وقفات مع الأذان مستفادة من خطب بعض المشائخ الكرام

Abosaleh75 Abosaleh75
1444/01/14 - 2022/08/12 01:00AM
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أما بعدُ: فلا وصيةَ أحرى بالبذل من الوصية بتقوى الله فهي النور في الظلمة، والهادي في الطريق، والسعة وقتَ الضيق، بها الثبات في المحن، وعليها المعوَّل عندَ الفِتَنِ؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4]. أيها المسلمون: عباد الله: نتكلم اليوم عن أمر عظيم يتكرر على مسامعنا كل يوم، ويرن في آذاننا بكلماته العبقة وعباراته الجميلة خمس مرات في اليوم والليلة.
إنه الأذان الذي نسمعه في حياتنا بشكل متكرر أكثر من أي شيء آخر، ويعرف نداءه كل مسلم، ويحفظ كلماته حتى أطفال المسلمين وصبيانهم. وقد شُرِعَ الأْذَانُ بِالْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ.
وقصة تشريعه أنه لما قدِم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وشيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسجده، احتاجوا لما يشعرهم بوقت الصلاة. فاهتمَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- كيف يجمعُ الناسَ للصلاة، واهتمَّ لهمِّه المُسلِمون، وتشاوَروا:
فقال بعضُهم: ننصِبُ رايةً عند حضور الصلاة، فإذا رآها المُسلمون آذنَ بعضُهم بعضًا بالصلاة، فلم يُعجِب ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-.
وقال بعضُهم: بل نوِّروا نارًا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "ذاك للمجُوس". وذكر بعضُهم البُوق، فلم يُعجّبه لك، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "هو من أمر اليهود". وذكر بعضُهم الناقُوس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "هو من أمر النصارى".
قال عبدُ الله بن زيدٍ - رضي الله عنه -: فانصرفتُ إلى أهلي وأنا مهمومٌ لهمِّ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فطافَ بي من الليل طائِفٌ وأنا نائِمٌ، رجلٌ عليه ثوبان أخضران، وفي يدِه ناقوسٌ يحمِلُه، فقلتُ: يا عبد الله! أتبيعُ الناقوس؟ قال: وما تصنعُ به؟ فقلتُ: ندعُو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلُّك على ما هو خيرٌ من ذلك؟ فقلتُ له: بلى، قال: تقول: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
ثم استأخرَ عني غير بعيدٍ، ثم قال: وتقولُ إذا أقمتَ الصلاة: "الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامَت الصلاة قد قامَت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله".
فلما أصبَحتُ أتيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال: "إنها لرؤيا حقّ إن شاءَ الله"، فقُم مع بلالٍ فألقِ عليه ما رأيت فليُؤذِّن به، فإنه أندَى صوتًا منك. فقمتُ مع بلالٍ فجعلتُ أُلقِيه عليه ويُؤذِّنُ به، فسمِع ذلك عُمرُ بن الخطاب وهو في بيته، فخرجَ يجرُّ رداءَه ويقول: "والذي بعثَك بالحق يا رسول الله، لقد رأيتُ مثلَ ما رأى".
فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "فلله الحمد" (رواه أحمد وأبو داود وغيرهما بإسنادٍ صحيح).
 أيها المسلمون:
الأذان ؛ شعار الإسلام ، وعلامة الإيمان ، ومطردة الشيطان، وطمأنينة النفوس وأُنسها وسكونها. الأذان اختاره الله لهذه الأمة واصطفاها به، دون سائر الأمم. والأذان -فرض كفاية للصلوات الخمس المكتوبة، ولَوِ اتَّفَقَ أَهْل بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ قُوتِلُوا. قال ﷺ: إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم 
والأذان مع قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقائد؛ لأنه يبدأ بالتكبير، وهو المتضمِّن لوجود الله وكماله، ثم إعلان التوحيد ونفي الشريك، ثم إثبات الرسالة لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ثم دعا إلى طاعة وفريضة وهي الصلاة ثم دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم إعادة ما بدأ به توكيدًا.
 والأذان من أفضل الأعمال عند الله.
قال عليه الصلاة والسلام لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا -أي يقترعوا-عليه لاستهموا ، وأخبر النبي ﷺ: أن  المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطبٍ ويابس، وأجره مثل أجر من صلى معه .، أليس هو الذي ذكرهم بالصلاة، ودعاهم إليها، والدال على الخير كفاعله، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة كما صح بذلك الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والمؤذن داخلٌ في قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا سورة فصلت : 33، قالت عائشة رضي الله عنها: "نزلت في المؤذنين". وعليه فليحرص المسلم على الأذان اذا لم يكن في بلد يسمع فيه الأذان واذا كان في البريَّة والصحراء، فعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ" رواه أبو داود والنسائي. عباد الله :إنَّ رفع المؤذن الصوت بالأذان هو إعلامٌ بأن مشروع الصلاة العظيم قد بدأ ؛ فليتوقف كل شيء ، فليتوقف كل عمل ، فلتتوقف كل مصلحة ، وليبدأ المرء بالاتجاه للصلاة طهارةً واستعدادًا وتهيئًا وتعظيمًا لله سبحانه وتعالى .
اللهم بارِك لنا في القرآن والسُّنَّة، وانفَعنا بما فيهما من الآياتِ والحكمةِ، أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ الله تعالى لي ولكم.
 
