَطَرُ؛ فَقُولُوا: ( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ) و: ( مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ) رواه البخاري ومسلم
وَفَّقَنِى اللهُ وَإيَّاكُم لِاتِّبَاعِ السُّنَةِ، وَأَعَانَنَا عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ.
بَارَكَ اللهُ ... وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ .... إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا: { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الروم 24 وَيَقُولُ تَعالَى: { اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ، فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الروم 48 - 50
عِبَادَ اللهِ: تَحَدَّثَ ابْنُ القَيِّمِ رحمهُ اللهُ عن هذه الآياتِ العَظيمَةِ: الرِّياحِ والسَّحَابِ وَالمَطَرِ والإنْبَاتِ؛ فَكَانَ مِمَّا قَالَ: [ وَمِنْ آيَاتِهِ السَّحَابُ المُسَخَّرُ بَينَ السَّمَاءِ والأرضِ، كَيفَ يُنْشِئُهُ سُبْحَانَهُ بِالرِّياحِ فَتُثِيرُهُ كَسِيفاً، ثمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ وَيَضُمُّ بَعْضَهُ إلى بَعْضِ، ثُمَّ تُلَقِّحُهُ الرِّيحُ... ثمَّ يَسُوقُهُ عَلَى مُتُونِهَا إلى الأرْضِ المُحْتَاجَةِ إليهِ فَإِذا عَلَاهَا واسْتَوَى عَلَيْهَا أهْرَاقَ مَاءَهُ عَلَيهَا؛ فَيُرْسِلُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ الرِّيحَ وَهُوَ فِي الجَوِّ فَتَذْرُوهُ وَتُفَرِّقُهُ لِئَلَّا يُؤْذِي وَيَهْدِمُ مَا ينزلُ عَلَيْهِ بِجُمْلَتِهِ، حَتَّى إِذا رَوِيتْ وَأخَذَتْ حَاجَتهَا مِنْهُ أقْلَعَ عَنْهَا وَفَارَقَهَا،... فَإِذا تَأَمَّلْتَ السَّحَابَ الكَثِيفَ المُظْلِمَ كَيفَ ترَاهُ يجْتَمِعُ فِي جَوٍّ صَافٍ لَا كُدُورَةَ فِيهِ، وَكَيفَ يَخْلُقُهُ اللهُ مَتَى شَاءَ وَإِذا شَاءَ وَهُوَ مَعَ لِيْنِهِ وَرَخَاوَتِهِ حَامِلٌ للْمَاءِ الثَّقِيلِ بَينَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَى أنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّهُ وَخَالِقُهُ فِي إِرْسَالِ مَا مَعَهُ مِنْ المَاءِ؛ فَيُرْسِلُهُ وَيُنَزِّلُهُ مِنْهُ مُقَطَّعاً بِالقَطَرَاتِ كُلُّ قَطْرَةٍ بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ؛ فَيَرُشُّ السَّحَابُ المَاءَ عَلَى الأرضِ رَشَّاً، وَيُرْسِلُهُ قَطَرَاتٍ مُفَصَّلَةً لَا تَخْتَلِطُ قَطْرَةٌ مِنْهَا بِأُخْرَى، وَلَا يتَقَدَّمُ مُتَأَخِّرُهَا وَلَا يتَأَخَّرُ مُتَقَدِّمُهُا، وَلَا تُدْرِكُ القَطْرَةُ صَاحِبَتَهَا فَتَمتَزِجُ بِهَا؛ بَلْ تَنْزِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي رُسِمَ لَهَا لَا تَعْدِلُ عَنهُ، حَتَّى تُصِيبَ الأرضَ قَطْرَةً قَطْرَةً ..... إلى أنْ قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: فَتَأمَّلْ كَيفَ يَسُوقهُ سُبْحَانَهُ رِزْقاً لِلعِبَادِ وَالدَّوَابِّ وَالطَّيرِ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ، يَسُوقُهُ رِزْقاً لِلحَيَوانِ الْفُلَانِيّ فِي الأرضِ الْفُلَانِيَّةِ بِجَانِب الْجَبَل الْفُلَانِيِّ، فَيَصِلُ إلَيهِ عَلَى شِدَّةٍ من الْحَاجة والعطش فِي وَقت كَذَا وَكَذَا ثمَّ كَيفَ أوْدَعَهُ فِي الأرْضِ ثُمَّ أخْرَجَ بِهِ أنْوَاعَ الأغذِيَةِ والأدوِيَةِ والأقوَاتِ... الخ
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ تَذَكَّرُوا بِالغَيْثِ يُحْيِي بِهِ اللهُ الأرضَ بَعدَ مَوتِهَا، إحْيَاءَ بَنِي آدَمَ بَعْدَ مَوتِهِم؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } الروم 19 ويقول تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ويقول تعالى: { وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ } ويقول تَعَالَى: ( حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } قالَ الطَّبَرِيُّ رحمهُ اللهُ: يقولُ تَعالَى ذِكْرُهُ: كَمَا نُحْيِي هَذَا البَلَدَ المَيِّتَ بِمَا نُنْزِلُ بِهِ مِنَ المَاءِ الذِي نُنَزِّلُهُ مِنَ السَّحَابِ، فَنُخْرِجُ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ بعدَ مَوتِهِ وَجُدُوبَتِهِ وَقُحُوطِ أهلِهِ، كَذَلكَ نُخْرِجُ المَوتَى مِنْ قُبُورِهِم أحْيَاءً بَعْدَ فَنَائِهِم وَدُرُوسِ آثَارِهِم. وَيقولُ الشَّنقِيطِيُّ رحمهُ الله: إِحْيَاءُ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا; مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَفَّقَنِي اللهُ وَإيَّاكُم لِلاتِّعَاظِ بِآياتِهِ، ثُمَّ صَلوا وسلموا...
اللهم أعز الإسلام... عباد الله: اذكروا الله العظيم...
المشاهدات 1449 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا