وعتاب المؤمنين { ألم يأنِ للذين آمنوا ..}
HAMZAH HAMZAH
{ ألم يأنِ للذين آمنوا ..} وعتاب المؤمنين ..! ١٤٤٢/٧/٢٨هـ الحمدُ لله رب العالمين ، وليِّ الصالحين ، وخالقِ الخلق أجمعين ، وقيومِ السموات والأرضين ، نحمده على رحماته، ونشكرهُ على فضلهِ وقرباته ... أشهدُ أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : معاشرَ المسلمين : يُروى في سيرة الفاروق عمر رضي الله عنه، أنه سمع رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور ، فلما بلغ قوله - تعالى -{ إنَّ عذاب ربك لواقع، ما له من دافع } قال عمر : "قسمٌ وربِّ الكعبة حقٌ" ، ثم رجع إلى منزله متاثرا ، فمرض شهرا ، يعوده الناس لا يدرون ما مرضه ..! فانظروا كيف انتفاعُ الصالحين بالقرآن ، وكيف أن مواعظ الكتاب تهزهم هزا، .. وتورثهم الخشية والمهابة ..! فكيف بحالنا نحن، ..؟! وقد انتشرت المواعظ، وبات معنا القرآن في بيوتنا وأجهزتنا ، وفي كل مكان..؟! وما أعظمَ مواعظَ القرآن لمن انتفع بها..! وهنا آيةٌ في القرآن ، وموعظةٌ منبهة ، وموقظةٌ زاجرة ، تهزُّ القلوب ، وتثير ذوي الأبصار ... وتسائلُنا على الدوام... متى نتعظُ... ومتى نعتبرُ... ومتى نتفكر في أحوالنا، ونراجعُ حساباتنا ..؟! { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وما نزل من الحق } سورة الحديد . هل جربتم الخشوعَ مرةً عند الآيات..؟! وعند المواعظ، وعند دروسِ الحياة، وعند أيّام الله، وتجاريب الزمان ..؟! ألا إنما القرآنُ أعظمُ موعظٍ...وأعمقُ آياتٍ لمن كان يُبصرُ حديثٌ وتذكيرٌ وأنسامُ رحمةٍ...فهلا إلى أشواقهِ تتفكرُ؟! وكيف صلتُكم يا مسلمون بالقرآن والمواعظ...؟! وأين منتهاها من قلوبِكم...؟! مواعظُ كثيرة، ومصاحفُ مطبوعة ، ومسموعة ، وخيراتٌ كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة...! كيف وقعها في القلب..؟! يقول صاحبُ السواك الصحابي الجليل عبدالله بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه : " مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبَنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ } ، إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ" . أي ألمْ يَحنِ الوقت ، أن تَرقَّ القلوبُ، وتدركَ عظمةَ هذا الكتاب ، وتسارعَ في طاعة الله، وتجتنبَ ما يضرها ويسوؤها . فقد نزلَ الحق ، وسطَعت براهينُه ، وتجلَّت بيناتُه . أربعُ سنينَ كافيةٌ في الاتعاظ ، ... وأربعُ سنينَ كافيةٌ في الانتفاع ، وأربعُ سنين ولم يتعظَ بعضُكم ...! فما الذي حلَّ بكم..؟! طالَ ليلٌ لكم وطال جفاءُ... مُذْ سَرت اليكمُ الأنباءُ..! ثم يُحذرنا اللهُ ..{ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل ، فطال عليهم الأمد ، فقست قلوبهم، وكثير منهم فاسقون } . طال هجرُهم الكتاب، فاتخذوا كتبا أخرى ، وشرائعَ مختلفة، وعادات سمجة ، وتعلقوا بها حتى قسَت قلوبُهم ، وهم في دنياهم جاثمون ، وعلى شهواتها عاكفون ..! ونهايةُ الغفلة عن القرآن ودروسِه، قسوةُ القلب ، التي هي أشد الأسقام ، وأعظمُ الأمراض . قال مالكُ بن دينار رحمه اللهُ : [ ما ضُرب عبدٌ بعقوبةٍ، أعظمَ من قسوة قلب ]. هل تدري ما معنى القسوةِ القلبية، وما هي مظاهرُها..؟! يكفيك من شرٍّ سماعُه...! فكيف اذا ابتُلي بها بعضُ الناس، فعُرف هجرُه للقرآن ، ونزوعُه للشهوات، ومحبتُه للغفلات ، وضيقتُه من المواعظ ، وكراهية الموت، وتعلقه بالدنيا، وعيشه كما تعيش الأنعام ، لا يعرفُ معروفًا ، ولا ينكر منكرا ...! وتلك هي القسوة المنكرة ، والجفوةُ المغلظة ، عافانا اللهُ وإياكم منها... اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خيرُ من زكاها، أنت وليها ومولاها. أقول قولي هذا وأستغفر الله.... — —— الحمدُ لله وحده ، والصلاةُ والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد: أيها الإخوةُ الفضلاء : ومن مواعظ الحقِ ، الموجبة للتفكر والخشوع ، تعاقب الأيام والشهور، وسرعة تقضيها ، وقلة اعتبارنا من ذلك . فها هي سنةٌ مضت على هذه الجائحة ، والنَاسُ ما بين مصدقٍ ومكذب ، كيف سرت وتلاشت سريعا، والله المستعان . وها نحن في إطلالة شعبان، وهو شهر معظم، كان يصومه صلى الله عليه وسلم، ويحتفي به . ومن أحكامه: استحبابُ صيامه، كما كان يفعل النبي المختار ، ولما سئل قال :{ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ } . فاستكثروا من الصيام فيه اتباعًا للسنة، وتمهيدا لرمضان ، وتباعدًا عن غفلة تعترينا فيه، وتأخذنا الدنيا كل مأخذ ..! وكان بعضُ السلف يسمونه "شهر القراء " ، فيستعدون بمصاحفهم . ومن أحكامه : أنه لم يُخص بشيء من الأعمال سوى الصيام. ومنها: المبادرة بالقضاء ، وأن من عليه قضاء فليبادر إلى ذلك قبل حلول رمضان . ومنها : ولم يصح في ليلة النصف أو الشعبانية حديثٌ يفضِّلُها بالعبادة ، بل غالبُ ما ورد موضوعٌ أو مضعَّفٌ مستنكر ..! وكان السلفُ يسألون الله بلوغَ رمضان، فسلِ اللهَ بلوغَه والعونَ عليه ، ولا يصحُّ حديثُ { اللهم بارك لنا في رجب وشعبان ، وبلغنا رمضان } . وإن كان معناه صحيحًا من حيث سؤال البركة والبلوغ على الدوام . ومنها : كراهةُ الصيام بعد منتصف شعبان، لمن يشق عليه، إلا لمن أطاق ذلك ، أو كان صاحبَ وردٍ معروف،أو قضاء محتوم . تقبل اللهُ من الجميع، وأعاننا على أنفسِنا ، وكفانا شرَّ القسوة والغفلات... اللهم صل على محمد....