وقفات مع عودة الدراسة 19-1-1443

محمد آل مداوي
1443/01/18 - 2021/08/26 14:42PM

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيرا.

أما بعد: فأوصيكُم ونفسي بتقوى الله، اتَّقُوا اللّه: (وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

أيها المسلمون: مِنْ أَهَمِّ مُهِمَّاتِ الأُسْرَة: اهتِمَامُها بتَعلِيمِ أبنَائِها العِلْمَ النَّافِعَ لهم في دِينِهِمْ ودُنيَاهُم، والقيامِ بتأدِيبهم بآدابِ الإسلام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) ، قال عليٌّ رضي الله عنه عند هذه الآية: "عَلِّمُوهُم، وأدِّبوهُم".

وإنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ علينا؛ ما نَشْهَدُهُ هذهِ الأيّام؛ مِنْ بِدَايةِ العَوْدَةِ الحُضُورِيَّةِ إلى المدارس، في خُطُواتٍ تَدريجيَّة، وِفقًا لما صَدَرَ مِنَ الجِهَاتِ المُختَصَّة، مما يُبشِّرُ بخير، ويجعَلُنا نتفَاءَلُ بانْكِشَافِ الغُمَّةِ بإذن الله، والعَوْدَةِ إلى الحيَاةِ الطبيعية، وهو مَا يَسْتَوْجِبُ منَّا الشُّكرَ للهِ ظاهِرًا وباطِنًا، والاعترافَ بفَضْلِه ونِعْمَتِه، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

تَعُودُ الدِّرَاسَةُ؛ لِتَعُودَ معَها تلكَ الخُطَى النقيَّة، تَسِيرُ كلَّ صَبَاحٍ إلى فُصُولِ العِلْم، ومحاضِنِ التربية.. خُطىً مُشْرِقَةٌ، تَسْتَغْفِرُ لِصَاحِبِها الحِيتانُ في الماء، والطيورُ في السَّماء، و (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فيه عِلمًا؛ سَهَّلَ اللهُ له به طَرِيقًا إلى الجنة).

عبادَ الله: التعليمُ هوَ رِسالةُ الأنبياء: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) ، ولذلك فالمعلمونَ والمُعلِّماتُ هُمْ صُنَّاعُ المجد، وبُنَاةُ الأمل، ومَنَارةُ الحضارات:

أَعلِمتَ أشرفَ أو أجَلَّ مِنَ الذي ** يبني ويُنشِىءُ أنفُسًا وعُقولا!

عَن أبي أُمَامَةَ البَاهِليِّ t أنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قال: (إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ وأَهْلَ السَّمَوَاتِ والأرَضِينَ، حتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وحتَّى الحوتَ، لَيُصَلُّونَ علَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَير) روَاهُ التِّرمذِيُّ وصَحَّحَهُ الأَلبانِيُّ.

وبَعْدَ ما عَاشَهُ أَوْلِيَاءُ الأُمُورِ مِنْ تَجْرِبَةِ التَّعليمِ عَنْ بُعْد؛ أَدْرَكَ بَعْضُهم مَسْؤوليَّةَ المُعلِّمينَ والمُعَلِّمَات، وعِظَمَ دَوْرِهم في رِعَايَةِ أبنَاءِ المُسْلِمينَ وتَوْجيهِهِمْ، وهو ما يؤكِّدُ فَضْلَ المُعلِّم، ويُوجِبُ إعْطَاءَهُ حَقَّهُ مِنَ الاحْتِرَامِ والتَّقدِير، والثناءِ والتَّبْجِيل.

فيَا أيُّها المُرَبُّون: أنتُمْ مُؤتَمَنُونَ على تَربيةِ أجْيَالِنا، وإعدَادِ أولادِنا، وتَوْجيهِ مُستقبَلِنا، في تَطويرٍ وتجديد، معَ الأصَالَةِ والثباتِ المُستمَدِّ مِنْ شريعةِ الإسلام، الهادِفَةِ إلى تَعْبيدِ الناسِ لربِّ العالمين، وتَنشِئَةِ المواطنِ الصّالحِ، المُنْتِج الواعي، السَّالمِ مِنْ شَطَطِ التفكيرِ ومَسالِكِ الانحرافِ.

(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ)

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونَفَعنا بما فيهما من الآيات والحكمة. أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: أَيُّهَا المُسلِمُونَ:

وهذهِ هَمْسَةٌ للطُلَّابِ والطَّالبَات؛ أَنْ أخْلِصُوا للهِ عزَّ وجلَّ في طَلَبِ العِلْم، والجِدِّ والمُثَابَرَةِ في التَّحْصِيل.. احتَرِموا المعلمين ووَقِّروهُمْ، وقومُوا بحَقِّهِمْ، واحْذَروا رِفْقَةَ السُّوء، وضِعَافَ الهِمَّة.. التَزِمُوا بالتعليماتِ الوِقَائيَّة، والتّدَابِيرِ الاحترَازِيَّة، توكَّلُوا على اللهِ وافْعَلوا الأسباب؛ (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)

اِحْرِصُوا على إِظْهَارِ أَثَرِ العِلْمِ في أخْلاقِكُم وتَعَامُلِكُم، وصَلاحِ قُلُوبكم. والعِلمُ إذا اقترَنَ بالإيمانِ فتِلك رِفْعَةُ الدُّنيا والآخِرة: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وإذا كان العِلْمُ مُجَرَّدًا مِنَ التربِيَةِ، خُوَاءً مِنَ المبادِئ؛ فهو وَبَالٌ ونِقْمَة.

فاتقوا الله عبادَ الله، واجْتَهِدُوا في نَفْعِ أَنْفُسِكُم، وحِمَايَةِ أوطَانِكُم، ورِفْعَةِ أُمَّتكم، والسَّمْعِ والطَّاعَةِ لِمَنْ ولاَّهُ الله أمْرَكُم.. احْرِصُوا على تحصِيلِ المُرَاد، وكونوا قُدْوَةً لِغَيرِكُم؛ تنَالُوا الفوزَ في الدُّنيا، والفَلاحَ في الآخِرَة.

 

ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيكم محمدٍ رسول الله، فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال -وهو الصادقُ في قِيلِه- قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واحمِ حوزةَ الدين، اللهم وعُمَّ بالأمن والرخاء جميعَ أوطان المسلمين، يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه وولي عهده لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وأصلح لهم البطانة، واجمع بهم كلمة المسلمين يا رب العالمين.

اللهم احفظ رجالَ أمننا، وانصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، اللهم احفظهم بحفظك التام، واكلأهم بعينك التي لا تنام، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا.

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، والزلازل، والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    

المرفقات

1629988931_خطبة 19-1-1443 وقفات مع عودة الدراسة.docx

المشاهدات 2165 | التعليقات 0