وَفَاةٌ أَمْ مَولِدٌ ؟ 14/3/1445هـ

خالد محمد القرعاوي
1445/03/11 - 2023/09/26 14:12PM
وَفَاةٌ أَمْ مَولِدٌ ؟ 14/3/1445ه
الحمدُ للهِ, أَشْهَدُ ألَّا الهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ, وَأَشهَدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صَلَواتُ رَبِّي وسلامُهُ عَليهِ وَعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ. أمَّا بعدُ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
مَعَاشِرَ الْمُؤمِنينَ: الحَدِيثُ عن رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَأسِرُ القُلُوبَ, ويُجْرِيَ الْمَدَامِعَ! وَيُقَوِّيَ العزائمَ! فَمَولِدُه نُورٌ, وَهِجْرَتُهُ عِزٌّ لِلإسلامِ, وَفي وَفَاتِهِ اكْتِمَالٌ لِبَدْرِ الإسلامِ وَعَزَاءٌ لِلأَنَامِ! أَلا تَعْلَمُونَ: أنَّ تلكَ الأَحدَاثِ كُلِّها حَدَثَتْ في مثلِ شهرِكُمْ هذا؟ وَقَرِيبًا مِنْ يَومِكُمْ هَذا؟
أيُّها الْمُحبِّونَ للهِ ولِرَسُولِهِ كَثِيرٌ مِنْ الرِّوَايَاتِ تَقُولُ: أنَّهُ  وُلِدَ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ, قِيلَ فِي اليَومِ الثَّانِيَ وَقِيلَ في الثَّامِنِ وَقِيلَ في الثَّانِيَ عَشَرَ! وَحَقِيقَةُ الأمْرِ لَمْ يَثْبُتْ لِمًولِدِهْ تَأْرِيخٌ مُعَيَّنٌ لأنَّ الصَّحَابَةَ الكِرَامَ لَمْ يَحْتَفِلُوا وَيَهْتَمُّوا بِتَأرِيخِ مَولِدِهْ, بَل اهتَمُّوا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ! نَعَمْ لَقَدْ مَولِدُهُ نُورًا, وَمَبْعَثُهُ فَتحًا وَسُرُورًا, ليسَ لأنَّهُ مِيلادٌ بَشَرِيٌّ، بَل لأنَّهُ مِيلادٌ عَقَدِيٌّ دَعَويٌّ! لأنَّهُ مِيلادُ أُمَّةٍ وَثَنِّيَةٍ كَانَتْ تَعْبُدُ أصْنَاماً وَأَحْجَاراً! فَجَاءَ اللهُ تَعَالى بِرَسُولٍ نَقَّها مِن الشَّرْكِ والضَّلالِ! وَصَدَقَ اللهُ الْقَائِلُ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
فالكونُ أَشرَقَ والفَضَاءُ تَعَطَّرَا والأُفقُ ظَلَّلَهُ السُّرورُ فَهل تَرَى؟
إنَّهُ الْمَحمُودُ عندَ اللهِ ومَلائِكَتِهِ والأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ, وَصَفَ  نَفسَهُ فَقَالَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرٌ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضَ وَلاَ فَخْرٌ، بِيَدِيَ لِوَاءُ الْحَمْدِ، وَآدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلاَ فَخْرٌ». رَوَاهُ ابنُ حبَّانَ. نَبِيٌّ تَقِيٌّ, زَكَّى البَارِي لِسَانَه فلا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, مَعَهُ شَهَادَةٌ كُبْرَى مِنَ العَلِيِّ الأَعْلى:وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ.بَعثَهُ اللهُ لَنَا رَحمَةً وَأَمَانًا فَقَالَ:وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.وَقَالَ عَنْ نَفْسِهِ: «إنَّما أَنَا رَحْمَةٌ مُهدَاةٌ» صَحَّحَهُ الألبَانِيُّ.
عِبَادَ اللهِ: وَالحَقِيقَةُ الثَابِتَةُ التي لا خِلافَ عليهَا أَنَّ وَفَاتَهُ  كَانَتْ في يَومِ الاثْنَينِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنَ السَّنَةِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لِلهِجْرَةِ الْنَّبَوِيِّةِ.
فَحِينَ أَنزَلَ اللهُ عليهِ:(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ). شَمَّرَ بِكُلِّ عَزمٍ وإتمَامٍ, ثَلاثًا وعِشريِنَ عامًا! لاقَى فِيها الْمَتَاعِبَ والْمَشَاقَّ, فَشَاءَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ أنْ يَجمَعَ الْمُسلِمينَ بَينَ يَدَيهِ على صَعِيدِ عَرَفَاتَ, فَأَلْقَى عليهم نَظرَةً أَخِيرَةً بعدَ ما أَنزَلَ اللهُ قولَهُ:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا). حينَها بَكى ابنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه وَأَرضَاهُ وَقَالَ:(واللهِ لَيسَ بَعدَ الكَمَالِ إلَّا النُّقصَانُ). لأَنَّ الْمُصْطَفَى  كَانَ يُرَدِّدُ على الحُجَّاجِ: «لِتَأْخُذُوا عنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ, لِعَلِّي لاَ أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا».
مَعَاشِرَ الْمُؤمنينَ: الحَدِيثُ عن وَفَاةِ نَبِيِّنا صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ عِظَاتٌ وعِبَرٌ، وَشَحْذٌ لِلْهِمَمِ, وتَثْبِيتٌ على الطَّرِيقِ الأَقْوَمِ! ألَمْ تَعْلَمُوا: أنَّهُ بِمُجَرَّدِ نَبَأِ وفاتِهِ خَرَجَ أُنَاسٌ عن الدِّينِ! وَرَفعَ البَاطِلُ رَأسَهُ! وطَمِعَ الشَّيطانُ في القَومِ! فَنَتَعَلَّمُ قَولَ اللهِ حَقًّا:(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ). وَقَولَ نَبِيِّنَا صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».
لَقَدْ وَدَّعَ نَبِيُّنَا صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ الكَعبَةَ الْمُشَرَّفَةَ، وَعَادَ إلى الْمَدِينَةِ النَّبَويَّةِ، لِتَبكي الْمَدِينَةُ لا مِن الفَرَحِ، ولَكنْ حَزَنًا لِمَا حلَّ بِهِ من مَرَضٍ وَتَعَبٍ! فَقَدْ أَخَذَهُ وَجَعٌ فِي رَأْسِه وحَرَارَةٌ اشتَدَّتْ عليهِ! فَثَقُلَ بِه الْمَرَضُ فَانْتَقَلَ إلى بيتِ عائشةَ رَضِي اللهُ عنها فَمَكَثَ عِنْدَها, وفي يَومٍ وَجَدَ نَشَاطًا فَخَرَجَ إلى النَّاسِ فصلَّى بهم وَخَطَبَهُم وَقَالَ: «عَبْدٌ خَيَّرَهُ الله بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ». فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا, فَقَالَ لهُ رَسُولُ الله: لا تَبْكِ يا أَبَا بَكْرٍ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً». وَأَمَرَهُ أنْ يُصلِّيَ بالنَّاس!
ثمَّ اشتَدَّ بِهِ الوجعُ, فَكَانَ كُلَّما أفاقَ قالَ:(هَلْ صَلَّى النَّاسُ؟ هَلْ صَلَّى النَّاسُ؟).وفي فجرِ الاثنينِ من شهرِنَا هذَا والصَّحَابَةُ قَدْ اصطفُّوا خلفَ أبي بكرٍ يُصَلُّونَ إذْ رَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ السِّترَ عن غُرفتِهِ وبَرَزَ للنَّاسِ فَكَادُوا يُفتَنُونَ عن صَلاتِهِم فَتَبَسَّم فَرِحًا وعادَ إلى مَنزلِهِ, وَفي الضُّحى جاءَتُهُ سَكَرَاتُ الْمَوتِ فَكانَ يُدخِلُ يَديهِ في الإناءِ ويُرَدِّدُ: (اللهمَّ أَعنِّي على سَكَرَاتِ الْمَوتِ) ويقَولُ: «لَعْنَةُ الله عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لا يجتمعُ دِينَانِ بِأَرْضِ العَربِ». (لا إلَهَ إلَّا اللهُ إنَّ لِلمَوتِ لَسَكرَاتٌ، بَلِ الرَّفِيقُ الأَعْلَى، مَعَ الذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. الصَّلاةَ الصَّلاةَ وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم) حتى جَعَلَ يُلَجْلِجُها في صَدْرِه وما يَفِيضُ بِهَا لِسَانُه. لَقَد تُوفِّيَ رسولُ الله في بَيتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وفي يَومِها وبينَ سَحْرِها وَنَحْرِهَا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ من سِواكِهِ وَضَعَ يَدَهُ ثمَّ قَالَ في الرَّفِيقِ الأَعْلَى ثُمَّ قَضَى رَسُولُ الله! قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يَا أَبَتَاهُ، أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ! يَا أَبتَاهُ! جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ! يَا أَبَتَاهُ, إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ! وَعَائِشَةُ تَبْكِي وَتَخرُجُ وهيَ تَقُولُ: مَاتَ رَسُولُ اللهِ، مَاتَ خَيرُ خَلقِ اللهِ، فَيُقَابِلُها عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, وَيَقُولُ: واللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ، ولا يَمُوتُ حتى يَقطَعَ أَيديَ الْمُنَافِقِينَ وَأَرجُلَهُم!
