وقفات مع كورونا-5-12-1436ه-عبدالله اليابس-المنبر-بتصرف

محمد بن سامر
1436/12/04 - 2015/09/17 18:42PM
[align=justify]
أمابعد:
فالكلامُ اليومَ عن موضوعٍ شغل َمجالسَ الناسِ، تحدثَ فيه كثيرٌ من الناسِ، ووسائلُ الإعلامِ، هذا يحذرُ منه, وآخرُ يقللُ من قيمتِه, وثالثٌ ألَّفَ حولَه الإشاعاتِ والأراجيفَ.
سموه(كورونا), أو (المرضُ الشرقيُ للجهازِ التنفسيِ), ينتشرُ فيروسُ هذا المرضِ في أكثرَ من خمْسَ عشرةَ دولةً حولَ العالمِ, ومنها السعوديةُ, وإلى الآنَ لا يُعرفُ مصدرُ هذه السلالةِ الفيروسيةِ, وبغضِ النظرِ عن الشائعاتِ عن مصدرهِ، فهذهِ وقفاتٌ معه:
الوقفةُ الأولى: الطواعينُ والأمراضُ والأوبئةُ ليستْ من الأمورِ الجديدةِ, وإنما عرفَها الناسُ من قديمِ الزمانِ, قال ابْنُ خَلْدُونَ-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "وَأَمَّا كَثْرَةُ المُوتَانِ فَلَهَا أَسْبَابٌ: مِنْ كَثْرَةِ المَجَاعَاتِ...،أَوْ كَثْرَةِ الْفِتَنِ...،فَيَكْثُرُ الْهَرْجُ وَالْقَتْلُ، أَوْ وُقُوعِ الْوَبَاءِ، وَسَبَبُهُ فِي الْغَالِبِ: فَسَادُ الْهَوَاءِ بِكَثْرَةِ الْعُمْرَانِ؛ لِكَثْرَةِ مَا يُخَالِطُهُ مِنَ الْعَفَنِ وَالرُّطُوبَاتِ الْفَاسِدَةِ...".
وقدْ عدَّ النبيُّ-صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلمَّ-ذلك من أشراطِ الساعةِ, وعلاماتِ قُرْبِ قيامِها, فعن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ-جلدٍ-،فَقَالَ: "اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا"، قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ-رحمه الله-: "المُوتَانُ هُوَ المَوْتُ الْكَثِيرُ الْوُقُوعِ، وَشَبَّهَهُ بِقُعَاصِ الْغَنَمِ، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْغَنَمَ لَا يُلْبِثُهَا إِلَى أَنْ تَمُوتَ، وَقِيلَ: هُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ فِي الصَّدْرِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْأَوْبِئَةِ تُؤَثِّرُ فِي الرِّئَةِ، وَتَحْبِسُ النَّفَسَ، حَتَّى يَمُوتَ المَوْبُوءُ".
الوقفةُ الثانيةُ: الوباءُ قدْ يكونُ عقوبةً، وقدْ يكونُ ابتلاءً.
قدْ يكونُ عقوبةً على انتشارِ المعاصي, قالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "لم تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا"، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "مَا ظَهَرَ الْبَغْيُ-الظلمُ-فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ المُوتَان"، واللهُ-تباركُ وتعالى-يقولُ: [وما أصابَكم مِنْ مصيبةٍ فبما كسبتْ أيديكِم ويعفو عنْ كثيرٍ]، فتكونُ عقوبةً ليرتدعَ الباغي عن بغيهِ, ويُفيقَ الغاوي مِن غيهِ, وينالَ العاصي جزاءَ عِصيانِه.
وقدْ تكونُ هذه الأمراضُ والأسقامُ ابتلاءً مِن اللهِ-تباركَ وتعالى-لعبادِه المؤمنينَ؛ ليزيدَ في حسناتِهم، ويُكَفِّرَ من سيئاتِهم، ويرفعَ في درجاتِهم, [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ*الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ], وفي الحديث: "ما يزالُ البلاءُ بالعبدِ حتى يمشي على الأرضِ وما عليهِ خطيئةٌ", وقالتْ أمُنا عائشةُ-رضيَ اللهُ عنها-سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم-عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي: "أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ عليهِ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ".
الوقفةُ الثالثةُ: لا شكَّ أنَّ لهذا المرضِ علاجًا بإذنِ اللهِ-تعالى-, قالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم-: "ما أنزلَ اللهُ من داءٍ, إلَّا أنزلَ معه دواءً, علِمَه من علِمَه, وجهِلَه من جهِلَه, إلَّا السَّامَ ؛ قيلَ يا رسولَ اللهِ: وما السَّامُ؟ قال: الموْتُ".
قدْ يكونُ البشرُ لم يتوصلوا بعدُ لعلاجِ هذا المرضِ, لكن يوصي الأطباءُ من أصيبُ بهذا المرضِ بالراحةِ التامةِ, والإكثارِ من تناولِ المضاداتِ الطبيعيةِ كالبرتقالِ والليمونِ والعسلِ ونحوِها, وعدمِ مخالطةِ الأشخاصِ الأصحاءِ قدرَ الإمكانِ، وهوَ ما أمرَ به النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم-: "لا يُوردُ مُمرضٌ على مُصحٍ".