 
الخطبة الثانية:
 
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الأمين، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أيها المسلمون: والسنن التي تتعلق بالأذان خمس سننٍ عظيمات ؛ لنعتني بها -عباد الله- عناية عظيمة .
أولى هذه السنن : أن تقول وفقك الله مثلما يقول المؤذن ، في "الصحيحين" عن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه -، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا سمعتُم النداءَ فقولوا مثلَ ما يقول المُؤذِّن". فتقول كما يقول إلا عند قوله «حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ» «حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ» فتقول «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ» كما ثبت في صحيح الإمام مسلم من حديث عمر بن الخطاب وروى عبد الرزاق في مصنفه عن الإمام الحافظ عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج رحمه الله قال : «حُدِّثت أن ناسا كانوا فيما مضى كانوا ينصتون للتأذين كإنصاتهم للقرآن فلا يقول المؤذن شيئا الا قالوا مثله» . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : «لا ينبغي لأحد أن يدع إجابة النداء> وكذلك في الإقامة تردد مع المؤذن واذا قال قد قامت الصلاة فتقول مثل مايقول
الثانية عباد الله : أن تقول بعد سماعك للمؤذن في الشهادتين ؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله ، رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولا» ، لما روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ)).
الثالثة عباد الله : أن تصلي على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بعد فراغ الأذان وقولك مثلما يقول المؤذن ، لما روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ)) .
الرابعة عباد الله :سؤال الله الوسيلة وهي منزلة عالية في الجنة لنبينا الكريم عليه الصلاة والسلام بالصيغة التي أرشدنا إليها ، ففي صحيح البخاري عن جابرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) .
الخامسة عباد الله من السنن المتعلقة بالأذان: أن تدعو بعد ذلك كله بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة ، روى أبو داود في سننهعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلًا قال : «يا رسول الله إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ)) ، وروى أبو داود في سننه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((الدَّعْوَةُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لاَ تُرَدُّ ؛ فَادْعُوا)) .
هذه سنن عظيمة تهاون بها كثير من الناس ؛ فترتب على التهاون بها ضعف في عنايتهم بالصلاة تبكيرًا وخشوعًا وطمأنينة في الصلاة ، بينما -عباد الله- من يوفقه للعناية بهذه الشعيرة سماع الأذان وأن يقول مثل ما يقول المؤذن وأن يأتي بالسنن التوابع له فإنه يحصِّل من وراء ذلك خيرًا عظيما وثوابًا جزيلا . هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
المشاهدات 633 | التعليقات 0