وقفات مع سورة ق ( الجزء الأول )

مبارك العشوان 1
1444/04/16 - 2022/11/10 07:34AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } آل عمران 102

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا كِتَابَهُ هِدَايَةً لِلنَّاسِ؛ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ، وَيَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهِ، وَيَتَّعِظُوا بِمَوَاعِظِهِ؛ وَإِنَّ أَبْلَغَ مَوْعِظَةٍ مَوْعِظَةُ القُرْآنِ؛ وَأَعْظَمَ ذِكْرَى الذِّكْرَى بِالقُرْآنِ؛ { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ }

وَإِنَّ مِنْ مَوَاعِظِ القُرْآنِ تِلْكَ السُّورَةُ العَظِيْمَةُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا فِي صَلَاةِ العِيدِ، وَفِي خُطْبَةِ الجُمُعَةِ.

تَقُولُ أُمُّ هِشَامٍ بِنْتُ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمانِ رَضِيَ اللهُ عَنْـــــهَا: ( وَمَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، إِذَا خَطَبَ النَّاسَ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالْقَصْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ فِي الْمَجَامِعِ الْكِبَارِ كَالْعِيدِ وَالْجُمَعِ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْخَلْقِ، وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَالْمَعَادِ وَالْقِيَامِ وَالْحِسَابِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالثَّوَابِ وَالعِقَابِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ

عِبَادَ اللهِ: وَلَعَلَّنَا نَقِفُ اليَومَ مَعَ آيَاتٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةَ.

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ بِـْسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) }

عِبَادَ اللهِ: جَاءَ فِي هَذِهِ الآيَاتِ: التَّذْكِيرُ بِالمَوتِ وَبِمَا بَعْـدَهُ

{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }

وَفِي تَذَكُّرِ الإِنْسَانِ لِلْمَوْتِ، وَعِلْمِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بَغْتَةً؛ نَفْعٌ لَهُ، وَصَلَاحٌ لِقَلْبِهِ، وَبَاعِثٌ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ وَالعَمَلِ.

إِذَا انْقَضَى الأَجَلُ، وَحَضَرَ المَوْتُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ مِنْهُ فِرَارُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {  قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا } الأحزاب 16  

وَقَالَ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُـلَاقِيكُمْ } الجمعة 8 وَقَالَ تَعَالَى: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } النساء 78

وَهَذِهِ الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ لَا دَارُ مَقَرٍّ، لَا بَقَاءَ لَهَا وَلَا لِأَحَدٍ عَلَى ظَهْرِهَا: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }الرحمن26{ كُـلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }آل عمران 185 { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } القصص 88

ثُمَّ إِذَا حَضَرَ المَوتُ فَإِنَّ لَهُ سَكْرَاتٍ يَجِدُهَا المُحْتَضَرُ؛ حَتَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ؛ لَمَّا حَضَرَ أَجَلُهُ: ( جَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ...) رواه البخاري. 

فَلْنَتَّقِ اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَلْنَسْتَعِدَّ لِلْمَوتِ وَسَكْرَتِهِ، وَلْنَعْتَبِرْ بِمَنْ يُتَخَطَّفُ مِنَ النَّاسِ حَوْلَنَا، شَبَابًا وَشِيبًا، أَصِحَّاءَ وَمَرْضَى، فِي الحُرُوبِ وَالحَوَادِثِ، وَبَيْنَ أَهْلِيهِمْ وَعَلَى فُرُشِهِمْ.  

لِنَعْتَبِرْ وَلْنَتَّعِظْ فَفِي المَوتِ عِبَرٌ وَمَوَاعِظُ، وَكَفَى بِالمَوتِ وَاعِظًا.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيْم

 

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ:

فَإِنَّ الأَمْرَ لَا يَنْتَهِي بِالمَوتِ وَسَكْرَتِهِ؛ بَلْ بَعْدَهُ القَبْرُ؛ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، مَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ، وَبَعْدَ القَبْرِ النَّفْخُ فِي الصُّورِ وَالبَعْثُ مِنَ القُبُورِ، وَالحَشْرُ وَالحِسَابُ وَالصِّرَاطُ  وَالجَنَّةُ وَالنَّارُ.

شَدَائِدُ وَأَهْوَالٌ يَشِيْبُ لَهَا الوِلْدَانُ.

فَلْنُكْثِرْ - رَحِمَكُمُ اللهُ - مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَاتِ، لِنَنْظُرْ فِي أَعْمَالِنَا، وَلْنَتَأَهَّبْ لِرَحِيْلنَا وَانْتِقَالِنَا.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

المرفقات

1668054798_وقفات مع سورة ق الجزء الأول.pdf

1668054823_وقفات مع سورة ق الجزء الأول.doc

المشاهدات 518 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا