وقفات مع موجة وباء "كورونا" الجديدة

عبدالمحسن بن محمد العامر
1442/06/22 - 2021/02/04 10:38AM
الحمد لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحميد المجيد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالتوحيد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الهول الشديد.. أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ففيها كل خير يُرجى، وبها تُدرك السعادةُ والريادةُ،و أهلها هم أهل النجاة والسلامة " وَيُنَجِّى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوٓءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"   معاشر المؤمنين: هذه وقفات مع وباء كورونا الذي طال زمنه وبلاؤه وتجدّدت تحوّراتُه وتتابعت موجاتُه، نسألُ الله العليَّ القديرَ ذا الجلالِ والإكرامِ أن يصرفَه عن المسلمين وأن يرفعَه عن البلادِ والعبادِ، إنه أرحم الراحمين. الوقفة الأولى: احتسابُ الأجرِ على هذا البلاءِ الذي حدثَ واشتدَّ، فقد جاء في الصحيحين أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه" الوقفة الثانية: علينا أن نكثر الدعاء ليلاً ونهاراً وأن نتحرَّى أوقات الإجابة وأن نتضرّعَ إلى الله تضرعاً صادقاً بقلوبٍ  منكسرةِ خاشعةٍ ذليلةٍ، فالله جل جلاله يقول: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" قال ابن كثير رحمه الله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ } يعني : الفقر والضيق في العيش { وَالضَّرَّاءِ } وهي الأمراض والأسقام والآلام { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ أي: يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون .. قال الله تعالى : { فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا } أي : فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا { وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي : ما رقّتْ ولا خَشَعَتْ { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } أي : من الشرك والمعاصي. انتهى كلامه رحمه الله.  الوقفة الثالثة: علينا أن نحسن الظن بالله وأنه ما أصاب الناس بهذا البلاء إلا ليتوبوا ويؤبوا ويرجعوا إليه، ولولا محبة الله لنا لما ابتلانا، فابتلاء الله للمؤمن دليل محبته له،  والمُحِب لا يتضجَّرُ من فعلِ حبيبه أبدًا، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "إذا أحبَّ الله قومًا ابتلاهم، فمن صبرَ فله الصبرُ ومن جَزَعَ فله الجَزَعُ" رواه الإمام أحمد وصححه الألباني، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُصِبْ منه" رواه البخاري. الوقفة الرابعة: علينا أن نتفاءلَ، وأن نعظّمَ شأنَ التفاؤلِ في نفوسنِا، وأن نجدِّدَه في قلوبِنا دائما، حتى لا نيأسَ ولا نقنطَ من رحمة الله، عن أبي هرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : "لاَ طِيَرَةَ ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ ، قَالُوا : وَمَا الْفَأْلُ ؟ قَالَ : الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ" رواه البخاري ومسلم. والحذر ثمَّ الحذر من نشر الشائعات ومن التشاؤمِ، وترويعِ الناس، وإرهابِهم بالهلاكِ، وسوءِ الأحوالِ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ" رواه مسلم. الوقفة الخامسة: علينا أنْ نحتسبَ الأجرَ فيما نقوم به من إجراءاتٍ احترازية، وأن نتعبّدَ الله عز وجلّ في فعلِها، حمايةً لأنفسنا، وحمايةً لمجتمعِنا ومن نخالِطُهُمْ، فقد قال صلى الله عليه وسلم "عُرِضتْ عليَّ أعمالُ أمّتي حسَنُها وسيّئُها، فوجدتُ في محاسنِ أعمالِها الأذى يُماطُ عن الطريقِ، ووجدتُ في مساوئِ أعمالِها النخاعةُ تكونُ في المسجدِ لا تُدفَن" رواه مسلم،  وقد أثبتتْ هذه الإجراءاتُ فعاليتَها وجدواها، ورأينا ثمرتَها ومنفعَتَها في الأشهرِ الماضية، خلالَ الموجة الأولى من هذا الوباء، واحتساب الأجر من الله في تطبيقِ هذهِ الاحترازات؛ يهوّنُها علينا، ويدفعُنا للمحافظةِ عليها، ولا شكَّ أنَّ في تطبيقها شيءٌ من النَّصَبِ والتَّعَبِ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِن نَصَبٍ ولَا وصَبٍ، ولَا هَمٍّ ولَا حُزْنٍ ولَا أذًى ولَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بهَا مِن خَطَايَاهُ" رواه البخاري بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة .... أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .. الخطبة الثانية: الحمد لله على كلّ حالٍ، وإليه المرجعُ والمآل، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، الكريم المفضالُ، وأشهدُ أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإيمانٍ وامتثالٍ إلى يومِ البعثِ ولانتقال..   أما بعد: فيا عباد الله : اتقوا الله "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا" معاشر المؤمنين: الوقفة السادسة: الإقلاعُ عن الذنوبِ والمعاصي ضرورةٌ لا خيارٌ، فما وقعَ ذنبٌ إلا بمعصيةٍ، ولا رُفِعَ إلا بتوبةٍ، يقول الله تعالى : " كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ويقول جلّ شأنه: " أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ" وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما توادَّ اثنانِ في اللهِ فيُفَرَّقُ بينهما إلَّا بذنْبٍ يُحْدِثُهُ أحدُهما" رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني. وكان من ضمن دعاء العباس بن عبدالمطلب عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم إنّه لم ينزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، ولم يُكْشَفْ إلا بتوبة" هذا وصلوا وسلموا على رسول الله حيث أمركم بذلك الله إذ يقول: "إن الله وملائكته يصلون على النبي ..... "          
المشاهدات 2225 | التعليقات 0