وَقَفَاتٌ مَعَ أَعْظَمِ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ؛ ( الجُزْءُ الثَّانِي )

مبارك العشوان 1
1444/02/19 - 2022/09/15 15:20PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ وَقَفَاتٌ فِي تَفْسِيْرِ سُورَةِ الفَاتِحَةِ.

( أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) الِاسْتِعَاذَةُ سُنَّةٌ قَبْلَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ وَلَيْسَتْ آيَةً مِنَ الفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل 98  أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ.

وَمَعْنَاهَا، كَمَا قَالَ ابنُ كَثِيرٍ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ : أَسْتَجِيرُ بِجَنَابِ اللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي أَوْ دُنْيَايَ، أَوْ يَصُدَّنِي عَنْ فِعْلِ مَا أُمِرْتُ بِهِ، أَوْ يَحُثَّنِي عَلَى فِعْلِ مَا نُهِيتُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يكفُّه عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَّا اللهُ..) الخ.

يَكِيْدُ الشَّيْطَانُ لِلنَّاسِ أَعْظَمَ الكَيْدِ، وَيَصُدُّهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَعَنْ كِتَابِ اللهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ، وَقَرَأُوا؛ أَشْغَلَهُمْ عَنْ تَدَبُّرِهِ؛ فَالشَّيْطَانُ عَدُوٌّ أَلَدٌّ مُتَرَبِصٌ بِبَنِي آدَمَ: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعراف 16، 17

فَالْجَأْ أَخِي المُسْلِمُ إلَى رَبِّكَ، وَاسْتَعِذْ بِهِ مِنْ عَدُوِّكَ يُعِذْكَ، وَاسْتَجِرْ بِهِ يُجِرْكَ.

{ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يَقُولُ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي قَــوْلِهِ: { إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }النمل 30 وَتَنَازَعُوا فِيْهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ حَيْثُ كُتِبَتْ؛ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا كُتِبَتْ تَبَرُّكًا بِهَا... وَالثَّانِي: أَنَّهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، إمَّا آيَةٌ، وَإِمَّا بَعْضُ آيَةٍ... وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَلَيْسَتْ مِنَ السُّورَةِ...ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ كِتَابَتَهَا فِي الْمُصْحَفِ بِقَلَمِ الْقُرْآنِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ، وَكِتَابَتَهَا مُفْرَدَةً مَفْصُولَةً عَمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ...)  الخ.

( بِسْمِ اللهِ ): أَبْتَدِئُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ باسْمِ اللهِ؛ مُسْتَعِينًا بِهِ.

( اللهِ ) عَلْمٌ عَلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( الله ) هُوَ المَألُوهُ، المَعْبُودُ، ذُو الأُلُوهِيَّةِ، وَالعُبُودِيَّةِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِين، لِمَا اتَّصَفَ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الأُلُوهِيَّةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ الكَمَال.

وَهَذَا الاِسْمُ العَظِيْمُ ( الله ) وَهُوَ أَخَصُّ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَلَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ سُبْحَانهُ؛ وَهُوَ الاِسْمُ الجَامِعُ لِجَمِيعِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى، وَالصِّفَاتِ العُلَا؛ هَذَا الاِسْمُ هُوَ أَصْلُ الْأَسْمَاءِ؛ وَتَأتِي الأَسْمَاءُ تَابِعَةٌ لَهُ؛ قَالَ تَعَالَى: { هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  } الحشر 22 – 24

{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } اِسْمَانِ عَظِيْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ ( الرَّحْمَن ) ذُو الرَّحْمَةِ الْعَامَّةِ، وَ ( الرَّحِيم ) أَيْ  بِالْمُؤْمِنِيْنَ، قَالَ تَعَالَى: { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }

فَلْنَتَعَرَّضْ لِرَحْمَةِ رَبِّنَا؛ وَلْنَتَلَمَّسْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْحَمُ اللهُ صَاحِبَهُ، وَلْنَعْلَمْ أَنَّ رَحْمَةَ رَبِّنَا وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ، وَعَمَّتْ كُلَّ حَيٍ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } وَقَالَ تَعَالَى: { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا }.

وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّ لِلَّهِ مِئَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ  فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ، وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.  

{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }: الثَّنَاءُ عَلَى اللهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي كُلُّهَا أَوْصَافُ كَمَالٍ، وَبِنِعَمِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، وَفِي ضِمْنِهِ أَمْرٌ لِعِبَادِهِ أَنْ يَحْمَدُوهُ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ وَحْدَهُ، وَهُوَ سُبْحَانهُ الْمُنْشِئُ لِلْخَلْقِ، الْقَائِمُ بِأُمُورِهِمْ، المُرَبِّي لِجَمِيْعِ خَلْقِهِ بِنِعَمِهِ، وَلِأَوْلِيَائِهِ بِالْإيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ. 

{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فَي البَسْمَلَةِ.

{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }  يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: المَالِكُ هُوَ مَنِ اتَّصَفَ بِصِفَةِ المُلْكِ الَّتِي مِنْ آثَارِهَا أَنَّهُ يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَيُثِيْبُ وَيُعَاقِبُ، وَيَتَصَرَّفُ بِمَمَالِيْكِهِ بِجَمِيْعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ، وَأَضَافَ المُلْكَ لِيَومِ الدِّيْنِ، وَهُوَ يَومُ القِيَامَة، يَومَ يُدَانُ النَّاسُ فِيْهِ بِأَعْمَالِهِمْ، خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اليومِ، يَظْهَرُ لِلْخَلْقِ تَمَامَ الظُّهُورِ، كَمَالُ مُلْكِهِ وَعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَانْقِطَاعِ أَمْلَاكِ الخَلَائِقِ، حَتَّى إِنَّهُ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ اليَومِ، المُلُوكُ وَالرَّعَايَا، وَالعَبِيْدُ وَالأَحْرَارُ، كُلُّهُمْ مُذْعِنُونَ لِعَظَمَتِهِ، خَاضِعُونَ لِعِزَّتِهِ، مُنْتَظِرُونَ لِمُجَازَاتِهِ، رَاجُونَ ثَوَابَهُ، خَائِفُونَ مِنْ عِقَابِهِ، فَلِذَلِكَ خَصَّهُ بِالذَّكْرِ، وَإِلَّا فَهُوَ المَالِكُ لِيَومِ الدِّيْنِ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ. اهـ

وَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }.

وَفِي الصَّحِيْحَينِ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا المَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ ).

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } إنَّا نَخُصُّكَ وَحْدَكَ بِالْعِبَادَةِ، وَنَسْتَعِينُ بِكَ وَحْدَكَ فِي جَمِيعِ أُمُورِنَا، فَالْأَمَرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ، لَا يَمْلِكُ مِنْهُ أَحَدٌ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنَ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ كَالْدُّعَاءِ وَالْاِسْتِغَاثَةِ وَالذَّبْحِ وَالطّوَافِ إِلَّا لِلهِ وَحْدَهُ، وَفِيهَا شِفَاءُ الْقُلُوبِ مِنْ دَاءِ التَّعَلُّقِ بِغَيْرِ اللهِ، وَمِنْ أَمْرَاضِ الرِّياءِ وَالْعُجْبِ، وَالْكِبْرِيَاءِ؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

فَاللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

 أَمَّا بَعْدُ: فَمَا أَشَدَّ ضَرُورَةَ العَبْدِ إِلَى الهِدَايِةِ، وَأَمَسَّ حَاجَتَهُ إِلَى الثَّبَاتِ عَلَيهَا، وَلَقَدْ فُرِضَ عَلَيهِ أَنْ يَسْأَلَهَا مِنْ رَبِّهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَوَاتِهِ؛: { اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } أَيْ: دُلَّنَا، وَأَرْشِدْنَا، وَوَفِّقنَا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، وَثَبِّتنَا عَلَيهِ حَتَّى نَلْقَاكَ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ، الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ الْمُوْصِلُ إِلَى رِضْوانِ اللهِ وَإِلَى جَنَّتهِ، الَّذِي دَلَّ عَلَيهِ خَاتَمُ رُسُلِهُ وَأنبيَائِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى سَعَادَةِ الْعَبْدِ إِلَّا بِالْاِسْتِقَامَةِ عَلَيهِ.

{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } أيْ: طَرِيقَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِيْنَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَهُمْ أَهَلُ الْهِدَايَةِ وَالْاِسْتِقَامَةِ، وَلَا تَجْعَلنَا مِمَّنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْمَغْضُوبِ عَلَيهِمْ، الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقَّ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ، وَهُمْ الْيَهُودُ، وَمَنْ كَانَ عَلَى شَاكِلَتِهِمْ، وَالضَّالِّينَ؛ وَهُمْ الَّذِينَ لَمْ يَهْتَدُوا عَنْ جَهْلٍ مِنهُمْ، فَضَلُّوا الطَّرِيقَ، وَهُمُ النَّصَارَى، وَمَنِ اتَّبَعَ سَنَّتَهُمْ. وَفِي هَذَا الدُّعَاءِ شِفَاءٌ لِقَلْبِ الْمُسْلِمِ مِنْ مَرَضِ الْجُحُودِ وَالْجَهْلِ وَالضّلَالِ، وَدَلَالَةٌ عَلَى أنَّ أَعْظَمَ نِعْمَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ هِيَ نِعْمَةُ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ كَانَ أَعْرَفَ لِلْحقِّ وَأَتْبَعَ لَهُ، كَانَ أوْلَى بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَلَا رَيْبَ أنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هُمْ أوْلَى النَّاسِ بِذَلِكَ بَعْدَ الْأنبيَاءِ عَلَيهِمُ السّلَامُ، فَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى فَضْلِهِمْ، وَعَظِيمِ مَنْزِلَتهِمْ، رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ.

وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقُولَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ: آمِينَ. وَمَعْنَاهَا: اللَّهُمُّ اسْتَجِبْ، وَلَيْسَتْ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ بِاِتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ كِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ.

عِبَادَ اللهِ: احْرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى هَذِهِ السُّورَةِ؛ عَلَى حِفْظِهَا وَإِتْقَانِهَا، وَتَعْلِيمِهَا مَنْ لَا يَعْلَمُهَا، اقْرَءُوا فِي تَفْسِيرِهَا؛ فَهِيَ أعْظَمُ سُوَرِ القُرْآنِ الكَرِيمِ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًــــا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1663244373_وقفات مع أعظم سورة في القرآن الكريم، الجزء الثاني1444.pdf

1663244439_وقفات مع أعظم سورة في القرآن الكريم، الجزء الثاني1444.docx

المشاهدات 402 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا