وقفاتٌ مع حديث "عرضت عليّ الأمم" 7/6/1446

أحمد بن ناصر الطيار
1447/06/05 - 2025/11/26 22:15PM

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين، واعلموا أنّ نبيّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رؤيا عظيمة عجيبة، فقصها على أصحابه رضي الله عنهم فقال: «عُرضت عليّ الأُمَم»، أي أن الأمم جميعا، كأمة آدم، وأمة نوح، وأمة عيسى، وأمة موسى، وغيرِهم، عُرضوا على نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «فرأيت النبيّ ومعه الرُّهَيط»، والرهيط تصغير رهط، والرّهط من الثلاثة إلى العشرة، أي أنهم قلة.

قال: «ورأيت النبي ومعه الرجلُ والرجلان، ورأيت النبيّ وليس معه أحد»، تأمل – أخي المسلم -، نبيٌّ يوحى إليه من الله جَلَّ وَعَلَا، ومؤَيَّد بالوحي والآيات، ومع ذلك لم يستجب له أحد!، لا زوجتُه، ولا أولاده، ولا إخوانه، ولا أعمامه، ولا والداه، كلّهم قد رفض وكذّبَه وعارَضَه.

وفي هذا عبرةٌ وفائدة: أن الحق لا يُعرف بالكثرة، قال الله جَلَّ وَعَلَا: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: 116]، فليست الكثرةُ دالةً على الحق، والحق لا يُعرف بالرجال، بل الرجال يُعرفون بالحق.

وفيه كذلك: أنّ مكانتك عند الله جَلَّ وَعَلَا ليست مرتبطة بقوة تأثيرك، وانتفاعِ الناس بك، فربما تبذل جهدًا وتسعى في بذل الخير، ولكن الناس لا يستجيبون لك، ويستجيبون لغيرك، فلا يعني هذا أنه ليس لك مكانة عند الله جَلَّ وَعَلَا وأنك مقصّر ومفرّط، ولكن هذا ابتلاءٌ من الله جَلَّ وَعَلَا؛ ليرى أأنت صادق أم لا؟ لأنّ الكاذب يتراجع ويفتُر، وربما سلك طرقًا ملتوية حتى يكسبَ الناس.

وفيه كذلك: تسلية وعزاء لمن اجتهد في نصح الناس، أو اجتهد في تربيةِ أولاده، فلم يهتدوا ويصلحوا، فهذا نبيّ ومع ذلك لم يستجب له حتى أولاده وأهله.

 فيا أيها الداعي إلى الله، يا أيها العالم، يا أيها الناصح، إذا بذلت ما في وسعك وأرضيت الله، فلا تحزن إن لم يَستجب لك الناس.

يا أيها الأب المشفق، لا تحزن إذا رأيتَ من ولد عقوقًا وإجرامًا وظلمًا، فلا لوم عليك إذا اتقيت الله جَلَّ وَعَلَا وفعلت الأسباب، ولا يعني هذا أنك فاشل.

فهذا نبيّ الله نوح عَلَيْهِ السَّلَامُ، مكث ألف سنة إلا خمسين عامًا، أمضى قرونًا كثيرةً يدعو قومَه إلى الله جَلَّ وَعَلَا، ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل.

وهذا الواعظ الكبير العالم الجليل ابن الجوزي عليه رحمة الله، مكث ما يقارب سبعين سنة في الدعوة إلى الله ونصح الناس، وهو من أبلغ الناس بالوعظ والتأثير، وكان إذا ألقى كلمة اجتمع عنده قرابة أربعين ألفًا من الناس، ويكثر فيهم البكاء والتأثّر من كلامه ووعظِه، ومع ذلك لم يقدّر الله لأحد أبنائه أن يتّعظ وأن يستفيد من مواعظه، بل كان عاقًّا مجرمًا، وقد آذى أباه وسعى في سجنه وطرده، وكان في صحبة المجرمين في السكر والعهر، ولما توفي أبوه باع كتبه بثمن بخسٍ ليستفيد من ذلك المال.

قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تكملة الرؤيا: «إذ رُفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذه أمة موسى، ولكن انظر إلى الأفق»، فرفعتُ رأسي ونظرتُ إلى الأفق وإذا سواد عظيم، وقيل لي: «انظر إلى الأفق الآخر»، أي: إلى الجهة الأخرى، «فنظرت فإذا سواد عظيم»، فقيل: «هذه أمتك سدّت ما بين الأفقين».

 فهنيئًا لكم يا أمة محمد، أنتم أكثر الناس يوم القيامة، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني أطمع وأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة»، نحن قد شغلنا بالَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وكان مرةً يدعو الله جَلَّ وَعَلَا فبكى، وجعل يقول: «يا رب أمتي أمتي»، يدعو الله لنا، يحبّ لقاءنا ويخاف علينا، ويوم القيامة سيكون في انتظارنا عند حوضه، نسأل الله تعالى أن يوردنا حوضه، وأن نلتقي به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 وفي هذا الحديث فضيلة عظيمة لهذه الأمة؛ لكونها أكثرَ الناس يوم القيامة.

ثم قال: «ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب»، فهؤلاء يدخلون الجنة ولا يحاسبهم الله على صغيرة ولا كبيرة، نسأل الله تعالى أن نكون منهم، إنه على كل شيء قدير.

****************

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: إخوة المسلمين، لقد بيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبب دخولِ السبعين ألفًا الجنةَ بلا حساب ولا عذاب، فقال: «هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيّرون، وعلى ربهم يتوكلون».

السبب الأول: أنهم لا يكتوون، أي لا يتداوون بالكي، لأنّ النار لا يُعذِّب بها إلا الله جَلَّ وَعَلَا.

السبب الثاني: أنهم لا يسترقون، أي لا يطلبون من أحد أن يرقيهم، بل يرقون أنفسهم؛ لأن سؤال الغير فيه مذلة، والمؤمن المتوكل لا يذِلّ إلا لله جَلَّ وَعَلَا.

السبب الثالث: أنهم لا يتطيرون، أي لا يتشاءمون، وقد كان بعضهم إذا فتح محله وجاء رجل فيه عاهة أغلق محله وتشاءم، وبعضهم إذا سافر وسمع صوت طيرٍ لا يعجبه ترك السفر وتشاءم، والمؤمن لا يتشاءم، بل يعتمد على الله، ولذلك قال: «وعلى ربهم يتوكلون»، أي: يعتمدون على الله جَلَّ وَعَلَا في كلّ أمورهم، وقلوبهم قد تعلّقت بالله وحده، فلا يخافون من مخلوق؛ لأن المخلوقين بيد الله الخالق جَلَّ جَلَالُهُ.

اللهم اجعلنا ممن يدخل الجنةَ بلا حساب ولا عذاب، إنك ربَّنا برٌّ رؤوف رحيم كريم.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 435 | التعليقات 0