وقفات مع الشتاء
مبارك العشوان
1436/03/24 - 2015/01/15 21:43PM
إن الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها الناس… مسلمون.
عباد الله: روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقــول: ( اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ ) والزمهرير: شدة البرد وقد أعـده الله تعالى عذابا للكفار في جهنم.
عباد الله: المسلم حي القلب، دائم التذكر والاعتبار؛ يشتد عليه الحر فيسعى حثيثا ليقيه نفسه وأهله، ويتذكر به حر النار، ويشتد عليه البرد ويتوقاه بوسائل التدفئة فيذكر زمهريرها.
يتواصى الناس بأخذ الحيطة من الحر والبرد، والنار أولى بأن يُتقى حرُها وزمهريرُها، وهي أولى بأن يتواصى الناس بالبعد عنها وعن طريقـها والأخذ بأسباب السلامة منها:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6 كيف يكون حال المسلم عندما يوقد النار للئدفئة فيذكر نعمة الله تعالى عليه بها، ويذكر بها نار الآخرة أعاذنا الله وإياكم منها قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ، نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ } الواقعة 71 ـ 73 قال مجاهد، وقتادة: تُذَكّر النارَ الكبرى.
عندما توقد نارك أخي المسلم وتصطلي بحرارتها، أو تُنضِجُ طعامَك عليها؛ اذكر عند ذلك قول نبيك صلى الله عليه وســــلم: ( نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا ). رواه مسلم.
عندما توقد نارك، وتجمع لها الحطب، اذكر نارا لا توقد بالحطب، إنما توقد بالناس والحجارة، عندما توقد نارك وترى لهبها، والشرر الصغير يتطاير منها؛ اذكر قول الله تعـــــــالى :{ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ، لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ، إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ }المرسلات 32ـ 33 قال ابن كثير رحمه الله: يعني: لَهَبَ النار إذا ارتفع وصَعِدَ معه دخان، فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب. وقوله: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } أي: يتطاير الشرر من لهبها كالقصر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: كالحصون. أجارني الله وإياكم من النار، وَصَرَفَ عنا عذابها.
فالتذكر الدائم رحمكم الله، واستحضار مثل هذه النصوص مما يشحذ همة العبد وعزيمته لفعل الخيرات، وينشطه لها، ومما يزجره عن المحرمات ويباعده عنها.
عباد الله: وفي الشتاء ومع توفر ما يتقى به البرد وشدته، علينا أن نستشعر نعمة الله تعالى علينا، ونحمده تعالى على تيسيرها فكم يملك أحدنا من الثياب، وكم تملك نساؤنا من عشرات الثياب والأحذية، وكم نُلبس أطفالنا في العام الواحد من أصناف الملابس، كم في منازلنا من وسائل التدفئة، نِعَمٌ لا بد لها من الشكر حتى يدميها المنعم سبحانه: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُـمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7 فاللهم ربنا لك الحمد والشكر على ما أعطيت ويسرت لا نحصى ثناء عليك.
ثم اعلموا رحمكم الله أن من شكر الله على نعمه أن يتذكر المسلم إخوانا له في الدين قد قُدر عليهم رزقهم، عصفت بهم الحروب والفتن، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يقاسون شدة البرد وألم الجوع.
فعلى المسلم أن يقف إلى جنبهم، وأن ينفق عليهم مما أنفق الله عليه، فـ ( المسلم أخو المسلم ) ثم ليتفقد من حوله من المسلمين ممن لا يحصلون على شيء قد يكون عنده مما يفضل من الملابس وهم مع ذلك لا يتكففون الناس ولا يسألونهم إلحافا فلعلك أيها المسلم أن تكون سببا لتفريج كربة من كرباتهم . فيفرج الله عنك كربة من كربات يوم القيامة: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } البقرة 272 عباد الله: و في الشتاء فرصة للعبادة حيث يقصر نهاره ويبرد؛ وفيه فرصة للصوم إذ لا يحس الصائم بجوع أو عطش، وقد جاءت بفضل الصوم أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام: ( قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصّــــــِيَامُ جُنَّةٌ ... ) الحديث رواه البخاري فهو فرصة لصيام النفل وكذلك للصيام الواجب لمن كان عليه صيام قضاء أو كفارة.
