وفي الإجازة عمل وإنجاز

وَفِي الإِجَازَةِ عَمَلٌ وَإِنْجَازٌ
18/7/1433

الحَمْدُ للهِ العَلِيمِ القَدِيرِ؛ {جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفُرْقَانَ: 62]، نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ عَمَلٍ، وَجَعَلَ المَوْتَ نِهَايَةَ العَمَلِ؛ لِيُجْزَى كُلُّ عَامِلٍ بِمَا عَمِلَ؛ {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى } [النَّجْمَ: 39 - 41]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، حَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنَ الغُرُورِ بِالدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا، وَبَيَّنَ لَهُمْ حَقِيقَتَهَا، وَكَشَفَ لَهُمْ حَقَارَتَهَا، وَأَظْهَرَ خَوْفَهُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، وَأَقْسَمَ قَائِلًا: «فَوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ؛ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ؛ فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِطَاعَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَكُلُّ وَقْتٍ يَمُرُّ بِالعَبْدِ لَيْسَ لَهُ فِيهِ طَاعَةٌ؛ فَهُوَ عَلَيْهِ خَسَارَةٌ، وَالمُفَرِّطُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَتَمَنَّوْنَ العَوْدَةَ إِلَيْهَا حِينَ مُفَارَقَتِهَا، لَا لِأَجْلِ مَتَاعِهَا وَعُمْرَانِهَا، وَلَا لِأَجْلِ المَالِ وَالوَلَدِ؛ وَإِنَّمَا لِأَجْلِ العَمَلِ الصَّالِحِ، حِينَ عَايَنُوا أَهَمِّيَّتَهُ حَالَ احْتِضَارِهِمْ؛ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } [المُؤْمِنُونَ: 99، 100].
أَيُّهَا النَّاسُ؛ تَدُورُ بِنَا اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ وَنَحْنُ لَا نَشْعُرُ، وَتُقَرِّبُنَا مِنْ آجَالِنَا وَكَثِيرٌ مِنَّا فِي غَفْلَةٍ، يَرْقُبُ النَّاسُ بِدَايَةَ العَامِ فَيَنْتَصِفُ وَيَنْتَهِي سَرِيعًا، وَهَا هُمْ أَوْلَادُ المُسْلِمِينَ يَبْدَؤُونَ إِجَازَتَهُمْ بَعْدَ أَشْهُرٍ مَرَّتْ كَلَمْحِ البَصَرِ، وَهِيَ فَرَاغٌ كَبِيرٌ يَكُونُ نِعْمَةً لِشَبَابٍ وَفَتَيَاتٍ، وَنِقْمَةً عَلَى آخَرِينَ مِنْهُمْ.
وَالمُؤْمِنُ الحَقُّ لَا فَرَاغَ عِنْدَهُ؛ بَلْ هُوَ فِي شُغْلٍ دَائِمٍ مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا، وَفَتْرَةُ شُغْلِهِ الذَّهَبِيَّةُ هِيَ فَتْرَةُ الشَّبَابِ، وَاللهُ تَعَالَى خَاطَبَ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8]؛ أَيْ: إِذَا تَفَرَّغْتَ مِنْ أَشْغَالِكَ، وَلَمْ يَبْقَ فِي قَلْبِكَ مَا يَعُوقُهُ، فَاجْتَهِدْ فِي العِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ، وَلَا تَكُنْ مِمَّنْ إِذَا فَرَغُوا وَتَفَرَّغُوا لَعِبُوا، وَأَعْرَضُوا عَنْ رَبِّهِمْ وَعَنْ ذِكْرِهِ؛ فَتَكُونَ مِنَ الخَاسِرِينَ، فَالمَعْنَى: إِذَا أَتْمَمْتَ عَمَلًا مِنْ مَهَامِّ الأَعْمَالِ؛ فَأَقْبِلْ عَلَى عَمَلٍ آخَرَ؛ بِحَيْثُ تَعْمُرُ أَوْقَاتَكَ، وَلَا يَبْقَى فَرَاغٌ فِي حَيَاتِكَ، قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-:«لَوْ تَفَرَّغْتَ لَنَا، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَيْنَ الفَرَاغُ؟ ذَهَبَ الفَرَاغُ فَلَا فَرَاغَ إِلَّا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى».
