(وقفات مع سورة التين / والتعداد السكاني) مستفادة من خطب بعض المشائخ الكرام
Abosaleh75 Abosaleh75
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وتوكلوا عليه {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، فمن اتقى الله جعل له مخرجاً من كل كَرْبٍ يَعتريه، ورَزَقهُ من وجهٍ لم يخطرْ ببالهِ أنّ الرزقَ فيه، ومن توكّلَ على الله فهو حسبُه وكافِيْه، ومن أطاعَ اللهَ ورسولَهُ فاز فوزاً عظيماً يومَ يُلاقِيه.
عبادَ الله: إنّ سورةَ التينِ من السُّورِ التي تطرقُ مسامِعَنا كثيراً في الصلواتِ الجهرية، وترددها أَلسنتُنا كثيراً في صلواتِنا السرية، وفي هذه الخطبة سنوضح بعضَ معانيها ليزدادَ بها انتفاعُنا، ويعْظُمَ أثرُها في نفوسِنا، قال تعالى: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8).
أقسم الله تعالى بالتينِ والزيتون، وهما شجرتانِ معروفتانِ كثيرتا الفوائدِ والمنافع، كما أنّ فيها إشارةً إلى أرضِ الشامِ التي هيَ مَحِلُّ كثيرٍ من النُّبُّواتِ لاشتهارهِا بهاتينِ الشجرتين، ثم أقسمَ بِطُورِ سَيناء وهو المحِلُّ الذي كلّمَ اللهُ فيه موسى تكليماً، وجعلهُ فيهِ رسولاً نبياً، ثم أقسمَ بالبلدِ الأمينِ يعني مكة _حرسها الله_ التي اختارها الله لمحمدٍ ﷺ ، وفيها شرّفهُ بالنبوةِ والرسالة.
فعلى ماذا أقسم ربُّنا جلَّ وعلا بهذا القسم العظيم؟ أقسمَ على أنّهُ خلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويم، أي في أَعدلِ قامةٍ، وأحسنِ صورةٍ، حتى قيل: “ليس للهِ تعالى خَلْقٌ أحسنَ من الإنسان” وكرّمَهُ بأنْ فطرَهُ على التوحيد، ووهبَهُ العقلَ والتمييز، وهيّأهُ لحَمْلِ أمانةِ التكليف.
ومع هذهِ النعمِ العظيمةِ التي أنعمَ بها على الإنسان، إلا أن كثيراً من الناس يجحدُ نعمةَ ربِّه فيشركَ بالله في العبادة، ويستعملَ نِعَمَ اللهِ عليه في معصيتِه، لذلك؛ فإنّ الله تعالى يردُّهم بعدما خَلَقَهُمْ في أحسنِ تقويم إلى أسفلِ سافلين، أي إلى النار بعد الموت، فما أخزى المرجِعَ، وما أقبحَ المآبَ والعياذُ بالله.
أَمّا من وحّدَ اللهَ تعالى وأطاعَهُ، واجتنبَ معصيتَهُ، فَمَرَدُّهُمْ إلى الجنّةِ حيث يتنعمون فيها بما اشْتَهَوْهُ من أصنافِ النعيم، وبالنظرِ إلى وجهِ ربِّهم الكريم، وأحسنُ ما في هذا النعيم، أنّه مستمرٌّ دائمٌ غيرُ ممنونٍ، أي غيرُ منقوصٍ ولا مقطوعٍ.
ثم وبّخ الله الكافرَ الجاحدَ فقال: ” فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ” أي ما الذي يجعلك تكفرُ بالبعثِ والنشورِ، والجزاءِ والحسابِ، بعدما رأيتَ قدرةَ ربِّكَ الباهرةَ التي لا يُعجِزُها شيء؟!. أَمَا رأيتَ كيف خَلَقَكَ في أحسنِ صورةٍ بعدَ أن كنتَ عَدَماً لا شيء؟ أليسَ مَن خلقكَ أوّلَ مَرَّةٍ بقادرٍ على أن يحييَك مرَّةً ثانيةً؟ بلى، بلى.
عباد الله: إنّ بعدَ الموتِ بعثاً ونشوراً، وبعدَ النشورِ جزاءً وحِساباً، وبعدَ الحسابِ ثواباً وعقاباً، وإنّ يومَ القيامةِ هو يومُ الدينِ أي يومُ الجزاءِ والحسابِ، يحكمُ الله فيه بين خَلْقِه، وهو أحكمُ الحاكمين.
نسألُ اللهَ أن يجعلَنا جميعاً من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فَلَهُم أجرٌ غيرُ مَمْنون، أقولُ هذا القول وأستغفرُ اللهَ لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً. أَمّا بَعدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}
أما بعدُ فيا أيها المؤمنون : أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (( أَحْصُوا لِي كَمْ يَلْفِظُ الإِسْلاَمَ))
ومعنى (احصوا) أي: عُدُّوا. ولفظ البخاري: (اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس. فكتبنا له..)
وقد بوّب البخاري على هذا الحديث بقوله ـ في كتاب الجهاد ـ « باب كتابة الإمام الناس » وهذا فيه أصلٌ شرعي للإحصاء، الذي يترتب عليه أمورٌ كثيرة في التخطيط والبناء . وفي هذه الأيام تَقُومُ الجِهاتُ الحكوميةُ في بلادِنا المُبارَكة بحَصْرِ التَّعْدَادِ السُّكَّانِي، في جَمِيعِ مَنَاطِقِ المملكَة، وهُوَ مَشْرُوعٌ تَتَرَتَّبُ عَلَيه مَصَالِحُ كَثِيرَة، تُوجِبُ على الجَمِيعِ التَّعَاوُنَ وأداءَ الأمانة، واسْتِشْعَارَ المَسْؤولِيَّةِ في تَحَرِّي الدِّقَّة، والإدْلاَءَ بالمعلومَاتِ المطلوبة؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْقِيقٍ لِلمَصَالحِ والمنافعِ والمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ المُعتَبَرة.
ثم صلُّوا وسَلِّموا على خيرِ خَلقِ الله...