وفي طول ليل الشتاء فرصة لقيام الليل، وفي الحديث: ( وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ) . رواه مسلم ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ) رواه مسلم.
فجاهدوا رحمكم الله أنفسكم على الطاعات؛ فالعمل يسير والأجر كبير، والعمر قصير .
بارك الله لي ولكم ... أقول ما تسمعون ...
الحمد لله ... أما بعد: فعن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ ) رواه البخاري وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ( جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ: ( إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
فاحرصوا رحمكم الله على امتثال هذه الوصية النبوية.
عباد الله: روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) قال الإمام السيوطي رحمه الله: أي ( إتمامه على المكاره كشدة البرد وألم الجسم ) في الشتاء فرصة لاحتساب الأجر وتحمل المكاره وما يشق على النفس من إسباغ الوضوء مع شدة البرد، فأسبغ الوضوء وفقك الله، واحذر من التفريط فيه؛ كما يلاحظ على بعضهم: تكون عليه ملابس ثقيلة، فيحسر اليسير من أكمامه عند غسل اليدين وعندها لا يتمكن من غسل العضو كاملا كما يجب ويلاحظ كذلك على البعض عند مسحه لرأسه يرفع قليلا مما على رأسه ويكتفي بمسح جزء يسير من الرأس بينما عليه أن يمسح الرأس كاملا .
ثم جاهدوا رحمكم الله أنفسكم على مفارقة لذة النوم ودفء الفراش، واحتسبوا الأجر عند الله وبادروا للصلوات وبالأخص الفجر، وأيقظوا أهلكم وأولادكم لها، قال تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } طـه132 فكل ذلك من أسباب رفع الدرجات ونيل المنازل العالية في الجنات، ومن أسباب وضع الخطيئات ومحوها.
عباد الله وفي مثل هذه الأيام يحسن تدارس الناس لأحكام المسح على الخفين والشراب وفقه أحكامهما.
رزقنا الله وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه وتتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم صلوا وسلموا ... اللهم صل على محمد ...
عباد الله : اذكروا الله ...
عباد الله: روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقــول: ( اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ ) والزمهرير: شدة البرد وقد أعـده الله تعالى عذابا للكفار في جهنم.
عباد الله: المسلم حي القلب، دائم التذكر والاعتبار؛ يشتد عليه الحر فيسعى حثيثا ليقيه نفسه وأهله، ويتذكر به حر النار، ويشتد عليه البرد ويتوقاه بوسائل التدفئة فيذكر زمهريرها.
يتواصى الناس بأخذ الحيطة من الحر والبرد، والنار أولى بأن يُتقى حرُها وزمهريرُها، وهي أولى بأن يتواصى الناس بالبعد عنها وعن طريقـها والأخذ بأسباب السلامة منها:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } التحريم 6 كيف يكون حال المسلم عندما يوقد النار للئدفئة فيذكر نعمة الله تعالى عليه بها، ويذكر بها نار الآخرة أعاذنا الله وإياكم منها قال تعالى: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ، نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ } الواقعة 71 ـ 73 قال مجاهد، وقتادة: تُذَكّر النارَ الكبرى.
عندما توقد نارك أخي المسلم وتصطلي بحرارتها، أو تُنضِجُ طعامَك عليها؛ اذكر عند ذلك قول نبيك صلى الله عليه وســــلم: ( نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا وَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا ). رواه مسلم.
عندما توقد نارك، وتجمع لها الحطب، اذكر نارا لا توقد بالحطب، إنما توقد بالناس والحجارة، عندما توقد نارك وترى لهبها، والشرر الصغير يتطاير منها؛ اذكر قول الله تعـــــــالى :{ انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ، لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ، إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ }المرسلات 32ـ 33 قال ابن كثير رحمه الله: يعني: لَهَبَ النار إذا ارتفع وصَعِدَ معه دخان، فمن شدته وقوته أن له ثلاث شعب. وقوله: { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ } أي: يتطاير الشرر من لهبها كالقصر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: كالحصون. أجارني الله وإياكم من النار، وَصَرَفَ عنا عذابها.
فالتذكر الدائم رحمكم الله، واستحضار مثل هذه النصوص مما يشحذ همة العبد وعزيمته لفعل الخيرات، وينشطه لها، ومما يزجره عن المحرمات ويباعده عنها.
عباد الله: وفي الشتاء ومع توفر ما يتقى به البرد وشدته، علينا أن نستشعر نعمة الله تعالى علينا، ونحمده تعالى على تيسيرها فكم يملك أحدنا من الثياب، وكم تملك نساؤنا من عشرات الثياب والأحذية، وكم نُلبس أطفالنا في العام الواحد من أصناف الملابس، كم في منازلنا من وسائل التدفئة، نِعَمٌ لا بد لها من الشكر حتى يدميها المنعم سبحانه: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُـمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7 فاللهم ربنا لك الحمد والشكر على ما أعطيت ويسرت لا نحصى ثناء عليك.
ثم اعلموا رحمكم الله أن من شكر الله على نعمه أن يتذكر المسلم إخوانا له في الدين قد قُدر عليهم رزقهم، عصفت بهم الحروب والفتن، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يقاسون شدة البرد وألم الجوع.
فعلى المسلم أن يقف إلى جنبهم، وأن ينفق عليهم مما أنفق الله عليه، فـ ( المسلم أخو المسلم ) ثم ليتفقد من حوله من المسلمين ممن لا يحصلون على شيء قد يكون عنده مما يفضل من الملابس وهم مع ذلك لا يتكففون الناس ولا يسألونهم إلحافا فلعلك أيها المسلم أن تكون سببا لتفريج كربة من كرباتهم . فيفرج الله عنك كربة من كربات يوم القيامة: { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ } البقرة 272 عباد الله: و في الشتاء فرصة للعبادة حيث يقصر نهاره ويبرد؛ وفيه فرصة للصوم إذ لا يحس الصائم بجوع أو عطش، وقد جاءت بفضل الصوم أحاديث كثيرة منها قوله عليه الصلاة والسلام: ( قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصّــــــِيَامُ جُنَّةٌ ... ) الحديث رواه البخاري فهو فرصة لصيام النفل وكذلك للصيام الواجب لمن كان عليه صيام قضاء أو كفارة.
وفي طول ليل الشتاء فرصة لقيام الليل، وفي الحديث: ( وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ) . رواه مسلم ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى الفجر، والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ ) رواه مسلم.
فجاهدوا رحمكم الله أنفسكم على الطاعات؛ فالعمل يسير والأجر كبير، والعمر قصير .
بارك الله لي ولكم ... أقول ما تسمعون ...
الحمد لله ... أما بعد: فعن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ( احْتَرَقَ بَيْتٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَحُدِّثَ بِشَأْنِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ النَّارَ إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ ) رواه البخاري وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: ( جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ: ( إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتُحْرِقَكُمْ ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
فاحرصوا رحمكم الله على امتثال هذه الوصية النبوية.
عباد الله: روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) قال الإمام السيوطي رحمه الله: أي ( إتمامه على المكاره كشدة البرد وألم الجسم ) في الشتاء فرصة لاحتساب الأجر وتحمل المكاره وما يشق على النفس من إسباغ الوضوء مع شدة البرد، فأسبغ الوضوء وفقك الله، واحذر من التفريط فيه؛ كما يلاحظ على بعضهم: تكون عليه ملابس ثقيلة، فيحسر اليسير من أكمامه عند غسل اليدين وعندها لا يتمكن من غسل العضو كاملا كما يجب ويلاحظ كذلك على البعض عند مسحه لرأسه يرفع قليلا مما على رأسه ويكتفي بمسح جزء يسير من الرأس بينما عليه أن يمسح الرأس كاملا .
ثم جاهدوا رحمكم الله أنفسكم على مفارقة لذة النوم ودفء الفراش، واحتسبوا الأجر عند الله وبادروا للصلوات وبالأخص الفجر، وأيقظوا أهلكم وأولادكم لها، قال تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } طـه132 فكل ذلك من أسباب رفع الدرجات ونيل المنازل العالية في الجنات، ومن أسباب وضع الخطيئات ومحوها.
عباد الله وفي مثل هذه الأيام يحسن تدارس الناس لأحكام المسح على الخفين والشراب وفقه أحكامهما.
رزقنا الله وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه وتتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم صلوا وسلموا ... اللهم صل على محمد ...
عباد الله : اذكروا الله ...