وقفات مع سورة الإخلاص

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة .. نقف معكم مع سورة هي من أعظم سور القرآن الكريم، آياتها أربع آيات، وكلماتها معدودة، ونكررها في اليوم والليلة مرات عديدة، ويحفظها الكبير والصغير. ‏سورة عظيمة ترسخ معاني التوحيد والإيمان في قلب المسلم، وتؤكد وحدانية الله عز وجل وتفرُّده وتعظمه، تتضمن إثبات صفات الكمال، وتنفي عن الله صفات النقص والعيب، مع نفي الشبيه والمثيل والمكافئ.

‏إنها ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ سورة الإخلاص، وسميت بسورة الإخلاص؛ لأن الله تعالى أخلصها لنفسه، فليس فيها إلا الكلام عن الله وحده وأسمائه وصفاته وكماله، ولأنها تُخلِّص من الشرك من قرأها معتقدًا وعاملًا بما دلت عليه، ويكون في عداد عباد الله المخلصين

‏هذه السورة على قلة آياتها، وقصر كلماتها، إلا أنها تعد من أعظم سور القرآن الكريم؛ وذلك لكثرة ما ورد في فضلها من أحاديث نبوية صحيحة. فهي من أعظم سور القرآن الكريم، لم ينزل مثلها في الكتب السابقة، قال رسول الله ﷺ (يا عقبة بن عامر، ألَا أعلمك سورًا ما أُنزلت في التوراة ولا في الزبور، ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن، لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ قال عقبة: فما أتت عليَّ ليلة إلا قرأتهن فيها، وحق لي ألَّا أدعهن، وقد أمرني بهن رسول الله ﷺ.

سورة الإخلاص تتضمن صفة الرحمن جل جلاله، وأنها من أسباب محبته سبحانه وتعالى؛ بعث النبي ﷺ رجلًا على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي ﷺ، فقال: سلوه: لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي ﷺ (أخبروه أن الله يحبه).

ومن فضائل سورة الإخلاص: أنها تعدل ثلث القرآن؛ قال رسول الله ﷺ (أيعجِز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثُلُث القرآن؟) قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تعدل ثُلُث القرآن.

ومن فضائل هذه السورة، أنها تضمنت اسم الله الأعظم، والدعاء به مستجاب، سمع النبي ﷺ سمع رجلًا يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فقال (والَّذي نَفسي بيدِهِ، لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الأعظمِ، الَّذي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعطى).

ومن فضائلها: أنها حصن حصين، وحِرْزٌ متين من كل شر وبلاء لمن تعوَّذ وتحصَّن بها. وكان النبي ﷺ إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ فيهما ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.

وعن أنس t قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: إني أحب هذه السورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فقال رسول الله ﷺ (حبُّك إياها أدخلك الجنة).وقال النبي ﷺ قال (من قرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ حتى يختمها عشر مرات، بنى الله له قصرًا في الجنة، فقال عمر بن الخطاب t:  إذًا نستكثر يا رسول الله؟ فقال رسول الله ﷺ (الله أكثر وأطيب).

نسأل الله العظيم أن يجعلنا من أهل القرآن، الذين يتلونه حق تلاوته.

أقول ما تسمعون ...

 

 

الحمد لله رب العالمين ...

معاشر المؤمنين ... عن أُبَيِّ بن كعب t: أن الـمشركين، قالوا لرسول الله ﷺ: انسُب لنا ربك، فأنزل الله تعالى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾.

قل يا أيها الرسول قولًا جازمًا به، لمن سألك عن صفة ربك ونسبته: أن الله تعالى هو الأحد، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال الـمقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل. من أجل هذه الكلمة أُوذِيَ النبي محمد ﷺ حين قام أبو بكر t ليردع عنه إيذاء المشركين؛ قائلًا لهم ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾ وأوذي من أجلها المؤمنون من بعده ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾.

قال ﴿ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴾ أي: الـمقصود في جميع الحوائج؛ يعني الذي يصمُد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم"؛ فهو السيد الذي قد كمل في سؤدده، الشريف الذي قد كمل في شرفه، العظيم الذي قد كمل في عظمته، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.

ثم قال ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ لم يكن له ولد لانتفاء من يجانسه؛ إذ الولد يجانس والده، والمجانسة منفية عنه سبحانه وتعالى، ولم يولد؛ أي: ليس بمحدث بأن لم يكن فكان؛ فهو كائن أولًا وأبدًا سبحانه وتعالى.

قد جاءت هذه الآية الكريمة لتنفي العقائد الباطلة، وتردَّ على اليهود والنصارى والمشركين، الذين نسبوا لله تعالى الصاحبة والولد؛ فمشركو العرب زعموا: أن الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا[ قال رسول الله ﷺ قال(لا أحدَ أصبرُ على أذًى سمعه من الله؛ إنهم يجعلون له ولدًا، وهو يرزقهم ويعافيهم).

وفي ختام السورة ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ فهو سبحانه وتعالى لا يشبه أحدًا من خلقه، وليس له مثيل أو نظير أو ندٌّ، لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله سبحانه وتعالى عما يشركون ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.

نسأل الله العظيم أن يقوي عقيدتنا، وأن يرسخ إيماننا. اللهم إنا نسألك بأنا أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد. أن تغفر ذنوبنا وتستر عيوبنا.

وصلى الله على نبينا محمد

 

المرفقات

1729841629_وقفات مع سورة الإخلاص.pdf

1729841638_وقفات مع سورة الإخلاص.docx

المشاهدات 283 | التعليقات 0