وَقَفَاتٌ مَعَ حَدِيثِ: ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ... )
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّــمَ: ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
هَذِهِ - رَحِمَكُمُ اللهُ - هِيَ حَالُ المُؤْمِنِ، مَعَ أَقْدَارِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ وَمَنْ لَزِمَ هَذِهِ الحَالَ نَالَ سَعَادَةَ الدُّنْيَا وَالأُخْرَى؛ وَقَدْ ذَكَرَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: أَنَّ عُنْوَانَ سَعَادَةِ العَبْدِ، وَعَلَامَةَ فَلَاحِهِ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ، أَنَّهُ: إِذَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ شَكَرَ، وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
نِعَمُ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا تَتْرَى، نِعَمٌ دِيْنِيَّةٌ، وَنِعَمٌ دُنْيَوِيَّةٌ، نِعَمٌ فِي الأَنْفُسِ وَفِي الْأَهْلِ وَفِي الْأَمْوَالِ، خَلَقَنَا فَسَوَّانَا فَعَدَلَنَا، صَوَّرَنَا فَأَحْسَنَ صُوَرَنا، أَخْرَجَنَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا لَا نعْلَمُ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَنَا السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ؛ خَلَقَ لَنَا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَسَخَّرَ لَنَا كُلَّ شَيءٍ؛ { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ }إبراهيم 32-34
أَرْسَلَ إِلَيْنَا أَفْضَلَ رُسُلِهِ وَخَاتَمُهُمْ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ أَشْرَفَ كُتُبِهِ، أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِيْنًا. أَلَا فَلْنَشْكِرِ اللهَ تَعَالَى، فَنَنَالَ جَزَاءَ الشَّاكِرِينَ؛ قَــالَ تَعَالَى: { وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران 144 وَقَالَ تَعَالَى: { وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }آل عمران 145 يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ جَزَاءَهُمْ لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى كَثْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلِيُعْلَمَ أَنَّ الجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الشُّكْرِ، قِلَّةً وَكَثْرَةً وَحُسْنًا.
لِنَشْكُرْ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا: يَحْفَظْ عَلَيْنَا نِعَمَهُ؛ وَيَزِيْدَنَا مِنْ فَضْلِهِ؛ يَقُولُ عَلِيُّ بُنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَزِيدِ وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ. وَيَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِىُّ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ اللهَ لِيُمَتِّعُ بِالنِّعمَةِ مَا شَاءَ، فَإذا لَمْ يُشْكَرْ عَلَيهَا قَلَبَهَا عَذَابًا.
أَعَانَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ. وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا حَالُ المُؤْمِنِ: شَاكِرٌ عِنْدَ السَّرَّاءِ؛ وهو عِنْدَ الضَّرَّاءِ؛ صَابِرٌ عَلَى قَدَرِ اللهِ.
وَالصَّبْرُ كَمَا قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: حَبْسُ النَّفْسِ عَنِ التَّسَخُّطِ بِالمَقْدُورِ، وَحَبْسُ اللِّسَانِ عَنِ الشَّكْوَى، وَحَبْسُ الجَوَارِحِ عَنِ المَعْصِيَةِ كَاللَّطْمِ وَشَقِّ الثِّيَابِ وَنَتْفِ الشَّعْرِ وَنَحْوِه. اهـ . وَمَنْزِلَةُ الصَّبْرِ عَظِيْمَةٌ؛ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ. وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيَقُولُ تَعَالَى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } الزمر 10
عِبَادَ اللهِ: فَلْيَكُنْ هَذَا حَالُنَا مَعَ كُلِّ قَدَرٍ قَدَّرَهُ اللهُ، وَلْنَحْذَرْ حَالَ مَنْ يَجْحَدُ النَّعَمَاءَ، وَيَتَسَخَّطُ عِنْدَ البَلَاءِ.
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ إذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإذِا أذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُــوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمـًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، .... حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِيْنَ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.