وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام

صالح العويد
1434/03/19 - 2013/01/31 19:30PM

هذه خطبة جمعتهاورتبتهاأسأل الله أن ينفع بهاكاتبهاوناقلهاوقارئها

الحمد لله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه، حكم سبحانه بالموت على جميع الأنام، فكل ذي روح لا بد وأن يذوق طعم السام، وإن طال بها المقام. أحمده سبحانه فقد قال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالبقاء والكمال دون نقصان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث للثقلين من إنس وجان وعلى آله وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان
أمّا بعد: فخيرُ ما يُستَفتَحُ به الكلام الوصيةُ بتقوَى الله علَى الدَّوام وطاعةِ الملك العلاّم ولزوم سنة سيِّد الأنام، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون
أيُّها المؤمنون، وبعدَ أن أكمل الله الدين وأتمَّ على البشرية النعمة، وبلَّغ المصطفى الأمانة وأدَّى الرسالة، وهدى البشريّة من الضلالة وعلَّمها من الجهالة فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، وامتلأت به الدنيا نورًا وابتهاجًا، ودخل الناس في دين الله أفواجًا. فلما أكمل الله به الدين وأتم به النعمة على عباده المؤمنين استأثر به جل وعلا، ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأسنى فأنزل الحقُّ عليه سورةَ النصر؛ ناعيًا إيّاه في أوّل مقدِّمات الوفاة، فكلُّ أمر اكتمل واستتمّ فالتسبيحُ والاستغفار عقِبَه خيرُ مُختَتَم، وقد أومَأ لأصحابِه بدُنُوِّ أجلِه، وعرَّض باقترابِ فِراقه،فعندماأرادأن يودّع معاذًا لما بعثه إلى اليمن ومعاذ على راحلته وهو يمشي يقود الناقة، وأوصاه بما يفعله في الدعوة، ثم قال: ((يا معاذ لعلك لا تلقاني بعد عامي هذا، يا معاذ لعلك تمر على قبري ومسجدي))، فبكى معاذرضي الله عنه وفي حجَّة الوداع خَطَبَ عليه الصلاة والسلام الناس وودَّعهم، قائلاً فيما خرَّجه مسلمٌ في صحيحه: ((فلعلِّي لا ألقاكم بعد عامي هذا)). وفي خطبة عرفة كان يقول بعد كل مقطع من خطبته: ((ألا هل بلغت؟)) فيقول أصحابه: نعم، فيقول: ((اللهم فاشهد))، حتى قال: ((أيها الناس، إنكم ستسألون عني، فماذا أنتم قائلون؟)) فقالوا: نشهد أنك بلّغت الرسالة وأديت الأمانة ووفيت وأديت الذي عليك كله، ثم رفع سبابته إلى السماء ثم نكتها إلى الأرض ثم قال: ((اللهم فاشهد)).
وبعد أن عاد عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وفي أواخرشهرصفرسنة إحدى عشرة من الهجرة بُدئ المرض برسول الله ، وكانت مدة مرضه ثلاثة عشر يوما أو قريبا من ذلك وأول معالم مرضه كان صداعا في رأسه، قالت عائشة: رجع إلي رسول الله ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي، وأنا أقول: وا رأساه، قال: ((بل أنا ـ يا عائشة ـ وا رأساه،)) ثم قال: ((وما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك))، قلت: لكأني بك ـ والله ـ لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك، قالت: فتبسم رسول الله ، ثم بدئ بوجعه الذي مات فيه. رواه الإمام أحمد. ثم اشتد عليه المرض في بيت زوجته ميمونة، فاستأذَنَ زوجاتِه أن يُمرَّضَ في بيت عائشةَ رضي الله عنها، فخرج من بيتِ ميمونة يتوكَّأ بين الفضلِ بن عباس وعليٍّ رضي الله عنهم أجمعين، لا يستطيع مسيرًا. معصوب الرأس تخط رجلاه في الأرض،وثقُلَت وطأةُ الداءِ بالجسَد الطاهرِ الكريمِ في بيت عائشة، فقال: ((أهريقوا علي سبع قرب لم تحلل أوكيتهن؛ لعلي أعهد إلى الناس) ففعلن رضي الله عنهن، ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم، وكان ذلك يوم الأربعاء قبل خمسة أيام من وفاته، فبعدأن حمدالله وأثنى عليه قال يا أيها الناس إني قد دنا مني أجلي فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه، ألا ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه، لا يقولن رجل إني أخشى الشحناء من قبل رسول الله - ألا وإن الشحناء ليست من طبيعتي ولا من شأني، ألا وإن أحبكم إلي من أخذ حق إن كان له، أو حللني فلقيت الله وأنا طيب النفس ألا وإني لا أرى ذلك مغنيا عني حتى أقوم فيكم مرارا)) رواه الطبراني
وعن أبي سعيد الخدري - قال: خرج رسول الله في مرضه الذي مات فيه وهو معصوب الرأس، فقام على المنبر فقال: ((إن عبدًا خيرّه الله أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عند الله))، فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر - وبكى ، فعجب الصحابة لبكائه فقال: بأبي وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا يا رسول الله. ، قال الراوي: فكان المخيَّر رسول الله، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله: ((لا تبك يا أبا بكر، إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر) ثم هبط رسول الله من على المنبر، فما رئي عليه حتى الساعة وكان مما قاله في خطبته تلك: ((أوصيكم بالأنصار، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) ثم عاد النبي إلى بيته بعد خطبته تلك.
وفي يوم الخميس اشتد برسول الله وجعه فقال: ((ائتوني أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده أبدًا) فاختلفوا عنده في المجيء بالكتاب، فقال: ((دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه، ومع شدة مرضه كان يخرج يصلي بالناس، حتى كان ذلك اليوم فصلى بهم المغرب، وعند العشاء زاد عليه الوجع فلم يستطع الخروج إلى المسجد،ففي الصحيحين من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها قالت: قالَ عليه الصلاة والسلام: ((أصَلَّى الناس؟)) قلنا: هم ينتظرونك يا رسولَ الله، فقال: ((ضَعوا لي ماءً في المِخضَب))، ففعلوا فاغتَسل، ثم ذهب لينوء ـ أي: ليقومَ ـ فأُغمِيَ عليه، ثم أفاقَ فقال: ((أصَلَّى الناس؟)) كرَّر ذلك ثلاثًا، لكنّه لم يقوَ بأبي هو وأمّي ، فقال: ((مُروا أبا بكرٍ فليُصلِّ بالناس) فأرسل إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، فصلى بهم أبو بكر ما بقي من الصلوات في حياة النبي ، وفي أثناء تلك الأيام العصيبة وجد من نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض ـ وهما العباس وعلي ـ قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه فذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله: قم مكانك، فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان رسول الله يصلي بالناس جالسا، وأبو بكر قائما، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي ، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر وفي ذلك اليوم أعتق غِلمانَه، وتصدّق بسبعة دنانير عنده، ووهب المسلمين أسلحته ثم جاء يوم الاثنين، وما أدراك ما يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول آخرُ يومٍ في حياة الحبيب المصطفى ، ذلك اليوم المشهود الذي كان له شأنٌ آخر ليس كشأن أيام مرضه الأخرى، لقد كان يومًا أولُه فرحٌ واستبشارٌ وابتهاجٌ، وآخرُه حُزن وغمّ وحيرة.
فعن آخرِ النظرَات لسيِّد البريّات التي تُجهِشُ باللَّوعات والزَّفرات يصِفُ لنا أنسُ بن مالك رضي الله عنه مَشهدًا مهيبًا. لله، ما كانَ أنداه وأبهاه وأروَعه! ولله، ما كان أزكاه [وأسناه] وأبدعه! يقول رضي الله عنه: حتى إذا كان يومُ الاثنين وهم صفوفٌ ـ أي: الصحابة الكرام ـ في الصلاة كشف النبي سِتر الحُجرة ينظر إلينا وهو قائمٌ، كأنَّ وجهَه ورَقة مصحَف ، ثم تبسَّم يضحَك، فهَمَمنا أن نفتتنَ من الفرح برؤية النبي ، فتأخَّر أبو بكر رضي الله عنه ليصِلَ الصفَّ، فأشار إلينا النبيُّ أن أتِمُّوا صَلاتكم، وأرخَى السِّتر، وما شعر الناس أن تلك النظرة الحانية الضاحكة الباسمة كانت هي آخرَ نظرةٍ ينظرها رسول الله إليهم، وآخرَ مشهدٍ يرونه فيه.لقد انصرف الناس وهم يرون أن النبي قد برئ من مرضه، ولكنها كانت آخر صلاةٍ يشهدُها رسول الله بنظره، فلم يأتِ عليه وقتُ صلاةٍ أخرى حتى قضى نحبه وفاضت روحه الطاهرة.
