وَقَفَاتُ اعْتِبَارٍ مَعَ نُزُولِ الأَمْطَارِ 23 جماد الآخرة 1434 هـ للشيخ الشرافي
الفريق العلمي
خطبة للشيخ محمد بن مبارك الشرافي
الْحَمْدُ للهِ الذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ , وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورَاً لِيُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةَ مَيْتَاً وَيُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقَ أَنْعَامَاً وَأَنَاسِيِّ كَثِيرَاً , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرَاً , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيراً وَنَذِيرَاً , وَدَاعِيَاً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجَاً مُنٍيرَاً , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .
أَمَّا بَعْدُ : فَيَقُولُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَـزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ)
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ : فَإِذَا تَأَمَّلْتَ السَّحَابَ الْكَثِيفَ الْمُظْلِمَ كَيْفَ تَرَاهُ يَجْتَمِعُ فِي جَوٍّ صَافٍ لا كُدُورَةَ فِيهِ , وَكَيْفَ يَخْلُقُهُ اللهُ مَتَى شَاءَ وَإِذَا شَاءَ , وَهُوَ مَعَ لِينِهِ وَرَخَاوَتِهِ حَامِلٌ لِلْمَاءِ الثَّقِيلِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّهُ وَخَالِقُهُ فِي إِرْسَالِ مَا مَعَهُ مِنَ الْمَاءِ , فَيُرْسِلَهُ وَيُنْزِلَهُ مِنْهُ مُقَطَّعَاً بِالْقَطَرَاتِ ،كُلُّ قَطْرَةٍ بِقَدَرٍ مَخْصُوصٍ اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ ، فَيَرُشُّ السَّحَابُ الْمَاءَ عَلَى الأَرْضَ رَشَّاً ، وَيُرْسِلَهُ قَطَرَاتٍ مُفَصَّلَةٍ لا تَخْتَلِطُ قَطْرَةٌ مِنْهَا بِأُخْرَى ، وَلا يَتَقَدَّمُ مُتَأَخِرُهَا ، وَلا يَتَأَخَّرُ مُتَقَدِّمُهَا ، وَلا تُدْرِكُ الْقَطْرَةُ صَاحِبَتَهَا فَتَمْزَجُ بِهَا ، بَلْ تَنْزِلُ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي الطَّرِيقِ الذِي رُسِمَ لَهَا لا تَعْدِلُ عَنْهُ حَتَّى تُصِيبَ الأَرْضَ قَطْرَةً قَطْرَةً ، قَدْ عُيِّنَتْ كُلُّ قَطْرَةٍ مِنْهَا لَجُزْءِ مِنَ الأَرْضَ لا تَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ , فَلَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى أَنْ يَخْلُقُوا مِنْهَا قَطْرَةً وَاحِدَةً , أَوْ يُحْصُوا عَدَدَ الْقَطْرِ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ لَعَجَزُوا عَنْهُ ، فَتَأَمَّلْ كَيْفَ يَسُوقُهُ سُبْحَانَهُ رِزْقَاً لِلْعِبَادِ وَالدَّوَابِ وَالطَّيْرِ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ ، يُسُوقُهُ رِزْقَاً لِلْحَيَوانِ الْفُلانِيَّ فِي الأَرْضِ الْفُلانِيَّةِ بِجَانِبِ الْجَبَلِ الْفُلانِيِّ فَيَصِلُ إِلَيْهِ عَلَى شِدِّةٍ مِنَ الْحَاجَةِ وَالْعَطَشِ فِي وَقْتِ كَذَا وَكَذَا . انْتَهَى كَلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : إِنَّنَا فِي هَذِهِ الأَيَّامُ نَشْهَدُ هُطُولَ أَمْطَارٍ غَزِيرَةٍ لَمْ تَشْهَدَهُا مَنَاطِقَ الْمَمْلَكَةِ مُنْذُ عُقُودٍ طَوِيلَةٍ , عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَهَا غَيْثَاً مُغِيثَاً , وَأَنْ يُبَارِكَ فِيهَا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ .
وَهَذِهِ وَقَفَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِالأَمْطَارِ :
الْوَقْفَةُ الأُولَى : مَا الذِي يَنْبَغِي إِذَا رَأَيْنَا السُّحُبَ ؟ : قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى السَّحَابَ خَافَ وَارْتَعَبَ حَتَّى يَنْزِلَ الْمَطَرُ فُيُسَرَّى عَنْهُ , وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَخَافَ لا يَكُونَ عُقُوبَةً , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ , قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ , وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ ؟ فَقَالَ (يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ ! عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ , وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا : هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ . يعني : فجاءتهم (رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)
فَهَلْ نَحْنُ نَخَافُ إِذَا رَأَيْنَا السُّحُبَ ؟ أَمْ أَنَّ مِنَّا مَنْ قَدْ يُطَارِدُهَا لِيَرَى أَيْنَ تَهْطُلُ ؟ أَوْ هَلْ فِيهَا سَيْلٌ أَوْ بَرَدُ , فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ !
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ : مَا الْعَمَلُ إِذَا نَزَلَ الْمَطَرُ ؟ الْجَوَابُ : قَدْ جَاءَتِ الأَدِلَّةُ بِعَدَدٍ مِنَ السُّنَنِ تُعْمَلُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ .
فَالسُّـنَّةُ الأُولَى : الدُّعَاءُ بِمَا وَرَدَ فَتَقُولُ : اللَّهُمَّ صَيِّـَباً نَافِعَاً , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى اَلْمَطَرَ قَالَ (اَللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَالْمَعْنَى : اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذَا الْمَطَرَ يُصِيبُ الْمَكَانَ الْمُنَاسِبَ مِنَ الأَرْضِ وَيَكُونُ نَافِعَاً مُنْبِتَاً , فَادْعُ اللهَ وَأَنْتَ مُقْبِلٌ صَادِقٌ .
وَالسُّـنَّةُ الثَّانِيَةُ : أَثْنَاءَ نُزُولِ الْمَطَرِ , فَتَقِفُ تَحْتَ الْمَطَرِ وَتَحْسُرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ مَلابِسِكَ لِيُصِيبَ الْمَطَرُ جَسَدَكَ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ ، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ قَالَ : فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ. فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ (لأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ) رَوَاهُ مُسْلِم . وَمَعْنَى (حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ) أَيْ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ إِيَّاهُ ، فَالْمَطَرُ رَحْمَةٌ وَهِيَ قَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ السَّمَاءَ مَطَرَتْ فَقَالَ لِغُلَامِهِ : أَخْرِجْ فِرَاشِي وَرَحْلِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ . فَقَيلَ لَهُ : لِمَ تَفْعَلُ هَذَا يَرْحَمُكَ اللهُ ؟ قَالَ : أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللهِ (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكَاً) فَأُحِبُّ أَنْ تُصِيبَ الْبَرَكَةُ فِرَاشِي وَرَحْلِي . أَخْرَجُهُ الْبَيْهَقِيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ :
وَأَمَّا السُّـنَّةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ فِي أَثْنَاءِ نُزُولِ الْمَطَرِ : فَتَدْعُو اللهَ تَعَالَى وَتَسْأَلُهُ مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , فَإِنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ إِجَابَةٍ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ نُزُولَ رَحْمَةٍ مِنْ رَحَمَاتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (ثِنْتَانَ مَا تُرَدَّانِ : الدُّعَاءُ عِنْدِ النِّدَاءِ وَتَحْتَ الْمَطَرِ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ. وَالْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ : الأَذَان .
وَأَمَا السُّـنَّةُ الرَّابِعَةُ : بَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ أَنْ تَقُولَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ , فَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ(هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ؟) قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : قَالَ (أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ , فَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ , وَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
فَمَا أَحْوَجَنَا لِهَذَا الحَدِيث ! فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَصْبَحَ يُعَلِّقُ نُزُولَ الْمَطَرِ عَلَى الظَّوَاهِرِ الْجَوِّيَّةِ , وَيَتَشَبَّثُ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الأَرْصَادِ وَيَنْسَى أَنْ إِنْشَاءَ السَّحَابِ كَانَ بِقُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى وَأَنَّ نُزُولَ الْمَطَرِ مِنْهُ لا يَحْدَثُ إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ سُبْحَانَهُ .
وَأَمَّا الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ : فَهِيَ فِي الْخَيْرِ الذِي يَكُونُ مَعَ الْمَطَرِ وَالأَضْرَارِ التِي تَحْدُثُ بِسَبَبِهِ : اعْلَمُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّ مَا بِنَا مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ , وَمَا أَصَابَنَا مِنْ مَصَائِبَ فَبِتَقْدِيرِ اللهِ , وَلَهُ عَزَّ وَجَلَّ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ وَالْمَشِيئَةُ النَّافِذَةِ (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) فَلا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلا مُعِقَّبِ لِحُكْمِهِ , وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى , وَلا مُعْطِي لِمَا مَنَعَ . وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللهَ وَإِذَا أَصَابَهُ بَلاءٌ حَمِدَ اللهَ , فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ : قَالَ ( الْحَمْدُ للهِ الذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ ) وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ (الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَقَالَ الأَلْبَانِيُّ : حَسَنٌ .
وَلا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الأَمْطَارَ حَصَلَ بِهَا خَيْرٌ وَالْحَمْدُ للهِ , مِنْ طَهَارَةِ الأَرْضِ وَنَبَاتِ الْعُشْبِ وَحَيَاةِ الأَشْجَارِ وَانْتِفَاعِ الْمَوَاشِي وَأَهْلِهَا , وَازْدِيَادِ الْمِياهِ الْجَوْفِيِّةِ فِي الآبَارِ التِي نَضَبَ كَثِيرٌ مِنْهَا أَوْ كَادَ .
وَمَعَ ذَلِكَ فَحَدَثَتْ أَضْرَارٌ فِي الزُّرُوعِ وَالْبُيُوتِ , بَلْ وَحَصَلَ غَرَقٌ وَهَدْمٌ فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ أَصَابَتْهُ أَضْرَارٌ وَيَجْعَلَ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ , وَأَنْ يَكْتُبَ الشَّهَادَةَ لِمَنْ مَاتَ غَرَقَاً فِي هَذِهِ السُّيُولِ وَأَنْ يَجْبُرَ مُصَابَ أَهْلِهِ , فَفِي صَحِيحِ مِسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ) .
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُبَارِكَ لَنَا فِيمَا أَنْزَلَ مِنَ الْمَطَرِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ رَحْمَةً لا عَذَابَاً وَأَنْ يَرْزُقَنَا شُكْرَ نِعْمَتِهِ , أَقُولُ قَوْلِي هذا , وَأَسْتغفرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أَجْمَعينَ .
أَمَّا بَعْدُ :
فَإِنَّ الْوَقْفَةَ الرَّابِعَةَ : فِي حُكْمِ جَمْعِ الصَّلاةِ فَي الْمَطَرِ : فَإِنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ الْمَطَرُ وَتَأَذَّى النَّاسُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا , وَهَذَا الْجَمْعُ رُخْصَةٌ وَلَيْسَ وَاجِبَاً , وَعَلَيْه فَلا يَنْبَغِي لِجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ خُصُومَةٌ بِسَبَبِ ذَلِكَ , وَالْمَوْكُولُ بِتَقِدِيرِ الأَمْرِ هُوَ الإِمَامُ , فَإِذَا لَمْ يَرَ الْجَمْعَ فَلا يَجُوزُ لِجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ الافْتِيَاتُ عَلَيْهِ وَإِقَامَةُ الصَّلاةِ , بَلْ تُصَلّى كُلُّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا , فَإِنَّ شَقَّ عَلَيْهِمُ الْخُرُوجُ لِلصَّلاةِ التَّالِيَةِ صَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ , وَيُكْتَبُ لَهُمْ أَجْرُ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوهُا لِعُذْرٍ .
وَمِمَّا يَجِبُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاةُ وَدَخْلَ بَعْدَ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ فَلا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ , لِأَنَّ مَقْصُودَ الْجَمْعِ فِي الْمَطَرِ تَحْصِيلُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ هُنَا قَدْ فَاتَتْهُ فَلا يَسْتَفِيدُ مِنَ الْجَمْعِ شَيْئَاً , لَكِنْ لَوْ أَنَّ مَنْ فَاتَتْهُمُ الصَّلاةُ مَعَ الإِمَامِ كَانُوا جَمَاعَةً فَجَمَعُوا فَلا بَأْسَ .
الْوَقْفَةُ الخَامِسَةُ : فِي حَالِ الخَوْفِ مِنَ الْمَطَرِ : فَإِذَا زَادِتْ مِيَاهُ الأَمْطَارِ وِخِيْفَ مِنْهَا سُنَّ أَنَ يَقُولَ النَّاسُ وَخُطَبَاءُ الْجُمُعَةِ فِي الدُّعَاءِ : الَّلهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا , اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ وَالآكَامِ وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ , رَبَّنَا لَا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : قَدْ كَثُرَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مُتَابَعَةُ النَّاسِ لِأَخْبَارِ أَهْلِ الأَرْصَادِ وَتَوَقُّعَات هُطُولِ الأَمْطَارِ مِنْ عَدَمِهَا , فَرُبَّمَا ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ هَذَا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ , وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ , لِأَنَّه عِلْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُرَاقَبَةِ لِسَيْرِ السُّحُبِ وَاتِّجَاهَاتِهَا وَالرَّيَاحِ الْمُصَاحِبَةِ لَهَا وَالْمَسافَاتِ التِي تَقْطَعُهَا فَيْكُتُبُونَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ !!!
وَيَنْبَغِي لِلإِخْوَةِ أَهْلِ الأَرْصَادِ أَنْ يَرْبُطُوا النَّاسَ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُبَيِّنُوا لَهُمْ قُدْرَتَهُ وَتْصِريفَهُ وَأَنَّ تَوَقُّعَاتِهِمْ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ .
أَسْأَلُ اللهَ أَنَّ يَجْعَلَ مَا أَنْزَلَ مِنَ الْمَطَرِ غَيْثَاً مُغِيثَاً , هَنِيئَاً مَرِيئَاً , اللَّهُمَّ أَنْبِتْ بِهِ الزَّرْعَ وَأَدِرَّ بِهِ الضَّرْعَ , اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ بَلاغَاً لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ , اللَّهُمَّ عَلَى الضِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينِنا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشِنا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتِنا الَّتِي فِيهَا مَعَادِنا وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ , رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً, وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ , اَللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ , وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ , وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ , وَجَمِيعِ سَخَطِكَ , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلَامِ , اللَّهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَهَمْ عَلَى الحَقِّ يَارَبَّ العَالَمِينَ . وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ , والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
المرفقات
وَقَفَاتُ اعْتِبَارٍ مَعَ نُزُولِ الأَمْطَارِ 23 جماد الآخرة 1434 هـ.doc
وَقَفَاتُ اعْتِبَارٍ مَعَ نُزُولِ الأَمْطَارِ 23 جماد الآخرة 1434 هـ.doc
المشاهدات 5768 | التعليقات 7
لا حرمك الله اجر هذه الخطبة الموفقة كما عودتنا ياشيخ محمد وانا من المعجبين بخطبك بارك الله فيك
لي طلب ارجو منك التركيز على خطبك حول تناول حديث ثم شرحة كانت خطب جميلة اخيرا وفقك الله وسددك واصلح نيتك وذريتك
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
جزاك الله خيرا ياشيخ محمد الشرافي ونفع بك
جزاك الله خيرا على ماخطه بنانك ،، وحبذا شيخنا ان يكون هناك تحذير من السيول والأودية كما جاء في السنة وكيف تكون هذه الأمطار نقمة وعذاب وتكون ايضا ابتلأ ومحنة وكيف انها كشفت الفساد في الطرق وشبكات تصريف الأمطار وكذلك فساد المقاولين ونحو ذلك ممن افسد او زور وعاون في التنفيذ واستلام المشاريع.
نفع الله بها
ابو عبدالله التميمي
جزاك االه خير ياشيخ محمد ونفع الله بك وبعلمك .خطبة موفقة وسوف تكون خطبتي هذه الجمعة .إن شاء الله.جعلها الله في ميزان أعمالك آمبن.
تعديل التعليق