وفاة الملك عبدالله-رحمه الله-3-4-1436هـ-محسن الشامي-الملتقى-بتصرف

محمد بن سامر
1436/04/03 - 2015/01/23 04:57AM
[align=justify] إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-أما بعد:
فيا أيها الإخوة، أوصيكم ونفسي بتقوى الله-عزّ وجلّ-، فإنها أمانٌ عند البلايا، وذُخْرٌ عند الرزايا، وعصمةٌ من الدنايا، فاتقوا الله رحمكم الله، ولا تغرّنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنّكم بالله الغَرُور.
أيها الكرام: ما كان حديثًا يُفترَى، أنّ هذه الدارَ دارُ امتحان وابتلاء،[الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً]، الحقيقةُ الحاضرةُ الغائبةُ أنّ الموتَ في هذه الدنيا نهايةٌ كلِّ حيٍ، وختامُ كلِّ شيءٍ.
[/align]
[align=justify]
وما الدهرُ إلا كَرُّ يومٍ وليلةٍ***وما الموت إلا نازِلٌ وقريبُ
ولئن كانت مصيبة الموت بعامّةٍ كبيرة، والفاجعة بالفَقْد عظيمة؛ فإن الرزِيّة تكون أعظم وقْعًا، وأكبر أثرًا، حينما تكون بفَقْدِ وليِ أمرِ المسلمين، وإمامِ عظيمٍ من أئمة الإسلام، وقائدٍ فَذٍّ من أبرزِ قادةِ الأمةِ الإسلاميةِ.
أيها الإخوة: إن الموت سُنّة الله في الكون لا تتبدل،[وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا]، ولا تتحول،[وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا]، فالموتُ كأسٌ وكلُّ الناسِ شاربُه، تحسَّى مرارتَه الأنبياءُ، والأولياءُ، والعلماءُ، والزعماءُ.
كلُّ ابنِ أنثى وإنْ طالتْ سلامتُه***يومًا على آلةِ حدباءَ محمولُ
بحكمِ اللهِ الذي خلقَ الموتَ والحياةَ ابتلاءً للعبادِ، وإليه المعادُ،[كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ]، ولذلك وجبَ عدمُ الغفلةِ عن هذا المصيرِ، قال الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم-: "أكْثِرُوا من ذِكْرِ هادمِ اللَّذَّاتِ، أحسبُه قال فإنَّهُ ما ذكرَه أحَدٌ في ضيقٍ من العَيشِ إلا وَسَّعَه، ولا في سَعةٍ إلا ضيَّقَه علَيهِ"، حسنه الألباني-رحمه الله تعالى-لغيره في صحيح الترغيب، وهذا الذكر يفيد الاستعداد للموت واستشعار قربه في حَدَثٍ هزّنا خبُرُه، وأفزعنا نبؤه، فقد فُجعت الأمةُ عامةً، والمجتمعُ السعوديُ خاصةً، بوفاة-خادم الحرمين الشريفين-الملك عبدالله بن عبد العزيز-رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته-، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم آجرْنا في مصيبتنا واخلف لنا خيرًا منها.
إخواني الكرام: ومع فَدَاحة المصيبة، وعِظَم الفَجِيعة، فلا يملك المسلم حيالها إلا الرضا والتسليم، والتذرُّع بالصبر والاحتساب.
فلم يعرف التاريخ فاجِعةً أعظمَ من فَقْد المصطفى-عليه وآله الصلاة والسلام-.
أيها المباركون: إن غاب فقيدنا في شخصه وذاته فإنه لم يغب في أفعاله وصفاته.
قد مات قومٌ وما ماتت مَكارِمُهُمْ
وعاش قومٌ وهمْ في الناس أمواتُ
شاهِدُ ذلك بجلاء تلك الأعمالُ الفريدةُ: الحرمُ المكيُّ الذي يشهدُ الآنَ أكبرَ توسعةٍ عرفها التأريخ، سلو المساجدَ والمدارسَ والجامعاتِ والمراكزَ الإسلاميةَ والصروحَ الحضاريةَ ومعاقلَ التربيةِ وقلاعَ التعليم؛ فسَتَنْطِقُ شاهدة على أعماله الجليلة، ومآثره العظيمة، تبكيه-رحمه الله تعالى-قضايا المسلمين الكبرى.
فنسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا، ألا يحرمه ثواب ما قدّم للإسلام والمسلمين بمنّه وكرمه، إنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، اللهم إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دُعِيت به أجبت، وإذا سُئلت به أعطيت؛ أن تحسن عزاء الجميع، وأن تخلف عليهم الخَلَف المبارك، وأن تجبرَ المصابَ، وتغفرَ للفقيدِ، والحمد لله على قضائه وقدره، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكلّ شيء عنده بأجل مسمّى.