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ أَظْلَمَتِ الْمَدِينَةُ على أهلِها, وَانْدَهَشَ النَّاسُ مِنْ هَولِ الخَبَرَ !حتى جاءَ أبو بكرٍ فَدَخَلَ على رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُسَجًّى فَكَشَفَ عن وجْهِهِ وأَكَبَّ يُقَبِّلُهُ ويَبْكِي ويقولُ: بِأَبي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ, إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ طِبْتَ حيًّا و ميِّتًا فَصَعَدَ الْمِنبرَ, فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عليه وقَالَ: مَنْ كَانَ يَعبُدُ مُحمَّدًا فَإنَّ مُحمَّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعبُدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حيٌّ لا يَمُوتُ ثُمَّ قَرَأَ:(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ). فَبَدَأَ النَّاسُ يُرَدِّدُونَ الآيةَ وكأنَّهم لمْ يَقْرَؤُهَا مِنْ قَبلُ!
ورَاحُوا بِحُزنٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيهُم وَقَد وَهَنَت منهم ظُهُورٌ وَأَعضُدُ
وَهَلْ عَدَلَتْ يَومًا رَزِيَّةُ هَالِكٍ رَزِيةَ يَومٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمَّدُ
لَقَد غَسَّلُوا رَسُولَ اللهِ وَعَليهِ ثِيَابُهُ, فَصاروا يَصُبُّونَ الْمَاءَ فَوقَ القَمِيصِ وَيَدلِكونَهُ! وَيُصَلِّيَ عليه الرِّجالُ والنِّساءُ والصبيانُ دُونَ أنْ يَؤُمَّهُم أَحَدٌ. فاللَّهمَّ احشُرنا تَحتَ لِوائِهِ، وأَورِدْنَا حَوضَهُ، وأَسقِنَا بِيدِهِ شَربَةً هَنِيئَةً يَارَبَّ العَالَمينَ. أقولُ ما تسمعونَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه من كلِّ ذَنْبٍ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ كَتَبَ الفَنَاءَ على أَهلِ هذه الدَّارِ وجعلَ الآخرةَ هيَ دَارُ القرارِ, أَشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ذو العِزَّةِ والاقتدارِ, وَأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه الْمُصطفى الْمُختَارُ, صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آلهِ وأصحابِه الأخيارِ, ومن سارَ على نهجِهِمُ إلى يَومِ القَرَارِ.
أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ: وَتَأمَّلوا في وَفَاةِ الأَنْبِيَاءِ الكِرَامِ فَهِيَ خَيرُ واعظٍ لَنا وَزَاجِرٍ! لقد تُوفِيَ رَسُولُ الله وغُسِّلَ وكُفِّنَ وَدُفِنَ في مَكَانِه الذي ماتَ فيهِ! لقد تُوفِيَ رَسُولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثٍ وستينَ سَنَةً قَضَاها في الدَّعوةِ والإصلاحِ, والهِدَايَةِ والإرشَادِ!! لقد تَرَكَنَا على مَحَجَّةٍ بَيضَاءَ, لا يَزِيغُ عنها إلاَّ أَهْلُ الضَّلالِ والأهواءِ,
يا مُؤمِنُونَ: ما بَالنا لا نَتَّعِظُ بِموتِ إمامِ الْمُتَّقينَ فَلَعَلَّنَا نَظُنُّ أَنَّنا مُخلَّدونَ! أو أنَّنَا عندَ اللهِ مُكرمُونَ!
يا مُؤمِنُونَ: لَقد كَانَ رَسُولُنَا عليهِ الصَّلاةُ وَالسَلامُ حَرِيصَاً علينا عَقِيدَةً وعِبَادَةً, وسُلُوكاً وَمَنْهَجَاً, فَمَا أصْدَقَهُ وأَنْصَحَهُ! حقَّاً:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). لقَدْ حَرِصَ على جَنَابِ التَّوحيدِ وَوُجُوبِ تَنْقِيَةِ أَرْضِ الجزيرةِ من مَظاهرِ الشِّركِ والضَّلالِ وما ذَاكَ إلا لِخَطَر بَقَاءِ اليَهُودِ والنَّصارى في جزيرةِ العربِ! فما بالُ منْ يَسْتَقْدِمُ الكَفَرَةِ إلى بلادِ الحرَمَينِ بِحُجَجٍ واهِيَةٍ! وأَعذَارٍ مَكرُورَةٍ! سُبْحَانَكَ هذَا بُهْتَنٌ عَظِيمٌ!
مَعَاشِرَ الشَّبابِ: أَلَمْ تُدْرِكُوا حِرْصَ الرَّسولِ الأكْرَمِ على إقامةِ الصَّلاةِ والوصيَّةِ بها؟ يَجودُ بِنَفْسِهِ وأَنْفَاسُهُ تُرَدِّدُ لَكُمْ:(الصَّلاةَ الصَّلاة). فَمَا بَالُ كَثِيرٍ مِن شَبَابِنا وَعُمَّالِنا عن صلاتِهم ساهونَ؟ وفي شَبَابِهم وَعَمَلِهم لا هونَ, ألا يَظُنُّ أولئكَ أنَّهم مَبعُوثُون! ليومِ عَظيمٍ يومَ يَقومُ النَّاس لِرَبِّ العَالَمِينَ!
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: في وفاةِ نبيِّنَا تَسْلِيَةٌ لِكُلِّ مَكْرُوبٍ! فمن أُصيبَ بِمُصِيبةٍ فَلْيَذكُرْ مُصَابَ الأُمَّةِ بِرَسُولِها فإنَّها تَخِفُّ عليه كُلُّ الْمَصَائِبِ.
عبادَ اللهِ: حَقِيقَةُ مَحَبَّتِهِ  تَكُونَ مَحَبَّةً قَلبِيَّةً, ومِن جِهَةٍ طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ, واجتِنَابُ ما نَهَى عنْهُ وَزَجَرَ وَأَلاَّ يُعبدَ اللهَ إلاَّ بِمَا شَرَعَ. كَمَا قَالَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالى:فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.هَذا هُو الحُبُّ الصَّادِقُ, ومعَ الأسَفِ أُنَاسٌ غَالَوا في حُبِّهم فَوَقَعُوا في الشَّركِ, فَادَّعُوا أنَّ رَسُولَ الله  يَعلَمُ الغَيبَ! وَيَكشِفُ الضُّرَ! وَيَجلِبُ النَّفْعَ! وَهَذَا تَكْذِيبٌ لِرَبِّنا القائِلِ:(قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ (. وَإنَّ مِن أَعظَمِ الْمُنكَرَاتِ, مَا بُلِيت بِهِ بِلادٌ إسلامِيَّةٌ, مِن إقَامَةِ الْمَوالِدِ, وإنشادِ الْمَدَائِحِ والقَصَائِدِ, التي وَصِلَت إلى الغُلُوِّ والشَّركِ عِيَاذَا باللهِ تَعَالَى: «فَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». فالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِك على نَبِيِّنَا وقُدْوَتِنَا محمدٍ وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهُمَّ يا رَبَّنا ارزُقنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ واتِّبَاعَهُ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, اللهم احشُرنَا في زُمرتِهِ وارزقنَا شَفَاعتَهُ وأوردْنَا حَوضَهُ واسقِنَا مِنْ يَدِهِ شَرْبَةً لا نَظمَأُ بَعْدَها أَبَدًا. الَّلهُمَّ انصُرْ مَنْ نَصَرَ الدِّينَ واخذُلْ مَنْ خَذَلَ الدِّينَ، الَّلهُمَّ مَنٍ أرادنا وأرادَ دِينَنَا وأَمنَنَا وَأخلاقَنا وبِلادَنا وَنِسَاءَنَا بِسوءٍ فَأشغلهُ في نَفْسِهِ واجعَل كَيدَه فِي نَحرِه. الَّلهُمَّ احفظ حُدُودَنا وجُنُودَنا وبلادَنا والْمُسلمينَ يا رب العالَمِين. الَّلهُمَّ وفق ولاة أمورنا لِما تحب وترضى وأعنهم على البر والتقوى وارزقهم بطانةً صالحةً ناصحةً يا رب العالمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمناتِ والمُسلمين والمُسلماتِ الأحياء منهم والأموات. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). عبادَ الله: اذكروا الله يذكُركم، واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعونَ.
 
 
 
 
 
المشاهدات 847 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا