وعاشروهن بالمعروف
حسين بن حمزة حسين
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ...والصلاة والسلام على أشرف المرسلين..
قال تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)،
في الأسرة عتاب ومودة ، سخط ورضا، والرجل يرفعه الأدب ويزكيه العقل ، يعفو عن الخطأ ويتجاوز عن الزلل، والمرأة الكريمة تَرْضى بقَسْم الله لها ، فتُرضي ربها ، وتعينُ بعْلها على نفسها وماله وولده ،فتسْكنّ النفوس وتهدأ القلوب هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ، قال الذهبي – رحمه الله تعالى - : " وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه ، فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها واللطف بها والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره ، وإيصالها حقها من النفقة والكسوة والعشرة الجميلة لقول الله تعالى ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ) " ا.هـ الكبائر 1/178، فبمدارات الزوجين الآخر ، ومعرفة قدْر كل منهما الآخر ، مع التسليم بقوامة الرجل تكامل واجتماع ، به تستقيم الحياة وتنقلب المنغّصات إلى سبب للسعادة وتصبح المحن منح بتوفيق الله، المطالبة بزوجة لا رأي لها - صورة من زوجها - إهمالٌ لحقّها وهضمٌ لعقلها، وخصوصا في هذه الأيام وقد بلغ كثير من النساء المناصب الكبيرة في الأدب والعلم والتعليم ، وقوامة الرجل لا تعني سلبَ زوجته فكرَها وإغفالَ رأيها ، فهنّ شقائق الرجال وكم نال خيراً الأزواج حتى أُشْتُهِر خلف كل رجل عظيم امرأة ، وقد كان نساء النبي يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهن ، بل وكم استفاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مشورته لزوجاته، ومن كَرُم أصلُه لان قلبُه ، وحسُنَت عشرتُه، وعَرَف قدر زوجته ، فحُسنُ الخلق مع الزوجة من علامات كمال الإيمان ، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((إنَّ مِن أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلُقا وألطفُهم بأهله)) رواه الترمذي، وقال : ((خيرُكمْ خيرُكمْ لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي)) ، وما دمَّر البيوتَ وسلبَ السعادة شيئا ما سلبَه الاستبداد والعناد ، فيَجْني الجاهلُ على نفسه وأهله ، ويدمّر حياتَه بطوعه واختياره، حين يستبدلُ المحبَة والمودَة والرَحمة والعشرة الحسنة مع رفيقة عمره وشريكة حياته بالعناد والتحدي والاستبداد، العنف نذيرُ شؤْم، وخطرٌ عظيم ، فالخلافات الصغيرة تُصبح بالعناد كبيرة، والخلافات الكبيرة تغدو باللين والصبر صغيرة ، وما رُزِق أهلُ بيتٍ رزقاً ما رزقوا اللين والرفق، ومفهومُه ما رُزق أهلُ بيتٍ شراً من الشدّة والغلظة، المرأة خُلِقَت من ضَلَع أعوج، وبمداراتها والصبر على ما يُكرهُ منها تستقيم الأمور، يقول المصطفى : ((استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً)) متفق عليه. ولا تذكِّر زوجتك بعيوب بدرت منها، ولا تلمزها بتلك الزلات والمعايب، واخْف مشاكلَ الزوجين عن الأبناء، ففي إظهارها تأثير على التربية واحترام الوالدين، والغضب أساس الشحناء، وما بينك وبين زوجتك أسمى أن تدنسه لحظه غضب عارمة، وآثر السكوت على سخط المقال، والعفو عن الزلات أقرب إلى العقل والتقوى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (النساء عورة، فاستروهن بالبيوت، ودَاووا ضعفهن بالسكوت) ، والقيام بأعباء المنزل ومساعدة الزوجة من شيم الأوفياء، قيل لعائشة رضي الله عنها: ماذا كان يعمل رسول الله في بيته؟ قالت: كان بَشراً من البشر، يَفْلي ثوبه ويَحْلب شاته ويخدم نفسه. رواه أحمد.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:( إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الموطؤون أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ) رواه الطبراني وحسنه الألباني
الخطبة الثانية : الحمد لله ...
المرأة الصالحة إن رأت زوجها جنح ذكرته بالله، وإن رأته يكدح للفانية ذكرته بالآخرة الباقية، تعينه على نوائب الدهر، لا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً في غير معصية الله، تطلب رضا ربها برضا زوجها، لا تتتبّع هفواته، ولا تُظهر زلّاته، حافظة له في الغيب والشهادة، إن حضر أكرمته، وإن غاب صانته، لا تثقل على زوجها في النفقة، همُّها طاعةُ ربٍها برضا زوجها، لا تَرفعُ عليه صوتاً، لا تخالف له رأيا بطاعة ، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وليس على المرأة بعد حق الله ورسوله أوجب من حق الزوج"
قال تعالى ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (الرُّوم:21) قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - : " فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين " ا.هـ تفسير ابن كثير 2/ 275