وَلَوْ نَظَرْنَا فِي أَحْوَالِ الصَّالِحِينَ مِنْ أَسْلَافِنَا لَوَجَدْنَا أَنَّهُمْ فَهِمُوا هَذِهِ الآيَةَ، وَحَقَّقُوا مَقْصِدَهَا، وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا؛ فَهُمْ فِي انْتِقَالٍ مِنْ عَمَلٍ إِلَى آخَرَ، وَعِنْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ وَاجِبَاتِ مَعَايِشِهِمْ يَشْتَغِلُونَ فِي بِنَاءِ آخِرَتِهِمْ، وَعِنْدَ قَضَاءِ عَمَلٍ صَالِحٍ يَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى آخَرَ؛ فَلَا يَبْقَى فِي حَيَاتِهِمْ فَرَاغٌ وَلَا بَطَالَةٌ، وَيُؤَدُّونَ كُلَّ وَظِيفَةٍ فِي وَقْتِهَا؛ فَلَا تَأْجِيلَ وَلَا تَسْوِيفَ؛ حَتَّى لَا تَتَرَاكَمَ الأَعْمَالُ وَيَعْسُرَ إِنْجَازُهَا، أَوْ تُنْجَزَ بِلَا إِتْقَانٍ، وَفِي وَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى النَّاسِ قَالَ لَهُ:«إِنِّي مُوصِيكَ بِوَصِيَّةٍ إِنْ أَنْتَ حَفِظْتَهَا: إِنَّ للهِ حَقًّا بِالنَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ, وَإِنَّ للهِ حَقًّا بِاللَّيْلِ لَا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ, وَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ»، فَهَذَا قَانُونٌ فِي العَمَلِ يَسْتَوْعِبُ الوَقْتَ، وَلَا يَدَعُ مَجَالًا لِفَرَاغٍ، وَيُؤَدِّي إِلَى الِانْضِبَاطِ وَالإِتْقَانِ؛ وَالصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- أَنْجَزُوا مِنَ الأَعْمَالِ وَالفُتُوحِ، وَتَبْلِيغِ العِلْمِ، وَنَشْرِ الإِسْلَامِ، وَبِنَاءِ الدَّوْلَةِ فِي سَنَواتٍ قَلَائِلَ مَا لَمْ يُنْجِزْهُ غَيْرُهُمْ، وَلَهُمْ فِي كُلِّ مَيْدَانٍ أَعْمَالٌ، وَفِي كُلِّ مَجَالٍ إِنْجَازٌ، حَتَّى طَغَتْ أَعْمَالُهُمْ وَمُنْجَزَاتُهُمْ عَلَى سَنَوَاتِ أَعْمَارِهِمْ، وَمَنْ يُصَدِّقُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مَا تَوَلَّى الخِلَافَةَ إِلَّا سَنَتَيْنِ، فَكَسَرَ فِيهَا المُرْتَدِّينَ فِي أَنْحَاءِ الجَزِيرَةِ، وَجَمَعَ القُرْآنَ، وَنَاوَشَ الفُرْسَ وَالرُّومَانَ، وَثَبَّتَ أَرْكَانَ الدَّوْلَةِ، وَقَضَى عَلَى النِّفَاقِ وَالرِّدَّةِ، كُلُّ ذَلِكَ فِي سَنَتَيْنِ فَقَطْ، وَهَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الخُلَفَاءِ، وَمِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، نَقْرَأُ سِيَرَهُمْ فَنَجِدُ إِنْجَازَاتٍ كُبْرَى، وَإِنْتَاجًا غَزِيرًا؛ مَعَ أَنَّ أَعْمَارَهُمْ فِي الإِسْلَامِ قَلِيلَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا أَعْمَارَهُمْ وَأَوْقَاتَهُمْ للهِ تَعَالَى، فَلَا فَرَاغَ لَدَيْهِمْ أَبَدًا، فَبُورِكَ لَهُمْ فِي أَوْقَاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ حَتَّى فَاقَتْ مُنْجَزَاتُهُمْ أَعْمَارَهُمْ، وَكُلُّ مَنْ حَذَفَ فِكْرَةَ الفَرَاغِ مِنْ رَأْسِهِ، وَشَغَلَ نَفْسَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ؛ كَانَ لَهُ مِنَ الإِنْجَازِ وَالإِنْتَاجِ مَا يَسُرُّهُ، وَكَأَنَّهَا سُنَّةٌ مُضْطَرِدَةٌ حَتَّى مَعَ الكُفَّارِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ لَهُ إِنْتَاجٌ كَثِيرٌ جِدًّا، لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَلَوْ قُرِئَتْ سِيَرُهُمْ لَكَانَ القَاسِمُ المُشْتَرَكُ فِيهَا أَنَّهُ لَا فَرَاغَ عِنْدَهُمْ، وَلَا تَضْيِيعَ لِلْوَقْتِ فِيمَا لَا نَفْعَ فِيهِ.
وَلَقَدْ كَانَ الصِّغَارُ مِنْ أَبْنَاءِ أَسْلَافِنَا يُنَاطِحُونَ الكِبَارَ فِي هِمَمِهِمْ، وَيَتَطَلَّعُونَ إِلَى تَبَوُّءِ مَنَازِلِهِمْ، وَلَا يَحْقِرُونَ فِي المَعَالِي أَنْفُسَهُمْ، وَيَشْغَلُونَ فَرَاغَهُمْ فِيمَا يَنْفَعُهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ:«إِنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا شَاءَ اللهُ، وَأَنَا غُلَامٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وَبَيْتِي المَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلَاءِ...»، وَقَدْ رَأَى رُؤْيَا كَانَتْ سَبَبًا فِي مُحَافَظَتِهِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَالشَّاهِدُ هُنَا: أَنَّهُ كَانَ يَقِيسُ نَفْسَهُ بِالكِبَارِ، وَيُزْرِي بِهَا لَمَّا لَمْ تَصِلْ إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ؛ حَتَّى بَلَغَ مُنَاهُ، وَرَأَى مَا يَرَوْنَ.
وَفِي شَبَابِ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- الَّذِي صَارَ مِنْ كِبَارِ فُقَهَاءِ المَدِينَةِ، وَمَا نَالَ الفِقْهَ وَالعِلْمَ إِلَّا بِشَغْلِ فَرَاغِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ، وَجَانَبَ مَا لَا نَفْعَ فِيهِ، وَكَانَ يُجِيلُ فِكْرَهُ فِي آيَاتِ القُرْآنِ؛ يَسْتَخْرِجُ العِلْمَ وَالفِقْهَ مِنْهَا، وَيَسْأَلُ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى«قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البَقَرَةَ: 158]، فَمَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا، لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، كَانَتْ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا...» الحَدِيثَ.
فَاسْتَشْكَلَ مَعْنَى الْآيَةِ وَهُوَ حَدَثٌ صَغِيرٌ، وَلَوْلَا تَدَبُّرُهُ لِلْقُرْآنِ، وَاشْتِغَالُهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ لَمَا اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ فِي الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ صِبَاهُ وَشَبَابَهُ فِي الْعِلْمِ.
وَمِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ: الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ مَالِكٌ صَاحِبُ الْمَذْهَبِ، وَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لَو أَضَاعَ مُقْتَبَلَ عُمُرِهِ، وَسَنَوَاتِ شَبَابِهِ فِي الْفَرَاغِ وَالْبَطَالَةِ، قَالَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:«كُنْتُ آتِي نَافِعًا وَأَنَا غُلاَمٌ حَدِيْثُ السِّنِّ...فَيَنْزِلُ مِنْ دَرَجِهِ، فَيَقِفُ مَعِي، وَيُحَدِّثُنِي، وَكَانَ يَجْلِسُ بَعْدَ الصُّبْحِ فِي المَسْجِدِ، فَلاَ يَكَادُ يَأْتِيْهِ أَحَدٌ»، إِنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ جَادَّةَ أَقْرَانِهِ، وَاخْتَصَّ بِنَافِعٍ وَحْدَهُ، فَحِينِ زَهَدَ الطَّلَبَةُ فِيهِ لَازَمَهُ هُوَ، وَأَيْنَ ذِكْرُ أَقْرَانِهِ؟! وَذِكْرُ مَالِكٍ قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ، وَمَذْهَبُهُ فِي الْفِقْهِ وَالْفُتْيَا بَلَغَ الْمَشْرِقَيْنِ.
فَالْجِدُّ وَالاجْتِهَادُ وَالْإِنْتَاجُ يَكُونُ أَكْثَرَ فِي مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ، وَلَكِنْ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِمَنْ أَخْرَجَ فِكْرَةَ الفَرَاغِ مِنْ عَقْلِهِ، وَشَغَلَ نَفْسَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، قَالَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ رَحِمَهَا اللهُ تَعَالَى:«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، خُذُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَنْتُمْ شَبَابٌ؛ فَإِنِّي وَاللهِ مَا رَأَيْتُ الْعَمَلَ إِلَّا فِي الشَّبَابِ»، وَهِيَ وَصِيَّةٌ جَرَّبَتْهَا هَذِهِ المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَوَعَاهَا الكُهُولُ وَالشُّيُوخُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ شَبَابِ الْيَوْمِ وَفَتَيَاتِهِمْ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا؛ فَأَوْقَاتُهُمْ تَضِيعُ هَدَرًا، وَأَعْمَارُهُمْ تَذْهَبُ سُدًى، وَلَمْ يُحَقِّقُوا شَيْئًا يَسْتَحِقُّ مَا عَاشُوهُ مِنْ أَعْمَارٍ يَنْفَعُ أُمَّتَهُمْ، وَيُخَلِّدُ ذِكْرَهُمْ، وَيَرِثُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَالأَنْبِيَاءُ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَالعُلَمَاءُ كَذَلِكَ لَمْ يُوَرِّثُوا لِلْأُمَّةِ مَالاً، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، وَإِنَّمَا وَرّثَ المَالَ تُجَّارُ الأُمَّةِ وَأَثْرِيَاؤُهَا وَمُلُوكُهَا، فَذَهَبَ المَالُ، وَانْدَرَسَ ذِكْرُ أَهْلِهِ، وَبَقِيَ الْعِلْمُ وَبَقِيَ ذِكْرُ أَهْلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ عِلْمًا دُنْيَوِيًّا انْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ، أَوْ كَانَ عِلْمًا أُخْرَوِيًّا وَهُوَ الأَفْضَلُ.
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَسْتَعْمِلَنَا فِي طَاعَتِهِ، وَأَنْ يَهْدِيَ شَبَابَ المُسْلِمِينَ وَفَتَيَاتِهِمْ لِمَا يَنْفَعُهُمْ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُمْ مَا يَضُرُّهُمْ، وَأَنْ يُصْلِحَ نَيَّاتِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا؛ [رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا] {الفرقان:74}.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ..
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، [وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] {آل عمران:131-132}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ أَعْظَمَ مُشْكِلَةٍ تُواجِهُ الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ مَعَ أَوْلاَدِهِمْ هِيَ أَيَّامُ الإِجَازَاتِ؛ حَيْثُ العَطَالَةُ وَالبَطَالَةُ، فَلاَ مَحَاضِنَ تَرْبَوِيَّةً مُغْرِيَةً تَسْتَوْعِبُهُمْ، وَتَشْغَلُ أَوْقَاتَ فَرَاغِهِمْ، وَلاَ مُؤَسَّسَاتٍ رِبْحِيَّةً تُشَغِّلُهُمْ وَتُدَرِّبُهُمْ وَتُشَجِّعُهُمْ، حَتَّى الأَحْيَاءُ السَّكَنِيَّةُ لاَ يُوجَدُ فِيهَا مَا يَسْتَوْعِبُ شَبَابَ الْحَيِّ فِيمَا يَنْفَعُهُمْ إِلاَّ جُهُودًا تَطَوُّعِيَّةً اخْتِيَارِيَّةً، ضَعِيفَةَ القُدْرَاتِ وَالإِمْكَانَاتِ، لاَ تَسْتَوْعِبُ إِلاَّ الْقَلِيلَ مِنْهُمْ.
إِنَّ أَعْظَمَ اسْتِثْمَارٍ تَسْتَثْمِرُهُ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ هُوَ الاسْتِثْمَارُ فِي الإِنْسَانِ بِبِنَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَتَأْهِيلِهِ، وَالأُمَمُ المُتَقَدِّمَةُ فِي الصِّنَاعَةِ مَا تَقَدَّمَتْ إِلاَّ بِبِنَاءِ الإِنْسَانِ بِنَاءً صَحِيحًا، وَأَفْضَلُ مَرْحَلَةٍ لِلاسْتِثْمَارِ فِي الإِنْسَانِ هِيَ مَرْحَلَةُ الشَّبَابِ؛ حَيْثُ الْقُوَّةُ وَالذَّكَاءُ وَالإِقْدَامُ.
إِنَّ لِلشَّبَابِ إِقْدَامًا وَمَوَاهِبَ إِذَا مَا صُرِفَتْ فِيمَا يَنْفَعُ صَرْفَهَا الشَّبَابَ فِيمَا يَضُرُّهُمْ وَيُؤْذِي أُمَّتَهُمْ، وَالظَّوَاهِرُ السَّيِّئَةُ الَّتِي نَرَاهَا مِنَ الشَّبَابِ هِيَ تَعْبِيرٌ عَنِ المَوَاهِبِ وَالإِقْدَامِ، وَلَكِنْ بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ صَحِيحَةٍ.
إِنَّ مَا نَرَاهُ مِنْ تَجَمُّعَاتِ الشَّبَابِ وَلَعِبِهِمْ بِسَيَّارَاتِهِمْ، وَتَعْرِيضِ أَنْفُسِهِمْ وَغَيْرِهِمْ لِأَخْطَارِ المَوْتِ وَالإِعَاقَةِ، وَمَا نَرَاهُ مِنْ تَسَكُّعِهِمْ فِي الأَسْوَاقِ، وَتَجَمُّعِهِمْ فِي المَطَاعِمِ وَالمَقَاهِي، وَإِحْيَاءِ اللَّيْلِ بِسَهَرٍ عَلَى لَهْوٍ وَمُحَرَّمَاتٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الظَّوَاهِرِ السَّيِّئَةِ مَا هُو إِلَّا طَاقَاتٌ تَتَفَجَّرُ عِنْدَ الشَّبَابِ، وَمَوَاهِبُ لَمْ تَجِدْ مَصْرِفًا صَحِيحًا تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، فَتَوَجَّهَتْ إِلَى مَا يَضُرُّهُمْ، وَيُؤْذِي مُجْتَمَعَهُمْ.
إِنَّ الفَرَاغَ قَاتِلٌ لِأَصْحَابِهِ، وَإِنَّ تَهْمِيشَ الشَّبَابِ عَنْ أَدْوَارِهِمْ فِي الْحَيَاةِ، وَالْحَيْلُولَةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُهِمَّاتِهِمُ اللَّائِقَةِ بِهِمْ أَفْرَزَ جِيلاً مِنَ الشَّبَابِ وَالفَتَيَاتِ كَثِيرَ الضَّجَرِ وَالمَلَلِ، دَائِمَ الشَّكْوَى وَالتَّأَفُّفِ، لاَ يَنْفَكُّ عَنْ طَلَبِ التَّرْفِيهِ وَالإِسْرَافِ؛ لِطَرْدِ المَلَلِ وَالسَّأَمِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ رَغْمَ مَا يَمْتَلِكُهُ مِنْ وَسَائِلِ الرَّاحَةِ وَالرَّفَاهِيَةِ، تَرَاهُ إِنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِ أَهْلِهِ أَصَابَهُ المَلَلُ، وَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ صَاحَبَهُ الضَّجَرُ، لاَ يَدْرِي مَاذَا يُرِيدُ؟
وَسَبَبُ ذَلِكَ عَجْزُهُ عَنْ إِنْجَازِ أَيِّ شَيْءٍ، وَإِحْسَاسُهُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَقْمٍ فِي البَشَرِ، لاَ أَثَرَ لَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ وَلاَ مُجْتَمَعِهِ وَلاَ أُمَّتِهِ، هَذَا الإِحْسَاسُ القَاتِلُ هُوَ الَّذِي أَفْرَزَ جُنُونَ الشَّبَابِ فَعَبَّرُوا عَنْهُ بِمَا تَرَوْنَهُ مِنْ أَذِيَّةِ أَنْفُسِهِمْ وَأَذِيَّةِ الآخَرِينَ.
إِنَّكُمْ تَرَوْنَ عُمَّالَ البِنَاءِ يَعْمَلُونَ أَعْمَالاً شَاقَّةً تَحْتَ الشَّمْسِ اللاَّفِحَةِ وَالحَرِّ الشَّدِيدِ، وَالوَاحِدُ مِنْهُمْ يَتَرَنَّمُ بِأُنْشُودَةٍ وَهُوَ يَعْمَلُ، وَلاَ يُصِيبُهُ الضَّجَرُ وَالمَلَلُ رَغْمَ بُعْدِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَذَوِيهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ فَرَاغَ لَدَيْهِ لِلْمَلَلِ وَالسَّأَمِ، وَيُحِسُّ بِطَعْمِ الحَيَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُنْجِزُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، بَيْنَمَا الفَارِغُ مِنْ شَبَابِنَا يَمَلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَيَرَى هَؤُلاءِ العُمَّالِ فَيَرْحَمُهُمْ وَهُوَ أَوْلَى بِالرَّحْمَةِ مِنْهُمْ، فَهُمْ فِي شُغْلٍ وَإِنْجَازٍ وَسَعَادَةٍ، وَهُوَ فِي فَرَاغٍ قَاتِلٍ يَفْتِكُ بِهِ!
وَلْيَعْلَمْ كُلُّ شَابٍّ أَنَّهُ حِينَ يَجِدُ نَفْسَهُ فِي فَرَاغٍ، فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْهَمِّ وَالغَمِّ وَأَنْوَاعِ الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ؛ فَالفَرَاغُ يَجْعَلُ الإِنْسَانَ لاَ شَيْءَ، وَيَنْقُلُهُ مِنْ مَيَادِينِ الأَعْمَالِ إِلَى مَخَادِعِ الأَوْهَامِ والأَحْلامِ، وَمِنَ الإِنْجَازِ وَالإِنْتَاجِ إِلَى العَطَالَةِ وَالبَطَالَةِ، هَذَا الفَرَاغُ الَّذِي هُوَ مَعَ الصِّحَّةِ نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَهُمَا سَبَبُ العَمَلِ وَالإِنْتَاجِ، يَنْقَلِبَانِ إِلَى سِلاَحَيْنِ فَتَّاكَيْنِ، يَفْتِكَانِ بِالأَفْرَادِ وَالأُمَمِ إِذَا لَمْ يُسْتَثْمَرَا اسْتِثْمَارًا صَحِيحًا.
فَيَا أَيُّهَا الشَّبَابُ، إِنْ قَصَّرَ المُجْتَمَعُ عَنِ احْتِضَانِكُمْ، وَلَمْ يُوجِدْ لَكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا يُنَاسِبُكُمْ، فَلاَ تَسْتَسْلِمُوا لِنَزَوَاتِكُمْ، وَابْحَثُوا عَمَّا يَنْفَعُكُمْ بِأَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّ مُجْتَمَعًا لَمْ يَأْبَهْ بِاحْتِيَاجَاتِكُمْ لَنْ يَأْسَى عَلَى مَا يُصِيبُكُمْ بِسَبَبِ فَرَاغِكُمْ؛ [فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ] {الشرح:7-8}.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا..
المرفقات

وفي الإجازة عمل وإنجاز مشكولة.doc

وفي الإجازة عمل وإنجاز مشكولة.doc

وفي الإجازة عمل وإنجاز.doc

وفي الإجازة عمل وإنجاز.doc

المشاهدات 5378 | التعليقات 9

جزاك الله خير الجزاء
و لا حرمك الله أجر كل ما كتبت


كتبت فأجدت

ونصحت وبينت

فغفر الله ذنبك ورفع قدرك على هذه الخطبة الشافية


جزاك الله خيرا
وبارك في علمك


جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل ..
واسمح لي أن أخالفك بتعقيب بسيط في الخطبة الثانية ..
ففي هذا المقطع ( لاَ مَحَاضِنَ تَرْبَوِيَّةً مُغْرِيَةً تَسْتَوْعِبُهُمْ، وَتَشْغَلُ أَوْقَاتَ فَرَاغِهِمْ، وَلاَ مُؤَسَّسَاتٍ رِبْحِيَّةً تُشَغِّلُهُمْ وَتُدَرِّبُهُمْ وَتُشَجِّعُهُمْ، حَتَّى الأَحْيَاءُ السَّكَنِيَّةُ لاَ يُوجَدُ فِيهَا مَا يَسْتَوْعِبُ شَبَابَ الْحَيِّ فِيمَا يَنْفَعُهُمْ إِلاَّ جُهُودًا تَطَوُّعِيَّةً اخْتِيَارِيَّةً، ضَعِيفَةَ القُدْرَاتِ وَالإِمْكَانَاتِ، لاَ تَسْتَوْعِبُ إِلاَّ الْقَلِيلَ مِنْهُمْ.) .. أعتقد أن فيه شيئاً من غمط الجهود المبذولة الرسمية والأهلية ..
ربما كان هذا الكلام صحيحاً جدا قبل عشر سنوات ، ولكن في السنيات الأخيرة وفي كل صيف يزداد النشاط عن العام الذي قبله ، فهناك برامج ومشروعات متنوعة ومتعددة دينية ودنيوية ودورات ومشاركات وأشياء كثيرة ..
ربما لم تطلع عليها شيخنا الفاضل ولكن مسح كل هذه الجهود وإغفالها بمثل هذه العبارة أعتقد أنه غير مناسب .
بل إنني في قراءتي للخطبة الأولى ، التي استمتعت بها جداً ، أغذ السير حثيثا للخطبة الثانية التي توقعت أن تكون نتيجة وثمرة للدرر الرائعة التي كانت في الخطبة الأولى بالإرشاد إلى كثير من هذه المشروعات أو التنبيه على أمور إجمالية فيها .. أو بأي طريقة عبقرية تعودناها منك في طرقك للموضوعات ..
لعل شيخنا الفاضل إن أمعن النظر قليلاً ربما يتغير رأيه فيما ذكرت .

شكر الله لك وجزاك عنا خيراً ..


بارك الله فيك شيخنا ونفع بك..


شكر الله تعالى لكم إخواني الكرام على مروركم وتعليقكم، وأسأل الله تعالى أن يجزيكم عني خيرا وأن ينفع بكم، وأن يستجيب دعواتكم المباركات إنه سميع مجيب..
وأثني بالشكر الجزيل لك أبا العنود على تعقبك فجزاك الله تعالى خيرا وأعتذر عن التأخر في الرد لأني أدخل الموقع عند وضع الخطبة فأرى تعليق الإخوة على ما سبق وأجيب عنه وهكذا، واعترف بتقصيري في المشاركة مع إخواني في الموقع.
ثم إنني أرجو أن أكون مخطئا في نظرتي لما عندنا من أنشطة تحوي الشباب والفتيات، رغم أنه كان يراودني إحساس وأنا أكتب الخطبة ولم يبارحني إلى الآن: أني كنت لينا جدا في عرض ما انتقدته يا أبا العنود من خطبتي، وأرى أن الفقرة التي تعقبتها كانت تحتاج قسوة مني تجاه المجتمع تكون أشد لأنها جريمة ترتكب بحق الشباب والفتيات..
وكونك تتكلم عن محاضن تربوية رسمية موجودة فعدها علي جزاك الله تعالى خيرا.. وأما التطوعية فأستثنيتها أنا في الخطبة وذكرت أنها قليلة..
دعني أعطيك فكرة.. أكثر شيء نظنه نحن محاضن تربوية هي المراكز الصيفية.. وهي يعتورها كل سنة الإلغاء، ولا يأتي قرارها إلا متأخرا، وتقام في مدارس فهل المدارس محل للترفيه ومجهزة له؟! يا أخي: الطلاب طالعين من المدرسة في إجازتهم ترجعهم للمدارس مرة ثانية يقيمون فيها المراكز وهي غير مجهزة للترفيه والنشاط؟! أي أمة نحن؟!
والقائمون عليها في أغلبهم حسب علمي متطوعون وما على المحسنين من سبيل، هل يوجد صالات ألعاب؟ هل يوجد ملاعب مجهزة؟ هل يوجد مسابح؟ هل يوجد ورش لاكتشاف المواهب وتعليم الميكانيكا والكهرباء والسباكة وغيرها من الحرف.. طبعا لا..
طرق بدائية.. صحف حائط، أوراق مطبوعة، برامج مكرورة..ملها كثير من الطالب وما عادوا يشاركون فيها..
والجوائز من محلات أبو ريالين يشحذون قيمتها من المحسنين، وأحيانا ترحمهم شركة عطور فتجهز لهم كم هدية محترمة شوي، أو شركة حاسبات تعطيهم حاسب أو نحو ذلك.. والرحلات وين؟ الملاهي إن تيسرت أو حديقة الحيوان.. هذا طبعا يناسب الأطفال، طيب والكبار؟!
وأما العشاء فقطة يشترون بها فول وتميس وفي أحسن الأحوال مثلوثة.. بالله عليك تسمي هذي محاضن تربوية؟! لو قذف شبابنا مجتمعنا بالحجارة لكان مستحقا لذلك..
ثم كم عدد المراكز، هل تعلم إني بحثت في جوجل ما لقيت كم عددها إلا في سنوات مضت كان (250) مركزا في كل أنحاء المملكة، كم يستوعب كل مركز؟ باصير كريم معك وأقول كل مركز صيفي يستوعب (1000) طالب، يعني (250000) دعني أزيد المراكز ضعف العدد لتستوعب (500000) كم عندنا من طالب وطالبة؟! تدري أنهم فوق عشرة ملايين هذا في التعليم العام غير الجامعات، وعليك حساب النسبة. هذي أكثر وأكبر محاضن في الصيف.. وهي ليست تربوية بالمعنى الحقيقي وليست ترفيهية إنما هي لحفظ المسجلين فيها من التسكع والضياع، وفرق بين حفظهم وتربيتهم وإفادتهم؟ وماذا غيرها؟! المخيمات الدعوية التي بجرة قلم تلغى وتنسف جهود القائمين عليها، ثم كم تستوعب هذه المخيمات؟ وما مدتها؟ أسبوع أو عشرة أيام.. والترفيه فيها وجوائزها لا تختلف عن المراكز الصيفية كثيرا..
والتسجيل أحيانا في المراكز وفي عموم الفعاليات يكون برسوم ولا أدري هل هو دائما أم لا لكن أذكر في سنوات سجلت أبنائي برسوم، طيب أبناء الفقراء وين يسجلون؟! والفتيات أين يذهبن؟! ومع ذلك ترى أن فيه جهود مغموطة!! بالله عليك دلني على هذه الجهود التي ما نراها إلا في أوراق الصحف..مهرجانات الغناء ينفق عليها ملايين.. ومخيمات الدعوة تقفل.. جهود مباركة..


نعم يا شيخنا الفاضل التقصير الكبير موجود ..
ولكن ما زلت عند رأيي أن الموضوع في تحسن عاماً بعد عام .
والأمر في ظني يحتاج إلى جهة ما تجمع شتات ما تفرق من جهود تبذل في هذه الفترة من جهات حكومية وأهلية ، ومن فعاليات مجانية ومدفوعة ، وغيرها .
والله يطرح البركة في الموجود ويعين الجميع على التكاتف للمزيد .
وبارك الله فيك وفي قلمك شيخنا الكريم .


أما التحسن في البرامج الموجهة للشباب والمعينة على قضائهم أوقاتهم فيما ينفعهم فلم نر فيه تحسنًا يمكن الإشادة به ، وإنما الذي نراه ما ذكره الشيخ إبراهيم ـ وفقه الله ـ
وقد حصل لنا هذا العام موقف ، حين أقمنا دورة مكثفة لتحفيظ القرآن ، احتجنا فيها إلى الصالة الرياضية في المدرسة المجاورة لنا ، لإكمال البرنامج وترغيب الشباب ببعض الأنشطة الرياضية والألعاب والمسابقات والعروض الهادفة ، ومع أني مشرف تربوي ، فلم أتمكن من معرفة مدى إقامة ناد صيفي في المدرسة من عدمه ، لماذا ؟
لأن الإخوة في قسم النشاط في الإدارة قد رفعوا ولم يُخبروا بموافقة الوزارة بعدُ .
وقد أكدت على مدير المدرسة أنه إن كان ثمة ناد صيفي فأنتم أحق بصالتكم ، ونحن في الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن ، يعيننا الله ونستأجر استراحة لإتمام برامجنا ، أو نتصرف ونكيف برنامجنا على ما لدينا من إمكانات ، فذكر لي أنه لن يقام ناد صيفي ، وسلم لي مفاتيح الصالة ـ جزاه الله خيرًا ـ وبدأنا دورتنا ، وكنا كل يوم على ميعاد بعد المغرب مع الصالة وبقية البرامج ، وكان الطلاب في بهجة وسرور ، وتفاعلهم على خير ما يرام ، فلم أتفاجأ في الأسبوع الثاني من بداية الدورة إلا ومعلمٌ يتصل بي ، ويقول : لدينا نادٍ صيفي في المدرسة ، ونحن بحاجة إلى الصالة ، فما العمل ؟!
قلت له : ننتظر حتى نرى من سيسجل عندك من الطلاب ، ولعله يتم دمج البرنامج .
ففوجئنا بأنه لم يسجل لديهم إلا عدد قليل ، وجعل ذلك الأخ يرجونا أن نسجل طلابنا لديهم ، وباستشارة من معي من الإخوة المشرفين على الدورة رأوا أن الخير في عدم ذلك ، لأن الدورة قامت فعلاً ، وتم الاتفاق على برامجها والإعداد لها ، وأخيرًا اتفقنا على أن تكون الصالة للنادي عصرًا ، ونحن نستفيد منها بعد المغرب وبعد العشاء .
فبالله ، لو تم الإعلان عن النادي الصيفي في وقته المحدد وتم الاستعداد له مبكرًا والإعلان عنه بالشكل اللائق ، هل كنا سنقع في مثل هذا الإحراج ؟!
لا أظن ذلك .
ومن ثم فإني أرى أن ما ذكره الشيخ إبراهيم هو الغالب للأسف ، ونحن نراه رأي عين ولا مجال لإنكاره ، فكيف إذا أضفنا ما يحدث من إلغاء بعض المخيمات الدعوية أو عدم الفسح لها ، أو التأخر في ذلك والتباطؤ في الأذن لها من الجهات المسؤولة ، وهي التي كانت متنفسًا للعوائل المحافظة والأسر المحتشمة ، ومقصدًا لباغي الخير من كل أطرافه ، ثم يستبدل بها مخيمات غريبة نشاز على ثقافتنا الإسلامية وقيمنا العربية ؟!
ونحن حين نقول هذا الكلام ، فلا نريد منه ـ علم الله ـ إلا النصح لمسؤولينا وبيان الواقع لهم على حقيقته ، وحثهم على إقامة كل ما فيه نفع وفائدة وخير ، ويتوافق مع الدين والأخلاق والقيم ، ويحفظ أبناءنا وأسرنا ومجتمعنا ، ويكون ميدانا لتعليم طلابنا كل خير ، وغرس كل قيمة صالحة في نفوسهم ، لا أن يكون العكس .
وإذا نحن وجدنا ما يحتمل أن يمدح ويشجع ويشاد به فلن نقصر في دعمه بالكلمة الطيبة وحث الناس عليه ودلالتهم على الالتحاق به ، أما أن نتبع أسلوب الصحفيين في قلب الحقائق ومدح ما لا يحتمل الذكر فضلاً عن المدح ، فلا يكون ذلك وفينا ذرة من نصح لولاتنا ومسؤولينا ، وكما قيل : صديقك من صَدَقَكَ لا من صَدَّقَكَ . والله المستعان .


شكر الله لك يا شيخ عبدالله ..
ويبدو أن الشق أكبر من الرقعة ..
الله يعين ويصلح الأحوال ..
وبإذن الله تنصلح ما دام فيه مثل هذه الهمم والرغبات الصادقة والإلحاح في نشر الخير والمدافعة للشر ونفع الناس .
وفق الله الخطى.