وقفات مع زلزال المغرب وإعصار ليبيا
شايع بن محمد الغبيشي
وقفات مع زلزال المغرب وإعصار ليبيا
إنّ الحمدَ لله نَحْمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُه ونعوذ بالله من شرور أنفسينا وسيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضل له ومن يضلل فلا هاديَ له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدُهُ ورسُولُهُ ــ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ : فاتقوا الله عبادَ الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
عباد الله ما يقارب عشرة آلاف قتيل ٍومصابٍ حصيلة زلزال المغرب المدمر، وأكثر من خمسة آلاف قتيلٍ حصيلة كارثة إعصار لبيا وقد يصل العدد إلى عشرين ألف قتيل، وعدد المشردين من البلدين أضاعف أضعاف، في هذين البلدين المنكوبين يا عباد الله لا تسمع ولا ترى إلا البكاء والأنين، فالخوف والذعر والهلع والحزن والبكاء هو سيد المشهد، تحتار أتنقل صراح الأطفال أم بكاء النساء، أم زفرات المسنين، أم مناشدة اليتامى، لله أنتم أيها المنكوبون، قصص من المآسي والمعاناة يحزن لها القلب وتذرف لها العين، فالمؤمن يحزن لما يصيب أخاه فعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ» رواه أحمد وصححه الألباني، ومن تتبع أخبار الكارثتين عبر وسائل الإعلام أدرك عظم الفاجعة ولنا مع هذين الحادثين وقفات ودروس منها:
أولاً: عظيم قدر الله عز وجل وتصريفه لخلقه {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } على كل شيء قدر سبحانه {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } وفي ذلك دعوة للعباد أن يعظموا الله عز وجل ويوقروه ويلهجوا له بالحمد والتسبيح.
ثانياً: أن الله يرسل الآيات تذكراً لعباده وتخوفاً لهم حتى يرجعوا إليه ويحذروا من بطشه ويزايلوا الذنوب والمعاصي قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} من ذلك الزلال والخسف والأعاصير والفيضانات، فقد قال تعالى: { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} وقد أهلك الله قوم شعيب عليه السلام بالرجفة : {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} وأهلك قارون بالخسف: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ}، وأهلك عاد بالريح { فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ } ([1]) فعلينا عباد الله أن نتعظ بهذه الآيات ونقلع عن الذنب والمعصية وندرك أن من أعظم أسباب النجاة من بأس الله هو التوبة والاستغفار، والتناصح فيما بننا، والتواصي بالخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والأخذ على يدي السفيه، اللهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ يا حي يا قيوم.
ثالثاً: أن نحمد الله على ما أولانا من نعمة الأمن والاستقرار والسلامة والعافية فتلك والله من أعظم النعم ولنتذكر قول رسول الله صلى الله وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» رواه الترمذي وحسنه الألباني. وأن نحرص على استدامة هذه النهم بشكر ربنا جل وعلا والحذر من كفران نعمه {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} ([2])
إذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ رَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
اللهم أدم علينا نعم الأمن والإيمان اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْغَرَقِ، وَالْحَرَقِ، وَالْهَرَمِ يا حي يا قيوم.
رابعاً: في مشاهد الإعصار المدمر تذكير بشدة بطش الله جل وعلا وأخذه قال تعالى {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } ([3]) وفيه تذكير بإهلاكه للأمم السابقة: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} ([4]) اللهم إنا نعوذ بك مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، يا مجيب الدعاء. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
عباد الله ومن الوقفات:
خامساً: في مشاهد الزلازل المروعة المتكررة تذكير بقرب قيام الساعة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ... » رواه البخاري، وفيها أيضاً تذكير للعباد بمشاهد يوم القيامة {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } فلنتق الله عز وجل ولنحرص على طاعة لنكون من الناجين الآمنين يوم القيامة :{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}
سادساً: المبادرة في مد يد العون لإخواننا المتضررين وتفريج كريتهم فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رواه مسلم. وقد وجه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وفقهما الله بتسيير جسر جوي وتقديم المساعدات الإغاثية المتنوعة لتخفيف أضرار الزلازل على المتضررين في المغرب، وكذلك التوجيه بقيام مركز الملك سلمان للإغاثة بتقديم مساعدات غذائية وإيوائية للمتضررين من إعصار لبيا، فجزاهم الله خيراً على كل ما يقدمونه لإخوانهم المسلمين، اللهم تول إخواننا المصابين في المغرب ولبيا والطف بهم، اللهم أشف جرحاهم وارحم موتاهم واقبلهم في الشهداء اللهم، اجعل عاقبتهم رشدا وسد حاجاتهم ياذا الجلال والإكرام
([1]) ـ [فصلت: 15، 16]
([2]) ـ [إبراهيم: 7، 8]
([3]) ـ [البروج: 12]
([4]) ـ [الأحقاف: 24 - 27]