وقالوا: ليته يموت (خطاب إلى كل بخيل)

سامي بن محمد العمر
1444/05/07 - 2022/12/01 21:18PM

ليته يموت (عن البخل)

 

فاليوم..

إليه فقط يتوجه الكلام، وعليه فقط يقع الملام.

إليه... لأنه بعيد عنيد، محروم مذموم، بغيض مريض.

إليه... لأنه ضعيف الإيمان، أسير الشيطان.

إليه... فكل قريب منه يتمنى فراقه وموته، ويكره قوله وفعله.

توقف أيها المأزور المغرور، توقف أيها المغبون المفتون.

توقف فقد تعب محبوك، وتعذب أقربوك،

وحرِّك العقل الذي تملكُه، متأملاً في الطريق الذي تسلكُه؛ ما نتائجُه وعواقبُه؟ ما مضارُه ومنافعُه؟

أيسرُّك أنك "ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهم والغم والحزن، لا تكاد تُقضى لك حاجة ولا تعان على مطلوب؟"([1]).

أيسرك أن تكون ذاك الذي لا تُرجى له فائدة، ولا تؤمن منه آبدة، ولا تؤمل منه جدوى، ولا تُتَوقع منه نُعمى؟ مواعيده خديعة، وإنجازها كسراب بقيعة؟

أنت أنت؛ يا من يعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.

أنت أنت؛ يا من يمسك خشية الفقر ويعذب نفسه وأهله بالتقتير والقفر.

أنت أيها البخيل بما آتاك الله؛

أنخاطب فيك إيمانك؟ وقد ضعف لسوء ظنك بالله حتى اقترب من العدم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً)([2])

وأنت لم تعمل بتحذيره حين قال: (اتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)([3])

ثم إنك لتبتعد عن الصلاح والفلاح لأن الله تعالى يقول {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]

ثم إنك لعلى خطر عظيم يوم القيامة والله تعالى يقول {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180]

أنخاطب فيك عقلك؟ الذي يراك تجمع ما ستتركه، وتكدِّس ما ستورثه، وتشقى به في الحال والمآل، فأنت في الدنيا مهتمٌ بجمعه، وفي الآخرة آثمٌ بمنعه.

أنخاطب فيك عقلك؟ الذي يرى في وجه الزوجة رغبة الطلاق، وفي وجوه الأولاد تمني الموتِ والفراق، وأنت قادر على إسعادهم، وتحصيل شكرهم ودعائهم؟

أنخاطب عقلاً صدّق وعد الشيطان وغفل عن وعد الرحمن؟ {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268]

الرزق - يا هذا - مقسوم، والحريص محروم، والحسود مغموم، والبخيل مذموم، وما في الصالحين بخيل:

عن حُبيش الثقفي الفقيه قال: قعدت مع أحمد بنِ حنبل ويحيى بنِ معين، والناس متوافرون فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلا صالحا بخيلا([4]).

عن أبي ذر، قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: (هم الأخسرون ورب الكعبة) قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقار أن قمت، فقلت: يا رسول الله، فداك أبي وأمي، من هم؟ قال: (هم الأكثرون أموالا، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا - من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله - وقليلٌ ما هم)([5]).

اللهم اجعلنا منهم

بارك الله لي ولكم

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

يا عبد الله:

لو كان في البخل خيرٌ ما استعاذ منه خاتم النبيين بقوله :(اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل.... الحديث)([6])

وَلَمَا كان البخل أبرز صفات المنافقين وقد قال الله فيهم { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } [الأحزاب: 19]

وَلَمَا كان أقبحَ الخصال وأسوأ الخلال التي تورث الذل والأتراح، وتنفي المروءة والفلاح.

فأحسن الظن بربك فقد تكفل لك مع الإنفاق بالزيادة، وتعوذ من البخل تنل من الله الرضا والسعادة.

وانتفع بمالك قبل الفوات والحسرات، وأسعد من حولك ما استطعت ليسعدك الله،  

وأعد على فكرك أسلاف الْأُمَم ... وقف على مَا فِي الْقُبُور من رمم

قبر الْبَخِيل والكريم وَاحِد ... مَا نفع الْبُخْل وَلَا ضرّ الْكَرم

 

 

([1]) الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 33) بتصرف يسير

([2]) النسائي 6 / 12 في الجهاد، باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه

([3]) مسلم (2578)

([4]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 313)

([5]) البخاري (6638) ومسلم (990).

([6]) البخاري (2893) ومسلم (2706)

(2706)

المرفقات

1669918692_ليته يموت (عن البخل).docx

المشاهدات 654 | التعليقات 0