أستغفرُ الله...
[/align]
[align=justify]
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعْدُ: فالوقفةُ الرابعةُ: إنَّ أفضلَ سبلِ الوقايةِ من هذا المرضِ: التحصنُ بذكرِ الله-عزَّ وجلَّ-, فيحرصُ الإنسانِ على أذكارِ الصباحِ والمساءِ، ومنها: آيةُ الكرسيِّ, وآخرُ آيتين من سورةِ البقرةِ، وسورةُ الإخلاصِ:[قل هو اللهُ أحدٌ]، والمعوذتينِ:[قلْ أعوذُ بربِ الفلقِ]، وفيها الاستعاذةُ باللهِ مِن كلِّ الشرورِ الخارجيةِ عمومًا، وشرِ السحرةِ والحاسدينَ والعائنينَ خصوصًا، و[قلْ أعوذُ بربِّ الناسِ]، وفيها الاستعاذةُ باللهِ مِن كلِّ الشرورِ الداخليةِ، ومنها وسوسةُ شياطينِ الإنسِ والجنِ، ومن الأذكارِ قولُ: "أعوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شرِّ ما خلَقَ"، وقولُ: "باسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ" ثلاثَ مرَّاتٍ.
واللهُ-سبحانه-وسعَ كرسيُه السماواتِ والأرضِ ولم يعجزْه أو يتعبْه حفظُهما، والسماواتُ والأرضُ بالنسبةِ إلى الكرسيِّ، كحلقةٍ مُلقاةٍ في الصحراءِ، فهل يَعجزُ اللهُ-وحاشاه-عن حفظِك أيها المخلوقُ الضعيفُ؟!
الوقفةُ الخامسةُ: أنْ يحرصَ الإنسانُ قدرَ الإمكانِ على وقايةِ نفسِهِ: بالبعدِ عنْ مواطنِ الزحامِ, وعدمِ استخدام أدواتِ المريضِ, والحرصِ على النظافةِ العامةِ والخاصةِ في جسمهِ وثيابهِ، وفراشِه وبيتِه، وشارعِه وحيِه، والحرصِ على تطبيقِ ما ورد في حديثِ رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم-: "مَن أكلَ سبعَ تمْراتٍ عجوةٍ ما بينَ لابتيْ المدينةِ على الرِّيقِ، لم يضرُّه...شيءٌ حتى يُمسيَ-قال الراوي: وأظنُّه قال: "وإن أكلَها حين يُمسي، لم يضرُّهُ شيءٌ حتى يُصبحَ", وقدْ ذكرُ بعضُ أهلِ العلمِ أنه إذا لمْ يوجدْ تمرُ العجوةِ فإنَّ غيرَه من أنواعِ التمورِ تفيدُ قريبًا من فائدتِه.
وهذا لا يعني أنْ ينتقلَ الإنسانُ إلى مرحلةِ الوسوسةِ بهذا المرضِ, ولكن يبذلُ الأسبابَ كما أمره ربُّه-سبحانه-, جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم-فقال: يا رسولَ اللهِ: أُرْسِلُ ناقتي وأتوكَّلُ أم أعقِلُهَا وأتوكَّلُ؟ قال-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم: بل اعْقِلْها وتوكلْ.
ولو أصيبُ بهذا المرضِ إنسانٌ فلْيعلمْ أن هذا قدرٌ قدْ كتبَه اللهُ عليهِ, قالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم-:"واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قدْ كتبَه اللهُ لكَ, ولو اجتمعوا على أنْ يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قدْ كتبَه اللهُ عليكَ", وليتأكدْ من أصيبَ بهِ أن نسبةَ شفائِه منه كبيرةٌ, فإنَّ نسبةَ المتعافينَ منه هي الأكبرُ-ولله الحمدُ والمَنُ-.
الوقفةُ السادسةُ: الحذرَ الحذرَ من التسرعِ في نشرِ الأخبارِ, وإشاعةِ الإشاعاتِ, ونقلِ الرسائلِ التي تصلُك دونَ التثبتِ منها, فكثيرٌ من تلك الرسائلِ والأخبارِ كذبٌ لا أصلَ له, لبثِ الرعبِ والقلقِ والخوفِ في قلوبِ الناسِ.
والعاقل الحكيمُ لا يتكلمُ في شيءٍ إلا إذا تثبَّتَ من صحتِه؛ فإذا ثبتَ لديه أنهُ صحيحٌ نَظَرَ في فائدةِ نشرِه؛ فإنْ كانَ في نشرِه خيرٌ أذاعَه ونشرَه، وإن كانَ فيه شرٌ تركه وأعرضَ عنه.
قال اللهُ-تعالى-: [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلا]، وقالَ-صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلمَّ-: "كفى بالمرءِ كذبًا أنْ يُحَدِّثَ بكلِّ ما سمعَ"، وقال عبدُالرحمنِ بنُ مهديٍ-رحمهُ اللهُ-: "لا يكونُ الرجلُ إمامًا يُقتدى به حتى يُمسِكَ عنْ بعضِ ما سمعَ".
[/align]
المرفقات

وقفات مع كورونا-5-12-1436ه-عبدالله اليابس-المنبر-بتصرف.docx

وقفات مع كورونا-5-12-1436ه-عبدالله اليابس-المنبر-بتصرف.docx

وقفات مع كورونا-5-12-1436ه-عبدالله اليابس-المنبر-بتصرف.doc

وقفات مع كورونا-5-12-1436ه-عبدالله اليابس-المنبر-بتصرف.doc

المشاهدات 1847 | التعليقات 0