وقفات مع ما صدر من قرارات

مبارك العشوان
1438/01/12 - 2016/10/13 07:29AM
إنَّ الحَمْدَ للهِ... أمَّا بعدُ: فاتقُوا اللهَ ... مسلمون.
عبادَ الله: يَقْلَقُ النَّاسُ عَلى أرْزِاقِهِم أشدَّ القلقِ؛ واللهُ تَعَالى خَالِقُهُم وَرَازِقُهُم وَلَنْ يَتْرُكَهُم: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ... } الروم 40
يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: أَيْ: هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ؛ يُخْرِجُ الْإِنْسَانَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَانًا لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا سَمْعَ وَلَا بَصَرَ وَلَا قُوَى، ثُمَّ يَرْزُقُهُ جَمِيعَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالرِّيَاشَ وَاللِّبَاسَ وَالْمَالَ وَالْأَمْلَاكَ وَالْمَكَاسِبَ... الخ. وقالَ تعالى: { وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } قَالَ السَّعدِيُّ رَحِمهُ اللهُ: أَيْ: البَارِي تَبارَكَ وَتَعَالى، قَدْ تَكَفَّلَ بِأرْزَاقِ الخَلَائِقِ كُلِّهِم، قَوِيِّهِم وَعَاجِزِهِم، فَكَمْ { مِنْ دَابَّةٍ } فِي الأرضِ، ضَعِيفَةِ القُوى، ضَعِيفَةِ العَقلِ { لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا } وَلَا تَدَّخِرُهُ، بَلْ لَمْ تَزَلْ، لَا شَيءَ مَعَهَا مِنَ الرِّزْقِ، وَلَا يَزَالُ اللهُ يُسَخِّرُ لَهَا الرِّزْقَ، فِي كُلِّ وَقْتٍ بِوَقْتِهِ. { اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ }.. الخ.
لَا تَحْزَنْ يَا ابْنَ آدَم: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }الذاريات 58
: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ...} هود 6
{ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فاطر 2
: { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ } الملك 21
( اللهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) كَانَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ يَقُولُها إذا رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وفِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ.
لَنْ نُفَارِقَ الدُّنيَا وَلَنا فِيها نَفَسٌ لَمْ نأخُذْهُ، أوْ لُقْمَةٌ لَمْ نَأكُلْهَا؛ لَنْ تَمُوتَ نَفسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا، يُرْسَلُ الْمَلَكُ للإنسانِ وَهُو فِي بَطْنِ أُمِّهِ: ( فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ، أَوْ سَعِيدٌ... ) رواه البخاري ومسلم.
عبادَ الله: يَنْبَغِي أنْ يُذَكِّرَ بَعضُنَا بَعضًا بِمِثْل هَذِهِ النُّصُوصِ فِي مِثْلِ هَذِا الوَقْتِ؛ خَيرٌ لَنَا وَأَنْفَعُ مِنْ التَّضَجُّرٍ، وَالتَّسَخُّطِ فهوَ لَا يَزِيدُ أصْحَابَهُ إلَّا حَسْرَةً وَكَمَدًا.
ثُم لْنَتَذَكَّرْ مَا أغْدَقَ رَبُّنَا عَلَينَا مِنَ النِّعَمِ، وَصَرَفَ عَنَّا مِنَ النِّقَم.
وَلْنَعْلَمْ أنَّهُ مَا نَزَلَ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ؛ { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الروم 41 { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } يَقولُ ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَمِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ: أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ...قَالَ تَعَالَى: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الشُّورَى 30 وَقَالَ سبحانه: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الْأَنْفَال 53. فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ، فَيُغَيِّرُ طَاعَةَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَشُكْرَهُ بِكُفْرِهِ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ بِأَسْبَابِ سُخْطِهِ، فَإِذَا غَيَّرَ غَيَّرَ عَلَيْهِ، جَزَاءً وِفَاقًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ، غَيَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِالْعَافِيَةِ، وَالذُّلَّ بِالْعِزِّ.
وَبَيَّنَ رَحِمَهُ اللهُ، أنَّ مِنْ آثارِ المَعَاصِي: حِرْمَانُ الرِّزْقِ، فكَمَا أَنَّ تَقْوَى اللَّهِ مَجْلَبَةٌ لِلرِّزْقِ؛ فَتَرْكُ التَّقْوَى مَجْلَبَةٌ لِلْفَقْرِ، فَمَا اسْتُجْلِبَ رِزْقُ اللَّهِ بِمِثْلِ تَرْكِ الْمَعَاصِي. فَاللهَ اللهَ فِي شُكْرِ اللهِ بِطَاعَتِهِ وَالالْتِجَاءِ إِليهِ واسْتِغْفَارِهِ { فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِدرَارًا، وَيُمدِدْكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَلْ لَكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَلْ لَكُم أَنهَارًا } بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم...

الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ...أمَّا بعدُ: فالنَّقْصُ مِنَ الأمْوَالِ أحَدُ أنْوَاعِ الابْتِلاءِ؛ وَمَنْ أَرَادَ السَّعادَةَ؛ فَلْيَصْبِرْ إذَا ابْتُلِيَ، وَلْيَشْكُرْ إذَا أُعْطِيَ وَلْيَسْتَغْفِرْ إِذَا أذْنَبَ؛ عِنْدَهَا لِيُبْشِر بِالخَيْرَاتِ: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } البقرة 155 - 157
ثمَّ عَلَينَا عِبادَ اللهِ في مِثلِ هَذَا الوَقتِ أنْ نُدْرِكَ وَنُقَدِّرَ مَا تَمُرُّ بِهِ بِلَادُنَا، وَمَا تُوَاجِهُ مِنْ كَيدِ أَعْدَاءِنَا، وَمَا يَحْرِصُ عَلَيهِ وُلَاةُ أَمْرِنَا مِنَ المَصَالِحِ العَامَّةِ لِلبِلَادِ وَأهْلِهَا.
كَمَا يَنْبَغِي: أنْ يَقِفَ بَعْضُنَا إلى بَعْضٍ، فالْمُؤْمنونَ كالْجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، وكَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، لِيَقِفْ غَنِيُّنَا مَعَ فَقِيرِنَا، وَلْنَأخُذْ بِالسَّمَاحَةِ فِي بَيْعِنَا وَشِرَائِنَا، وَقَضَائِنَا وَاقتِضَائِنَا؛ أَنْظِرُوا المُعْسِرَ حَتَّى يَجِدَ سَدَادًا، أَوْ أَسْقِطُوا عَنْهُ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلمٍ: ( اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ، وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ، فَقَالَ: مَا عَمِلْتَ ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ أَنِّي كُنْتُ رَجُلاً ذَا مَالٍ، فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ، وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْسُورِ، فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي. قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ. وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ ) رواه مسلم.
ثمَّ الحَذَرَ الحَذَرَ مِنَ الإِسْرَافِ، وَالاسْتِهَانَةِ بِالنِّعَم، وَالتَّخَوُّضِ فِي الأَمْوَالِ بِغَيرِ حَقٍّ؛ فَعَوَاقِبُ ذَلِكَ وَخِيمَةٌ، عَلَيكُم عِبادَ اللهِ بِالاعْتِدَالِ وَالتَّوسُطِ فِي نَفَقَاتِكُم: { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } الإسراء 29
اللَّهُمَّ أصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِنَا، ودَنُيَانَا التي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَآخِرَتَنَا التِي إِلَيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيرٍ، وَالمَوتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَر.
اللهُمَّ تَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
اللهُمَّ أعِزَّ الإِسْلَامَ ... اللهُمَّ أَصْلِح أَئِمَتَنَا ...
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا ...
عِبادَ الله : اُذْكُروا اللهَ ...

المشاهدات 1413 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا