وقفات تربوية مع الأوامر الملكية

إبراهيم بن سلطان العريفان
1436/04/10 - 2015/01/30 08:30AM
الحمد لله ذي العزة التي لا ترام، والملك الذي لا يضام، قيوم لا ينام، وعزيز ذو انتقام، الحمد لله الذي أعزَّنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيِّه - عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام - أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل السعادة في خشيته وتقواه، وجعل العزة والكرامة لمن خافه واتَّقاه، وأشهد أن سيدنا وحبيب قلوبنا محمدًا رسولُ الله، وحبيبه من خلقه ورضيُّه ومصطفاه، فاز وربح من اتبع سنتَه وهداه، وخاب وخسر من خالف منهجه وعصاه، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحابته، صلاة تزيد في رفعته، وترفع في درجته، وتبارك في منزلته، وتظلنا تحت لوائه في أعز زمرته، وتجعلنا من رواد حوضه وأهل شفاعته.
فاتقوا الله - عباد الله –كما أمركم ربكم في محكم التنزيل فقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والعقيدة ... اقتضت حكمة الله أنه ما ارتفع شيء مِن الدنيا إلاَّ وضعه الله. مصداق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ( حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلاَّ وَضَعَه ).
واقتضت حكمته أنَ مَن اعتزّ بِغير الله ذلّ .فمَا أكْرَم العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل طَاعَة الله ، ولا أهَانَ العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل مَعْصِيَة الله. أبَى الله عَزَّ وَجَلَّ إلاَّ أن يُذِلّ مَن عَصَاه . يقول جبير بن نفير: لَمَّا فُتحت قبرص وفُرِّق بين أهلها ، فبكى بعضهم إلى بعض ، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت : يا أبا الدرداء ما يُبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : ويحك يا جبير ! ما أهون الخلق على الله إذا هُم تركوا أمره ، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمْر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى .
وقد ذَكَرَ اللهُ قَومًا طَلَبُوا العِزَّة عند مَن سِواه ، فقال ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) فأنْبَأك اللهُ صَرِيحا لا إشْكَال فيه أنَّ العِزَّة له يُعِزّ بِها مَن يَشاء ، ويُذِلّ مَن يَشاء .
فَمَن كَان يُرِيد العِزَّة لِيَنَال الفَوْز الأكْبَر ويَدخُل دَار العِزَّة - ولله العِزَّة - فَلْيَقْصد بالعِزَّة الله سبحانه والاعْتِزَاز به ، فإنه مَن اعْـتَزّ بالعَبْد أذَلَّه الله ، ومَن اعْـتَزّ بِالله أعَـزَّه الله. ومَن اعتزّ بالكفّار أذلّه الله ، وأذاقه الذلّ والصَّغار، فالْمَذَلَّة والْهَوَان للشَّيْطَان وذَوِيه مِن الكَافِرِين والْمُنَافِقِين.
عباد الله ... اعتزت أُمَم بِقُوّتَها فأذَلَّها الله ، وأتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ، وتلك مصارِع الأُمم شاهدة على أن مَن يُغالِب الله يُغلَب ، وأن مَن اعتَزّ بغير الله ذلّ.
تلك " عاد " التي اعْتَزَّت بِقُوَّتِها ، فقالت بكبرياء وتَجَبُّر : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) فأتاهم الجواب : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) وكانت عاقبة الطُّغيان والْجَبَرُوت : (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ) أهلكهم الله بأخفّ الأشياء وألطفها ، وهي الريح ، إلاّ أنها كانت ريحا عاتية ..
وأما ثمود فقد ذَكّرهم نَبِيُّهم عليه الصلاة والسلام بِقوله ( وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) وبَلَغ بهم الاعتداد بِقُوّتهم أن اسْتَمْطَروا العذاب ، فقالوا ( يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) فكان هلاكهم بِالصيحة ( فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ )
واعْتَزّ شيخ الطُّغاة " فِرعون " بِكثرة قومه ، وبأن أنهار مصر تجري مِن تحته .. فأخرجه الله منها ذليلا صاغِرا .. وأغرقه في الماء الذي كان يزعم أنه يملكه. وأوْرَث الله بني إسرائيل ما كان فيه فرعون (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ) فما كان لهم مِن عزاء ، ولا كان عليهم مِن باكٍ ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ )
وتحصّنت اليهود في حصونها ، وظنّوا أن لهم فيها مَنَعَة ( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ )
واعْتَزَّت قُريش بِكَثْرتها ، فقالت : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، فأذَلّها الله حتى جاءت تستغيث بالنبي صلى الله عليه وسلم وتَسْأله الطعام .. ولعلها أثَر دعوته صلى الله عليه وسلم ( اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ ) فابْتَلاهم الله عز وجل بالقَحْط حتى أكَلُوا الكِلاب والْجِيَف. وفيهم قال الله عَزّ وَجَلّ : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
عباد الله ... عاقبة الظُّلْم وَخِيمة، وكأني بِمشهد يحيى البرمكي مُكَبَّلا بالقيود ، مطروحا في السجن، فيسأله ابنه: يا أبتِ بعد الأمر والنهي والنعمة صِرْنا إلى هذا الحال؟! فردّ الأب وقال بِنَظْرة ثاقبة تخطّت حدود القيد والسجن: يا بنى دعوة مظلوم سَرَتْ بليل ونحن عنها غافلون ، ولم يغفل الله عنها. ثم أنشأ يقول:
رب قوم قد غَدَوا في نعمةٍ *** زَمَنًا والدَّهرُ رَيانُ غَدَق
سَكَتَ الدهرُ زَمَانًا عنهمُ *** ثم أبكاهم دَمًا حين نَطَق
عباد الله ... نهاية الظُّلْم عُرْس المظلومين وأفراحهم ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) حتى تَهَدّم صَرح الظلم وانكفأت = قِدْر الفساد وأهل الظلم قد بادوا.
ومهما طال ليل الظُّلْم، فإن صُبْح العَدْل والانْتِصَاف منهم قَريب. ومهما طالت أيام الظالمين، فإن نهايتهم وَشِيكة وأيامهم معدودة. ومهما قَويَت شوكة الطُّغيان فإنها مَكْسُورَة مَدْحُورة بإذن الله. وأن الظالِم سيشرب في الكأس التي سَقَى بها غيره - فَمُقِلّ ومُسْتَكْثر - بِقَدْر ما سَقَى سيُسْقَى ! وأن العبرة بالنهايات سواء على مستوى الأمة أو على مستوى الفرد.
اسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين، وأن يمن على هذه البلاد المباركة أمنها وبركتها، وأن يوفق إمامنا ومليكنا لما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يرزقه البطانة الصالحة الناصحة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... عن أبي بكرة رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ- صلى الله عليه وسلم- كانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ أَوْ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِداً شُكْراً للهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. كان صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسره قال :" الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات " و إذا أتاه أمر يكرهه قال : " الحمد لله على كل حال ".
لقد ترقبنا البارحة صدور الأوامر الملكية ففرحنا وفرح المواطنون، فالناس كانت تنتظره بفارغ الصبر .. ورأينا من يسجد لله شكرًا على أمر من الأوامر الملكي. فرأينا في الأوامر الملكية:
تغيير النظام السابق برجاله المؤثرين. إعادة الأقوياء المتفاهمين مع الدولة في مناصبهم. تقوية التفاهم التقليدي بين الشرعي والسياسي. تمتين الدولة متمثلة في الديوان بالرجال المناسبين. تصحيح وضع المؤسسات المهمة المتعلقة بالاقتصاد والمال. إعادة الشكل الديني للدولة، ومسار البرامج الشرعية الرسمية، وهيبة علمائها المحافظين. غياب التوجه اللبرالي ورجاله. الدعم الطبيعي التقليدي للمواطنين والمحتاجين. الالتفات للعفو في الحق العام. لغة الأوامر الواضحة - بدون بناء على طلبه -، والتسريع للقرارات والأوامر. التركيز على المناطق الأساسية والمشروعات الأهم.
فاحمدوا الله تعالى يا مسلمون ، وخروا له سجدا واشكروه. واسألوا الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين ورجاله، ويرزقه البطانة الصالحة، والسداد والرشاد.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المشاهدات 1612 | التعليقات 0