وقفات مع الشتاء وشدة البرد

مبارك العشوان 1
1444/06/19 - 2023/01/12 02:52AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَمَعَ اشْتِدَادِ البَرْدِ هَذِهِ الأَيَّامِ؛ نَقِفُ بَعْضَ الوَقَفَاتِ وَنَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَنَا بِهَا.

رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ ) وَالزَّمْهَرِيرُ: شِدَّةُ البَرْدِ، وَقَدْ أَعَدَّهُ اللهُ تَعَالَى عَذَابًا لِلْكُفَّارِ فِي جَهَنَّمَ.

النَّارُ تَشْتَكِي إِلَى خَالِقِهَا جَلَّ وَعَلَا، تَشْتَكِي أَنْ بَعْضَهَا أَكَلَ بَعْضًا، فَمَا ظَنُّكُمْ بِمَنْ  هُوَ دَاخِلَهَا ؟ وَمَنْ هُوَ وَقُودٌ لَهَا ؟ وَمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمَنْ حَكَمَ اللهُ عَلَيهِ بِالخُلُودِ فِيهَا؟

عِبَادَ اللهِ: المُؤْمِنُ حَيُّ القَلْبِ، دَائِمُ التَّذَكُّرِ وَالاِعْتِبَارِ؛ يَشْتَدُّ عَلَيهِ الحَرُّ فَيَذْكُرُ حَرَّ النَّارِ، وَيَشْتَدُّ عَلَيهِ البَرْدُ فَيَذْكُرُ زَمْهَرِيْرَهَا.

يَسْعَى حَثِيثًا لِيَقِي نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ الحَرَّ وَالبَرْدَ؛ وَيَتَذَكَّرُ أَنَّ النَّارَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَّقَى وَيَقِي أَهْلَهُ حَرَّهَا وَزَمْهَرِيْرَهَا.

النَّارُ أَوْلَى بِأَنْ يَتَوَاصَى النَّاسُ بِالبُعْدِ عَنْهَا وَعَنْ طَرِيقِهَا وَيَأْخُذُوا بِأَسْبَابِ السَّلَامَةِ مِنْهَا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَـةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6

عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ شِدَّةِ البَرْدِ؛ وَتَوَفُّرِ مَا يُتَّقَى بِهِ مِنْ وَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ، عَلَيْنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ، وَأَنْ نَحْمَدَهُ عَلَى تَيْسِيرِهَا وَسُهُولَةِ الحُصُولِ عَلَيْهَا؛ فَكَمْ يَمْلِكُ أَحَدُنَا مِنَ الثِّيَابِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا وَأَلْوَانِهَا، وَكَمْ نُلْبِسُ أَطْفَالَنَا، وَكَمْ فِي مَنَازِلِنَا مِنْ وَسَائِلِ التَّدْفِئَةِ.

نِعَمٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنَ الشُّكْرِ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُـمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم    

فَاللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى مَا أَعْطَيْتَ وَيَسَّرْتَ لَا نُحْصِى ثَنَاءً عَلَيكَ.

عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى: أَنْ يَتَذَكَّرَ المُسْلِمُ إِخْوَانَهُ المُحْتَاجِينَ؛ وَيَتَفَقَّدَ أَحْوَالَهُمْ، وَيُفَرِّجَ عَنْ مَكْرُوبِهِمْ؛ وَلْيُبْشِرْ حِيْنَئِذٍ؛ فَفِي الحَدِيثِ: ( مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )  رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }  البقرة   272

عِبَادَ اللهِ: وَفِي الشِّتَاءِ فُرْصَةٌ لِلْعِبَادَةِ؛ حَيْثُ يَقْصُرُ نَهَارُهُ وَيَبْرُدُ وَهَذِهِ فُرْصَةٌ لِلصَّومِ؛ وَقَدْ جَاءَ بِفَضْلِ الصَّومِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا قَولُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ... ) الحديث رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

هُوَ فُرْصَةٌ لِصِيَامِ النَّفْلِ؛ وَكَذَلِكَ لِلصِّيَامِ الوَاجِبِ لِمَنْ عَلَيهِ قَضَاءٌ أَوْ كَفَّارَةٌ.

وَفِي طُولِ لَيْلِ الشِّتَاءِ فُرْصَةٌ لِلْقِيِامِ؛ وَفي الحَدِيثِ: ( وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ  ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ الفُرَصَ، وَلْنُجَاهِدْ أَنْفُسَنَا عَلَى الطَّاعَاتِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أمَّا بَعدُ: فعن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:  ( احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلمَ، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ النَّارَ، إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فَاحْرِصُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى هَذِهِ الوَصِيَّةِ النَّبَوِّيَةِ.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ السُّيَوطِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ ( إِتْمَامُهُ عَلَى المَكَارِهِ كَشِدَّةِ البَرْدِ وَأَلَمِ الجِسْمِ )

فِي الشِّتَاءِ - وَفَّقَكُمُ اللهُ -  فُرْصَةٌ لِاحْتِسَابِ الأَجْرِ، وَتَحَمُّلِ المَكَارِهِ وَمَا يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ؛ مِنْ إِسْبَاغِ الوُضُوءِ مَعَ شِدَّةِ البَرْدِ، وَمِنَ المُبَادَرَةِ لِلصَّلَوَاتِ، وَمِنْ مُفَارَقَةِ لَذَّةِ النَّومِ وَدِفْءِ الفِرَاشِ وَالقِيَــامِ لِصَلَاةِ الفَجْرِ، وَمِـنْ أَمْر الأَهْلِ وَالأَوْلَادِ بِالصَّلَوَاتِ وَإِيقَاظِهِمْ لَهَا.

فَكُلُّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى اِحْتِسَابٍ وَتَحَمُّلٍ وَمُصَابَرَةٍ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } طـه132

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ عِبَادِهِ المُتَّقِينِ، وَهَدَانَا وَثَبَّتَنَا عَلَى صِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1673481092_وقفات مع الشتاء وشدة البرد.pdf

1673481107_وقفات مع الشتاء وشدة البرد.docx

المشاهدات 848 | التعليقات 0