(وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ) 13/ 8 / 1445هـ

د عبدالعزيز التويجري
1445/08/12 - 2024/02/22 13:16PM

الخطبة الأولى : {وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ}          13 /8 / 1445هـ

الحمد لله إيماناً بكمال الله وجلاله، ويقيناً بعلمه وحكمته، ورضا وطُمأنينةً بعدله ورحمته، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً مزيدا ... أما بعد..

 فاتقوا الله ربكم واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ..

        ألا إنّ رَبّي قوِيٌّ  مَجيـــدُ   **   لَطيفٌ جَليلٌ غنيٌّ  حَميدُ

       رأيْتُ المُلُوكَ وإنّ عَظُمَتْ  **  فإنَّ المُلُوكَ لرَبِّي عَبيــــدُ

 

ألا إنّ رأياً  دَعَا العَبْدَ أنْ  **  يُنيبَ إلى الله، رَأيٌ سَديدُ

 

ميثاقٌ وعهدٌ ووعد .. العهدٌ والميثاقٌ مع الله ، والجزاءٌ من الله..

{وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ} وعدٌ عظيمٌ ، وكرمٌ جزيل، ومنحةٌ ربانيةٌ، وعنايةٌ إلهيةٌ.. فمن كان الله معه فلا شيء ضده، ومهما يكن ضده من شيء فهو هباء لا وجود له ولا أثر.. ومن كان اللهُ معه فلن يضل طريقه , فإن معيةَ اللهِ تهديه وتكفيه ..

 ومن كان اللهُ معه فلن يقلق ولن يضل ولن يشقى ..

 ومن كان اللهُ معه فقد ضمن ووصل , وما له زيادة يستزيدها على هذا المقام الكريم .

 

وَمَا قلّ من كَانَ الله مَعَه، وَلَا ذل من كَانَ الله ناصره، أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر، تبَارك الله رب الْعَالمين.

      

  حسبنا الله لا نريد سواه  **  من كفيلٍ ولا نريد ضمينا

 فمتى يكون الله معنا ؟ ومتى ينصرنا ويحفظنا ؟ فلا نضل حينها ولا نشقى، ولا نُهزم ولا نُقهر.. شرطُها {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}

المعيةُ الربانية، والعنايةُ الإلهية، والحفظُ والتأييدُ لا تُمنح جُزافا ولا محاباة ; ولا كرامة شخصية منقطعة عن أسبابها وشروطها .. إنما هو عقدٌ وعهد ..وشرط وجزاء .

شرطُها: إقامةُ الصلاةِ .. لا مجرد أداء الصلاة .. إقامتها على أصولها التي تجعل منها صلة حقيقية بين العبد وربه ; وركناً تهذيبيا وتربويا وفق المنهج الرباني القويم ; وناهيا عن الفحشاء والمنكر !

 إقامتُها بحفظ وقتِها، ومراعاتُ حقوقِها ، وتحصيلُ خشوعِها «مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا وَلَا بُرْهَانًا وَلَا نَجَاةً، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ»

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} وأيُّ فلاحٍ أعظمُ أن من يكونَ الله معك في سرائك وضرائك  {وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ}

إيتاءُ الزكاة .. اعترافا أولاً بنعمة الله في الرزق ; وملكيته للمال،  وطاعة له في التصرف في هذا المال; فهو سبحانه المالك والناس في المال وكلاء..

 إيتاءُ الزكاة بشروطها وأنصبتها ولمستحقيها.. تحقيقا للتكافل الاجتماعي الذي على أساسه تقوم حياة الناس {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} جزائهم {أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ}

إيتاء الزكاة لا بخلاً ولا شحاً ، ولا تقتيراً ولا منعا.. بل على المنهج الذي يكفل ألا يكون المال دُولة بين الأغنياء , ولا تكدساً بأيدي أهل الثراء، فيفضي إلى الترف عند طائفة، والشظف عند البقية الباقية.. كل هذا الظلم والجشع تحول دونه الزكاة ; ويحول دونه منهج الله في توزيع المال.. قال أبو ذَرٍّ رضي الله عنه: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ r وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «هُمُ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، الْأَقَلُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ - وَقَلِيلٌ مَا هُمْ» أخرجه مسلم

وبه تتحقق معية الله لعباده وينموا المال وتحل البركة ويذهب معه الشح والجشع..

{وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}

الإيمان برسل الله.. لا نفرق بين أحدٍ منهم ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}،{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

إيماناً يبعث على إقامة التوحيد ونصرة الدين وتحقيق العبودية لرب العالمين {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}

الإيمان برسل الله مقتضاه العمل بما جاءت به الرسل من التشريعات والأحكام بتسليم وانقياد، لا محباة أو مجاراة {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

تحقيق معيةُ اللهِ وحفظهِ ونصرهِ وتأييدهِ.. تتحققُ بالقيامِ بنصرةِ الأنبياءِ، ونصرةِ من قام بتبليغِ دعوتهِم للناس، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن النكر {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

فمن وفى بعهد الله فقد تحقق له وعد الله {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} ، {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}

وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ..واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربنا لغفور شكور..

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى. أَمَّا بَعْدُ:

حقيقة كونية ثابتة، وسنن منتظمة ومحكمة لا تتبدل ولا تتحول{فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} استغاث المسلمون النصر يوم بدر وقد جردوا التوحيد لله، وخلعوا التبعية عن أعداء الله، وأخلصوا الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين.. فأمدهم الله بألف من الملائكة مردفين .

وإذا وهنت العقيدة في النفوس، ومالت الأهواء للأعداء، وضعف الولاء والبراء، انْتُزعت المهابة، وعلا الوَهْنَ ، وأصبحت الأمة غُثاءٌ كغثاء السَّيلِ..سنة الله{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا}.

من حفظ حدود الله ورعى محارمه، أحاطته عناية الله وحفظِه "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ".

من تقرب لله بالفرائض والنوافل أحبه الله وكان الله معه .. قال الله: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"

ضل سواء السبيل.. من{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

ضل وما اهتدى.. من يجاهر بالمنكر ويستعلن، وإذا ذُكِر باللهِ أعرضَ ونئى بجانبه واستكبر.

خسر الدنيا والآخرة.. من لا يستقر على حال ، بل يتقلب وفق المنافع والمضار، يلتمس رضا الناس بسخط الله ، يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه..

وجِماع الأمر وختامه {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.

اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك وانصرنا والمسلمين على من بغى علينا .. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد .. اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة امورنا ...

المرفقات

1708597095_{وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ}.docx

1708597192_{وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ}.pdf

المشاهدات 1385 | التعليقات 0