الخطبة الثانية
أيها الأعزاء: وفي خِضَمّ المآسي والآلام تبرز فُلُول الآمال، وفي طَيّات المِحَنِ تبدو المِنَحُ، ومن مَخَاض الأتْرَاح تتوالد الأفراح، يقال ذلك تحدّثًا بنعم الله، وتذكيرًا بآلائه، فمع لَوْعَة الفراق تمّ الوفاق والاتفاق، ومع أسى الوداع تم الاعتصام والاجتماع، في مظهرٍ فريدٍ، ونسيجٍ متميّزٍ، ومنظومةٍ متألّقةٍ، من اجتماعِ الكلمةِ، وَوَحْدَةِ الصفِ، والتفافِ الأمّةِ حولَ قيادتِها، مُبادَرةً للبيعةِ الشرعيةِ على الكتابِ والسنةِ، بسلاسةٍ وانسيابيّةٍ ويُسرٍ وتلقائيّةٍ، قَلَّ أن يشهد لها التأريخ المعاصر مثيلا، وهذا بحمد الله ومَنّه يُعدّ من عاجل البشرى، وصالح العُقْبَى، في عصرٍ اتّسم بالتموّجات والاضطرابات، مما شفى صدورَ المؤمنين، وخيّب ظنونَ المُرْجِفين، الذين يُساوِمون على استقرارِ هذه البلادِ المباركةِ، ويراهنون على أمنها وثباتها ورسوخها، مما يؤكدُ مكانتَها، ويبرزُ ريادتَها، إسلاميًّا وعالميًّا ودوليًّا، وإنها لا تزداد مع أحلك الظروف ومع أشد الأزمات إلا ودًا وتماسكًا وتلاحمًا، فلله الحمد والمنة، وبهذه المناسبةِ فإننا نجدّدُ ونؤكّدُ البيعةَ الشرعيةَ لولاةِ أمرِنا وفّقهم الله-تعالى-، على كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِه، وعلى السمع والطاعة بالمعروف في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكْرَه، امتثالا لأمر الله-عزّ وجلّ-، واستنانًا بسنة رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم-، يقول-عليه وآله الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام مسلم-رحمه الله تعالى-في صحيحه: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةٍ جاهلية"، وفي حديث عبادة-رضي الله عنه-: "بايعْنا رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-على السمع والطاعة في عُسْرِنا ويُسْرِنا، ومَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وأَثَرَة علينا، وأن لا نُنازع الأمرَ أهلَه"، فالبيعةُ قرّرتْها الشريعةُ، وأوجبتْها نصوصُ الكتابِ والسنةِ، فهي أصلٌ من أصول الدين، ومَعْلَمٌ من معالمِ المِلّة ومنهجِ السنةِ، يجب التزامُها والوفاءُ بها؛ لأنها أصلٌ عَقَدِّيٌ، وواجبٌ شرعيٌ، يقول الإمام النووي-رحمه الله تعالى-: "وتنعقد الإمامة بالبيعة"، ويقول العلامةُ الكرْماني-رحمه الله تعالى-: "المبايعةُ على الإسلامِ عبارةٌ عن المعاقدةِ والمعاهدةِ عليهِ"، ألا وإنّ مما يسرُ نفوسَ المسلمين الكلماتُ الطيبةُ لولاةِ أمرِنا وفّقهم الله-تعالى-، وتأكيدُهم على لزومِ العقيدة، وتحكيمِ الشريعة، وإحقاقِ الحقّ، وإرساءِ العَدْل، واتخاذِ القرآنِ دستورًا، والإسلامِ منهجًا، مما يسدُ الطريقَ أمام المصطادين في المياه العَكِرَة، في إبعادِ هذه البلاد المباركة عن ثوابتها الشرعية، وزحزحتِها عن أصولها ومبادئها الإسلامية.
أعانهم الله، ووفّقهم لما فيه عزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمين، وجعلهم خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
[/align]
المرفقات

وفاة الملك عبدالله-رحمه الله-3-4-1436هـ-محسن الشامي-الملتقى-بتصرف.doc

وفاة الملك عبدالله-رحمه الله-3-4-1436هـ-محسن الشامي-الملتقى-بتصرف.doc

المشاهدات 2184 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا