( وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ) - ( عَاشُورَاء )

مبارك العشوان 1
1445/01/09 - 2023/07/27 16:42PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَـ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }

عِبَادَ اللهِ: رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ( أَنَّ عُـيَـيْـنَةَ بْنَ حِصْنٍ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ فَقَالَ: يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَاللهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ، وَمَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ، حَتَّى هَـمَّ بِأَنْ يَقَـعَ بِهِ، فَقَالَ الحُـرُّ بنُ قَيْسٍ: يَا أَمِيـرَ المُؤْمِنِينَ  إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ: { خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ } وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، فَوَ اللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ).

هَكَذَا كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ )

بَلْ هَكَذَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ  رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ فِي جِنَانِهِ.

يَا لَهَا مِنْ مَنْقَبَةٍ، وَيَا لَعُلُّوِّهَا مِنْ مَنْزِلَةٍ، وَيَا لَجَمِيْلِهِ مِنْ وَصْفٍ: ( وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ )

هَؤُلَاءِ الصَّحْبُ الكِرَامُ؛ عَظَّمُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا؛ فَعَظَّمُوا كِتَابَهُ، وَعَظَّمُوا سُنَّةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

عَظَّمُوا أَوَامِرَهُ، وَنَوَاهِيَهُ، وَحُدُودَهُ.

عِبَادَ اللهِ: تَعْظِيمُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَتَعْظِيمُ شَرْعِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ هُوَ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ  قَالَ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْـرًا أَنْ يَكُـونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَـنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } الأحزاب 36

وَقَالَ تَعَالَى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } النساء 65

يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: إِذَا حَكَّمُوكَ يُطِيعُونَكَ فِي بَوَاطِنِهِمْ فَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا حَكَمْتَ بِهِ  وَيَنْقَادُونَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَيُسَلِّمُونَ لِذَلِكَ تَسْلِيمًا كُلِّيًّا مِنْ غَيْرِ مُمَانِعَةٍ وَلَا مُدَافِعَةٍ وَلَا مُنَازِعَةٍ... الخ.

فَلْنُعَظِّمْ رَبَّنَا جَلَّ وَعَلَا؛ وَلْنُعَظِّمْ شَرْعَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

نُعَظِّمُ أَوَامِرَهُ فَنَمْتَثِلُهَا، وَنَوَاهِيَهُ فَنَجْتَنِبُهَا، وَحُدُودَهُ فَنَقِفُ عِنْدَهَا وَلَا نَتَعَدَّاهَا.

لْنَحْذَرْ - عِبَادَ اللهِ - أَشَدَّ الحَذَرِ فِعْلَ قَومٍ ذَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ بِأَنَّهُمْ: { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } الحج 74 

وَقَالَ نُوحٌ لِقَومِهِ: { مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } نوح 13

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: لَا تُعَظِّمُونَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ.

وَيَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: أَوَّلُ مَرَاتِبِ تَعْظِيْمِ الحَقِّ عَزَّ وَجَلَّ: تَعْظِيْمُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. الخ

عِبَادَ اللهِ: مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا تَجَرَّأَ عَلَى المُحَرَّمَاتِ وَاسْتَهَانَ بِهَا، وَفَرَّطَ فِي الوَاجِبَاتِ وَضَيَّعَهَا.

مَنْ لَمْ يُعَظِّمْ شَرْعَ اللهِ، مَنْ لَمْ يَكُنْ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ  حَكَّمَ عَقْلَهُ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ؛ فَإِذَا جَاءَهُ الأَمْرُ أَوِ النَّهْيُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ عَقْلُهُ، أَوْ لَمْ يُوَافِقْ هَوَاهُ؛ أَخَذَ يَبْحَثُ عَمَّا يَتَفَلَّتُ بِهِ مِنْهُ؛ فَأَوَّلَهُ وَحَرَّفَهُ؛ وَبَدَأَ يَبْحَثُ عَمَّا يُوَافِقُ هَوَاهُ مِنْ أَقْوَالٍ شَاذَّةٍ أَوْ أَحَادِيثَ ضَعِيْفَةٍ، أَوْ فَتَاوَى بَاطِلَةٍ ضَلَّ أصْحَابُهَا وَأَضَلَّوا.

حَفِظَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الضَّلَالِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ  وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ. 

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَالْزَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - هَاتَينِ الكَلِمَتَينِ:

( سَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا ) يَقُولُ الشَّيْخُ ابنُ عُثَيْمِيْنَ رَحِمَهُ اللهُ: قُلْ: ( سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) إِنْ كَانَ لِلْوُجُوبِ فَقَدْ أَثَابَكَ اللهُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ لِلِاسْتِحْبَابِ أَثَابَكَ اللهُ عَلَيْهِ ثَوَابَ المُسْتَحَبِّ... الخ

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ قَالَ عَنْهُمْ: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } النور 51 – 53

عِبَادَ اللهِ: يَومُنَا هَذَا؛ يَومُ عَاشُورَاءَ؛ جَاءَتِ الأَحَادِيْثُ بِأَنَّهُ يَومٌ صَالِحٌ، وَيَومٌ عَظِيمٌ؛ وَبِأَنَّ: ( صِيَامَهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.  

وَصِيَامُنَا هَذَا اليَومَ؛ عِبَادَةٌ وَشُكْرٌ وَاقْتِدَاءٌ.

صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) رواه مسلم.

فَمَنْ صَامَ التَّاسِعَ مَعَ العَاشِرِ فَقَدْ أَحْسَنَ.

وَمَنْ لَمْ يَصُمِ التَّاسِعَ؛ فَلْيَصُمِ الحَادِيَ عَشَرَ مَعَ العَاشِرِ.

وَمَنْ ضَعُفَ عَنْ هَذَا وَهَذَا؛ وَصَامَ العَاشِرَ وَحْدَهُ؛ فَهُوَ عَلَى خَيْرٍ؛ وَهُوَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ.

عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ عَلِمْنَا فَضْلَ هَذَا اليَومِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُشرَعُ  فِيهِ وَلَا فِي غَيرِهِ أيُّ عَمَلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمِ؛ وَالَّذِي ثَبَتَ فِي هَذَا اليَومِ إنَّمَا هُوَ الصِّيَامُ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1690465341_( وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ) ( عَاشُورَاء ).pdf

1690465361_( وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ) ( عَاشُورَاء ).docx

المشاهدات 994 | التعليقات 0