وفديناه بذبح عظيم (الخليل عليه السلام والتسليم)

عبدالرحمن المهيدب
1443/12/01 - 2022/06/30 14:12PM

  إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صل الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا أما بعد ..

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

دعا الخليلُ إبراهيمُ-عليه السَّلامُ-ربَّه-عزَّ وجلَّ-أن يَهبَه ولدًا ينفعُه في حياتِه وبعدَ مماتِه، فقالَ: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)، فاستجابَ اللهُ-تعالى-له، وجاءَتهُ البشارةُ بإسماعيلَ-عليه السَّلامُ-: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ)، فما أجملَها من بُشارةٍ بغلامٍ، حليمٍ ذي خُلُقٍ وصَبرٍ، وعندما وُلدَ الغُلامُ، وأحبَّه أبوهُ محبةً شديدةً، كانَ لا بُدَّ من اختبارِ إبراهيمَ: هل محبةُ الولدِ زاحَمتْ محبةَ اللهِ-تعالى-في قلبِ الخليلِ؟

فجاءَ الاختبارُ الأولُ: أُمرَ إبراهيمُ بتركِ ابنِه وزوجتِه هاجرَ في مكانٍ قَفرٍ ليسَ فيه ماءٌ ولا أحدٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي ؟ تقولُها مِرَارًا، وهو لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، ثم قَالَتْ تسألُه: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ.

ما أعظمَ هذا التَّسليمَ! شَيخٌ كَبيرٌ مَقطوعٌ من الأهلِ والقَرابةِ، مُهاجرٌ إلى اللهِ، جاءَه غلامٌ حليمٌ بعدَ طُولِ عُمرٍ وإلحاحِ دُعاءٍ، يضعُ ابنَه وزوجتَه الضُّعفاءَ في مكانٍ ليسَ فيه إنسٌ ولا ماءٌ، لا لشيءٍ إلا لأنَّ اللهِ أمرَه بذلكَ، ثُمَّ ماذا كانتْ النَّتيجةُ؟ فَجَّرَ اللهُ-تعالى-من تحتِ قدمي الغلامِ إسماعيلَ عينًا مباركةً إلى يومِ القيامةِ، وجُعلَ سعيُ هاجرَ من مناسكِ الحجِّ والعمرةِ تخليدًا لذكرِها إلى يومِ القيامةِ.

 

ثُمَّ لما كَبُرَ الغلامُ، جاءَ الاختبارُ الثَّاني: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)، وبَلغَ سِنًّا يَكونُ-في الغَالبِ-أَحبَّ ما يَكونُ لوالديهِ، أرادَ اللهُ أن يختبرَ قلبَ خليلِه برؤيا حقٍّ في المنامِ. ورؤيا الأنبياء وحي

(قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)، رأى الرُّؤيا فما ناقشَ في أمرِ اللهِ العليمِ الخبيرِ، ولم يسألْ عن الحكمةِ من ذَبحِ ولدِه الصَّغيرِ، ولم يعترضْ: لماذا يجبُ أن يذبحَه بيدِه وهو الأبُّ الكسيرُ؟ وحُقَّ له أن يكونَ خليلَ اللهِ

وبعد أن عرض إبراهيمُ الرؤيا على ابنه قال له (فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)، فأجاب الأبن إجابة خلدها الله في كتابه إذ قال

(قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، الله أكبر ما أعظم هذه التسليم وما أثقل هذه الإجابة ولأنَّ الأمرَ أمرٌ عصيبٌ، قالَ: (إِن شَاءَ اللَّهُ)، فلا ثباتَ في مِثلِ هذه المواقفِ إلا بتثبيتِ اللهِ-تعالى-.

 

(فَلَمَّا أَسْلَمَا) بالرِّضا والطَّاعةِ ، (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)، أضجعَه على وجهِه ووضَعَ السِّكينَ؛ ليَشرعَ في الذَّبحِ، ولكَ أن تتخيلَ حالَهما في تلكَ اللَّحظةِ من البَلاءِ، فإذا بالنِّداءِ الرَّحيمِ يأتي من السَّماءِ، (وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، قد حصلَ المقصودُ من هذا الاختبارِ، وظهرَ صِدقُ تسليمِكَ للعزيزِ الجبَّارِ، فليسَ المقصودُ هو سَفحُ الدِّماءِ، بل العزمُ الصَّادقُ على تنفيذِ أمرِ اللهِ والاستسلامِ لأمرِه، وقد حصلَ ذلكَ كلُّه، وكانَ هذا من أعظمِ اختباراتِ العَالَمينَ، لذا قالَ تعالى: (إِنَّ هذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) ووالله إنه لبلاء عظيم.