ولما ارتفع الضحى اشتد الوجع برسول الله فدعا بفاطمة رضي الله عنهاومع اشتدادِ الألمِ بالمصطفى عليه الصلاة والسلام كانت زهرةُ حياته فاطمةُ رضي الله عنها تَلتاع فتقول: وا كَربَ أبتَاه! فيقولُ: ((ليس على أبيكِ كَربٌ بعد اليوم)) خرَّجه البخاريّ في صحيحه ، وسارّها بشيء فبكتْ، ثم سارّها بشيء فضحكت، تقول عائشة: فسألناها بعد موته عن ذلك، فقالت: سارّني النبي أنه يُقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيتُ، ثم سارّني وأخبرني أني أولُ أهله يتبعه فضحكتُ وطفق الوجع يشتد ويزيد،تقول عائشة: ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله ، فلا أكره شدةَ الموت لأحدٍ أبدًا بعد رسول الله. وكلمااشتد برسول الله طفق يطرحُ خميصةً له على وجهه، فإذا اغتمَّ كشفها، فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))؛ يحذِّرُ ما صنعوا. وكان يكثر في تلك الساعة العصيبة من قوله: ((الصلاة الصلاةَ وما ملكتْ أيمانكم))، حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانُه.
إخوة الإيمان، وفي هذه اللحظات حُمَّ القضاء، وأُبرِم في الأرضِ ما قدَّره الله في السّماء، واشتدَّت بحبيبِنا حُمَّاه، واستباح الموتُ حِماه، فحين اشتد الضحى من ذلك اليوم، أسندته عائشة إليها، وكانت تقول: إن من نعم الله علي أن رسول الله توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت؛ دخل أخي عبدُ الرحمن على النبي وبيده سواك وأنا مُسندةٌ رسول الله، فرأيته ينظر إلى السواك فعرفت أنه يحب السواك، فقلتُ: آخذه لك؟ فأشار برأسه أنْ نعم، فتناولته وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فمضغته حتى ليّنتُه ثم أعطيته إياه، فاستنّ به كأشد ما رأيته يستنُّ بسواكٍ قط.وكانت بين يدَيه رَكوَة، فجَعَل يُدخِلُ يدَيه في الماء، فيمسح بها وجهَه، ويقول: ((لا إلهَ إلا الله، إنَّ للموت لسكَرات))، وما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو إصبعه وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه ، فأصْغتْ إليه عائشة فإذا هو يقول: ((مع الذين أنعمتَ عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى))، في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى ، ثم مالت يدُه وفاضتْ روحُه الطاهرة . وسَرى خبرُ الفاجعة بينَ الجموع، وانحدَرت العَبرات والدّموع وأظلمت على أهل المدينة أرجاؤها وآفاقها، وقد انطفأ ضياؤها وخبأ سراجها وكان موته قاصمة الظهر ومصيبة العمر، فاشتدت الرزية بموته وعظم الخطب وجل الأمر وأصيب المسلمون بنبيهم، فمنهم من دهش فخولط، ومنهم من أقعد فلم يطق القيام، ومنهم من اعتقل لسانه فلم يطق الكلام، وقام عمر في الناس وأنكر موته، وماج الناس واضطربوا، وكان أبو بكر في أطراف المدينة فلما بلغه الخبر أقبل إلى المسجد فدخل وعمر يكلم الناس، فلم يلتفت إليه حتى دخل على رسول الله في بيت عائشة، فوجده مسجى بثوبٍ حَبِرة، فقبَّلَه وبَكى، وقال: بأبي أنتَ وأمّي، طِبتَ حيًّا وميتًا ، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدًا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها. فإنا لله وإنا إليه راجعون ويخرج الصديق ليعلن هذه الحقيقة الكبرى، ليعلن أنه لا بقاء إلا لله الحي الذي لا يموت. خرج الصديق وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس فأبى، فقال: اجلس فأبى، فتشهد أبو بكر، فمال إليه الناس، وتركوا عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أما بعد: فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144]، فنشج الناس يبكون، قالت عائشة: والله، لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزلها حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس، فما يسمع بشرٌ إلا يتلوها. رواه البخاري. حتى قال عمر: والله، ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها علمت أن النبي قد مات. رواه البخاري وقالت فاطمة رضي الله عنها قولاً هَطَل مِن سُحُب الحزن الآلمة، ولكن في صبرٍ واحتساب: (يا أبتاه، أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه، إلى جبريل ننعاه، يا أبتاه، جنّة الفردوس مأواه وفي يوم الثلاثاء غسلوا رسول الله من غير أن يجردوه من ثيابه، وغسله العباس وعليّ والفضل وقُثَم ابنا العباس وشُقْران مولى رسول الله وأسامة بن زيد، ثم كفنوه وهو سيد ولد آدم وخير خلق الله، ومع ذلك كفِّن كما يكفِّن الموتى ودُفِن حيثُ قُبِض ودخل الناس الحجرة أرسالاً، عشرة عشرة، يصلون على رسول الله ولا يؤمهم أحد، الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان ثم وضعوه في قبره وحثوا التراب على ذلك القبر الشريف الطاهر ولما دفن قالت فاطمة رضي الله عنها: يا أنس، أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب؟! أخرجه البخاري.
أيها المؤمنون، هذا نبأ وفاة نبيكم وفيه من العبر والعظات الشيء الكثير، من أبرزها ما قاله الغزالي رحمه الله: "فما بالنا لا نتعظ بمصرع محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وحبيب رب العالمين؟! لعلنا نظن أننا مخلدون، أو نتوهم أنا مع سوء أفعالنا عند الله مكرمون، هيهات هيهات". فأعدوا ـ عباد الله ـ عدة الرحيل قبل فوات الأوان، فإن الآجال تنزل بلا استئذان، وتحل بلا إعلان، فأكثروا ـ عباد الله ـ من ذكر هادم اللذات، فليس بعد موت نبينا محمد خالد، ولا في البقاء مطمع، بل الأمر كما قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ.
ومن الفوائد الظاهرة في هذا النبأ شدة حرص النبي على أمته حتى وهو في آخر لحظات حياته، يوصي وينصح، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فما أصدق ما قاله الله تعالى فيه: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ.
ومن فوائده شدة اعتناء النبي بأمر التوحيد، وذلك يتضح من أن النبي افتتح دعوته بالدعوة إلى عبادة الله وحده سبحانه، واختتم حياته بالتحذير من الشرك وتعظيم غير الله، فإن من آخر وصاياه قوله: ((لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
ومن فوائد هذا النبأ عظم شأن الصلاة وخطرها، فإن النبي كررالأمر بها وحث على الاهتمام بها وهو يعاني سكرات الموت، فالله الله بالصلاة يا عباد الله؛ فإنها عمود الإسلام ولا إسلام لمن لا صلاة له.
عبادالله تُوفِّي سيِّد الأنام عليه الصلاة والسلام ، عن ثلاثة وستين عامًا، قضاها في الدعوةِ والبلاغ والهداية والإصلاحِ، نشهدالله بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهدفي الله حق جهاده اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولا عن رسالته، أقول ماتسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولكافّة المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيم
المشاهدات 1864 | التعليقات 1

الحمد لله، امتنَّ علينا ببعثةِ خيرِ البشَر، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له شهادةَ من خضع لله وائتمَر، وأشهد أن نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله إمام المرسلين والشافع المُشفَّع في المحشَر، صلى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه وصحبِه السّادات الخِيَر، ومن تبعهم بإحسانٍ وبعد فاتقوا الله تعالى عبادالله وأطيعوه، واقتَدوا بنبيِّكم ولا تَعصوه؛ تُفلِحوا وتَسعدوا، وتفوزُوا.
عبادالله اجتمع في هذا الشهر ـ أعني شهر ربيع الأول ـ أحداث ثلاثة هي مولده وهجرته ووفاته ،ولا ريب أن كلا منها كان حدثا مهما في حياة الثقلين أجمعين ولكن الحدث الأهم في سيرة النبي هو وفاته عليه الصلاة والسلام؛ لأن وفاته ليست كوفاة سائر الناس ولا كسائر الأنبياء، إذ بموته انقطعت النبوات، وانقطع خبر السماء ووحي الله عن الأرض.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: ((إذا أصاب أحدكم مصيبةٌ فليذكر مصيبته بي؛ فإنها من أعظم المصائب)) رواه الدارمي وصححه الألباني
وفي الختام أعلن لكم نبأعظيماوخبراجسيمايتعلق بوفاة نبيناصلى الله عليه وسلم وهوأنه عليه الصلاة والسلام مات مقتولانعم مقتولاقتله وسمه الأمة المغضوب عليها (اليهود) أهل الكذب والبهت والغدر والمكر والحيل قتلة الأنبياء وأكلة السحت، فإن النبي لما فتح خيبر واطمأن بها أهدت له زينب بنت الحارث شاة مصلية، وقد سألتْ: أي عضوٍ أحبُّ إلى محمد؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيه من السم، ثم سمَّتْ سائر الشاة، ثم جاءت بها، فتناول النبي الذراعَ فلاكَ منها مُضغة، فلم يُسغها ولفظها، ثم قال: ((ارفعوا أيديَكم؛ فإن هذا العظم ليُخبِرُني أنه مسموم))، ثم مات بالسُّم بِشرُ بنُ البراء، فدعا بها فاعترفت، فقال: ((ما حملكِ على ما صنعتِ؟)) فقالت: قلتُ إن كنتَ ملكًا استرحنا منك، وإن كنتَ نبيًا فستُخبرُ، ثم أمر بها فقُتلتْ ببشر بن البراء. ثم قال في مرض موته: ((ما زلتُ أجدُ من الأكلة التي أكلتُ بخيبر، فهذا أوانُ انقطاع أَبْهَري من ذلك السُّم)). ثم ما زال النبي يجدُ ألمَ تلك الأكلة المسمومة يعاوده كل حين فكان موته غدرةً من غدرات يهودَ قتلةِ الأنبياء والرسل، وهي غدرةٌ سبقتها غدراتٌ.
هذا، واعملوا ـ وفقني الله وإياكم ـ أنّ من دلائل الحبِّ والاقتداء دوامَ الصلاة والسلام على إمام الحنفاء، فمن داوم على الصلاة والسلام عليه كشَف الله عنه همومًا لا تُحصَى، ونفَّس عنه كروبًا لا تُستقصَى. وقد قال المولى عز وجل قولاً كريمًا، تشريفًا لنبيِّنا وتكريمًا، وإرشادًا للعباد وتعليمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللّهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبنا وقدوتِنا وسيِّدنا محمّد بن عبد الله الهاشميّ القرشيّ، من شرَّفتَه على سائر الأنام، ورَفعتَه إلى أشرفِ محلٍّ ومقام، وجعلتَه دليلاً لنا إلى دارِ السلام، اللّهمّ فكما أمرتَنا بالصلاة والسلام عليه فاسلُكنا في زُمرته، واجعَلنا ممن اهتدى بسنّته، وفاز بمحجَّته، وسعِد بمحبَّته، وائتمَّ بشِرعته.اللهم أكرِمنا بشفاعته، وأورِدنا حوضَه، واسقِنا بيدِه الشريفة شربةً لا نظمأُ بعدَها أبدًا، واجزِه عنّا خيرَ ما جزيتَ نبيًّا عن قومِه. اللّهمّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء، ذوي القدر العليّ والشرف الجليّ: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليّ، ومن سار على نهجهم واقتفى، يا خيرَ من تجاوز وعفا.