وقفات شرعية مع المصائب والأزمات

عايد القزلان التميمي
1439/04/18 - 2018/01/05 09:11AM
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه على قدرته القاهرة وحكمته الباهرة، وأشكره على نعمه الباطنة والظاهرة. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرحم الصابرين عند الابتلاء، ويزيد الشاكرين للنعماء، ويلطف بالمؤمنين في القضاء، ولا يكون في ملكه إلا ما يشاء. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إمام الصابرين وسيد الشاكرين وأفضل المتوكلين. صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه 
أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله
أيها المؤمنون : إن الدنيا بنيت على الكدر والنقص والابتلاءات، قال سبحانه وتعالى في الابتلاءات التي يصيب بها عباده في هذه الحياة)): وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ))
عباد الله لا يكاد أحد من الناس ينجو من أزمة تحل به أو مشكلة تعرض له , فالحياة لا تكاد تصفو لأحد , لكن الناس يختلفون في مواجهة مشكلاتهم وأزماتهم ومصائبهم بحسب عدة عوامل مؤثرة : فأهمها وأولها مدى قربه من ربه سبحانه , ومدى ارتباطه بالتوكل عليه سبحانه والثقة فيه عز وجل
إننا ـ عباد الله ـ بحاجة إلى بعض الوقفات لمواجهة المصائب والأزمات :
 الوقفة الأولى:
 أن نعلم ـ عباد الله ـ أن ما أصابنا إنما هو بسبب ذنوبنا، وإلا فالرحمن جل جلاله أرحم بعباده من الوالدة بولدها، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}
الوقفة الثانية:
 عباد الله
يجب علينا أن لا ننسى أنّ أمورنا وشؤوننا ونواصينا نحن العباد كلها بيد الله واليه سبحانه وتعالى يرجع الأمر كله يقول الله عزوجل
 (( أَلاَ لَهُ الخَلقُ وَالأمرُ ))
 وما دام الأمر كذلك فلنسلِّم أمرنا كله لله تبارك وتعالى, ولنعلم أنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا, وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا, وأنّ من يريد في حياته أن تكون كلها على وتيرة واحدة ونمط واحد , كأن يريد أن يكون قضاء الله عزوجل موافقا لهواه أو كما يشتهي , فهذا  تعطيلا لسنة الله في خلقه القائل
 (( وَلَنَبلُوَنكُم بِشَيء منَ الخَوف وَالجُوعِ وَنَقصٍ منَ الأمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثمَراتِ وَبَشرِ الصابِرِينَ ))
الوقفة الثالثة يا عباد الله :
إن مما يعاب علينا في ظل تقلّبات أحوالنا الاقتصادية تفشّي الإسراف في حياتنا على كافة المستويات، حيث تحول الإسراف من سلوك فرديّ إلى ظاهرة عامة تجتاح الكثير من أفراد المجتمع
 عباد الله
إن الإسراف منهيّ عنه ومَعيب في كلّ شيء كما يقول عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى، وشاهد ذلك عموم قوله سبحانه: {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وقال صلى الله عليه وسلم : ((كُلُوا وَاشْرَبُوا، وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ»؛)) إن هذا التشديد في النهي عن السّرف ما كان إلا لأجل الحفاظ على الأموال والموارد التي يسأل عنها العبد يوم القيامة، فهو يسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟
الوقفة الرابعة:   أيها المسلمون
إن مما يوصى به في هذه الأيام أن يلزم المرء القناعة .
لقد كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يسأَل ربه أن يمنّ عليه بالقناعة فيقول عليه الصلاة والسلام: ((اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه))  ، بل كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالقناعة وعيش الكفاف .
إن الطريق  أيها المسلمون للقناعة والرضا بما قسم الله هو في قوله صلى الله عليه وسلم (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ))
الوقفة الخامسة : يا عباد الله يقول ربنا ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا 
فما أحوجَنا إلى هذا النور في جميع الأوقات والأزمان عبوديةً لله تعالى، واستثمارًا لذلك الزمان، وتحصيلاً للبركات منه.
بارك الله لي ولكم  ....
الخطبة الثانية
الحمد لله هو الغنيّ وعبادُه الفقراء وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له له الأسماء الحسنى، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله هو الأخشَى لربِّه والأتقى، أكثَرُ العباد ذِكرًا وأصدقهم شكرًا، صلى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، صدَقوا ما عاهَدوا الله عليه في السّراء والضّراء، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
 أما بعد فيا عباد الله
   نحن مسلمون موحدون، توحيدنا هو الذي يعصمنا، عندما يتوجه الإنسان المسلم إلى ربه؛ فإن ربه عز وجل يحميه ويحفظه، يقويه ويؤيده، أما إذا آوى إلى الدنيا، فإن الدنيا ركيكة ضعيفة: ((سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ )) 
فالأمن في مواجهة الأزمات يكون بتحقيق التوحيد، تُفرد الله بالعبادة، لا تصرف أي نوع من أنواع العبادة؛ لا صلاة، ولا دعاء، ولا استغاثة، ولا نذر، ولا ذبح، ولا غير ذلك لأحد غير الله عز وجل؛ الإيمان والتوحيد يعطيك -يا عبد الله- السعادة والهناء في الحياة ولو أصابتك مصائب، قال تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ))     
عندما يقلق الناس على أموالهم، ويحصل نسيان الرزاق الذي بيده الأمور هو الذي يدبر الكون، من الذي يحرك كل هذا؟ من الذي يقدر كل هذا؟ من الذي كتب كل هذا؟ من الذي يرزق النملة في جحرها؟ (( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ))  ، ولو صدقنا في التوكل لرزقنا الله كما يرزق الطير رزقاً مضموناً يسيراً سهلاً هنيئاً، تذهب في الصباح خاوية البطون لتعود في المساء، وقد امتلأت بطونها.
أيها الناس، (اتقوا الله، وأجملوا في الطلب؛ فإن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها) 
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوسع لنا في أرزاقنا، وأن يبارك لنا في أعمارنا، وأن يجعل ما أتانا عوناً على طاعته.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
المرفقات

شرعية-مع-المصائب-والأزمات

شرعية-مع-المصائب-والأزمات

المشاهدات 1218 | التعليقات 0