ثم قال تعالى بعد ما نادى إبراهيم –عليه السلام- أن صدّقْتَ الرؤيا, قال: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)، ففداهُ اللهُ بكبشٍ-عظيمٍ من الغنمِ، وأصبحَت سُنَّةً وقُربةً إلى يومِ القيامةِ، (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ)، فهيَ سُنةُ الأضحيةِ تكونُ في عيدِ الأضحى ويتقرَّبُ بها المسلمونَ إلى ربِّهم-تعالى-إلى يوم يُبعثونَ.

 

فينبغي يا إخواني على أحدِنا وهو يذبحُ أضحيتَه أن يتذكَّرَ قصةَ الاستسلامِ العظيمةِ، التي كانتْ خلفَ تشريعِ هذه الشَّعيرةِ الكريمةِ.

وهل الدِّينُ إلا الاستسلامَ؟! يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ-رحمَه اللهُ تعالى-مُعرِّفًا الإسلامَ: (هو الاستسلامُ للهِ لا لغيرِه، بأنْ تكونَ العبادةُ والطَّاعةُ له والذِّلُّ له سبحانَه، وهذه حقيقةُ لا إلهَ إلا اللهُ)، قالَ-تعالى-: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) جعلنا الله ممن يسلم وجه لله ويستسلم لأوامر الله .

أقول قولي هذا, وأستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين من كل ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه, كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

عباد الله؛ يقبل علينا بعد أيام يوم عرفة, يومٌ عظيم جليل،قد قيل فيه أنه خير أيام السنة على الإطلاق يَعُمُّ خيرُه وبركاتُه هذه الأمةَ كلَّها، لِمَا يتنزل فيه من الرحمة، وما يغفر الله فيه من الذنوب العظام, عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا من النار من يوم عرفة، وإن الله لَيدنو يتجلى ثم يباهي بهم الملائكةَ " (رواه مسلم).

ويُشْرَع في هذا اليوم الذِّكْرُ وشهادةُ التوحيد، كما جاء ذلك من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند الترمذي قال رسول الله -صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم-: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

ومن أعظم العبادات فيه : صِيامُهُ؛ فقد أَخْرَجَ الإمام مسلمٌ في صحيحه، من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- أن النبي -صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم- قال عن يوم عرفة: ".. صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ" ما أعظم كرم الله صيام يوم واحد سبب لتكفير ذنوب سنتين إلا الكبار فإنه لا بد لها من توبه.

فيا أيها المباركون أوصيكم ونفسي باستغلال هذا اليوم فابدؤه بالصيام وأكثر فيه من الدعاء والالتجاء إلى الله؛ فإن "خَيْرَ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ"، وطهروا قلوبكم من القطيعة والحسد والبغضاء وسابق لفعل الخيرات فلا تدعوا بابًا من أبواب الخير مفتوحًا إلا طرقتموه ، ولا مجالًا للطاعة إلا وَلَجتموهُ ، فهو يوم ليس له عوض، ووقْتٌ إذا فاتَ ليس له بدل.

 

اللهم وفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق العصيان واجعلنا من الراشدين ,,, اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيِئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت,,, اللهم اغفر لوالدينا وارحمهم وعافهم واعف عنهم اللهم من كان منهم حياً فأطل في عمره على طاعتك وارزقنا برهم ورضاه ومن كان منهم ميتاً فافسح له في قبره وجعلها روضة من رياض الجنة يارب العالمين,,,, اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ ، يا رب ووفقهمْ لما تحبُ وترضى وخذ بناصيتهم للبر والتقوى، اللهم انصرْ المجاهدين المرابطين، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ،,، اللهم اجعلنا ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك،  اكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلك تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

 

 

 

المشاهدات 582 | التعليقات 0