وظيفة الأنبياء -عليهم السلام-.

عاصم بن محمد الغامدي
1437/07/16 - 2016/04/23 05:00AM
[align=justify]وظيفة الأنبياء عليهم السلام.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، اللهم باسمِك نبتدِي وبهديِك نهتدِي، وبك يا مُعين نسترشِدُ ونستعين، نسألُك أن تكحَلَ بنور الحق بصائرَنا، وأن تجعلَ إلى رِضاك مصائِرَنا، نحمدُك على أن سدَّدتَ على جادَّة الدين خُطواتنا، وثبَّتَّ على صِراط الحق أقدامَنا، ونُصلِّي ونُسلِّم على نبيِّك الذي دعا إليك على بصيرةٍ، وتولاَّك فكنتَ وليَّه ونصيرَه، وعلى آله المُتَّبعين لسُنَّته، وأصحابه المُبيِّنين لشريعته.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى -أيها الناس-؛ فالتقوى خيرُ زادٍ وخيرُ لِباسٍ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.
إن الدنيا تفنَى، وإن الآخرةَ تبقَى، فلا تُلهِيَّنَّكم الفانية، ولا تُشغِلنَّكم عن الباقِية.
الدنيا مُنقطِعة، والمصيرُ إلى الله.
عباد الله:
في زماننا أمور ما كانت تخطر لمن قبلنا على بال، شخص في أقصى الغرب، يتحدث صوتًا وصورة مع آخر في أقصى الشرق، والرسالة التي كانت تستغرق للوصول أسابيع وشهورًا، تصل اليوم في غمضة عين بل تترجم إلى العديد من اللغات، وأصبح الواحد منا يحمل العالم في جيبه، ويقدر على التواصل مع من شاء في أي وقت بهاتفه الجوال.
وتخبرنا الإحصاءات أن البشر أقبلوا على الشبكة العنكبوتية، وأن عدد مستخدميها يزيد على الثلاثة مليارات.
يستغلون هذه الوسائل لنشر أفكارهم واهتماماتهم.
هل تعلمون أن عدد المواقع التنصيرية على الشبكة العنكبوتية تزيد عن المواقع الإسلامية بمعدل ألف ومئتين بالمئة؟
وأن المنظمات المسيحية تحتل اثنين وستين بالمئة من مواقع الشبكة؟
أما مواقع المسلمين فلا تزيد عن 9% [نشرة "التبشير على الإنترنت" العدد السادس عشر - يوليو 2000م]
هل تعلمون أن أبرز طريقة للخوارج لغسل أفكار الشباب الأغرار، وأخذهم إلى صفهم هي استغلال وسائل التواصل الحديثة مقروءة ومشاهدة ومسموعة؟
ويبقى السؤال دائرًا، ما هو الجهد الذي بذلناه لحماية أهلينا وأولادنا من خطر هذه الوسائل التي اخترقت كلَّ البيوت وما أبقت لأحد خصوصية؟
عباد الله:
لما اشتد أمر الجاهلية الأولى، وكثر الفساد فيها، بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، ليدعو الناس إلى بارئهم، وقال له: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، فلم يدخر النبي صلى الله عليه وسلم جهدًا، فدعا عشيرته الأقربين، ثم خرج إلى الطائف ماشيًا على قدميه، داعيًا إلى ربه، ثم هاجر إلى المدينة، تاركًا في مكة قلبه وذكرياته، وناظر أهل الباطل من اليهود والنصارى، وأرسل الوفود والسرايا للدعوة إلى الله تعالى، بل ذهب بنفسه وهو الرجل الأول في الدولة الإسلامية، لزيارة غلام يهودي كان خادمًا عنده، ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلام يهودي يخدُم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: "أسلم"، فنظر الغلام إلى أبيه فقال له أبوه: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم الغلام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمدلله الذي أنقذه بي من النار".
وهكذا الداعي إلى الله يدعو الناس على اختلاف طبقاتهم إلى الاستقامة على الدين، وتنفيذ أوامر الله فيما هم فيه:
فيقول للحكام كونوا كنبي الله سليمان عليه السلام، ولا تكونوا كفرعون.
ويقول للوزراء كونوا كيوسف عليه السلام، ولا تكونوا كهامان.
ويقول للتجار كونوا كتجار المهاجرين، ولا تكونوا كقارون وقوم شعيب.
ويقول لأهل الزراعة كونوا كالأنصار ، ولا تكونوا كقوم سبأ.
ويقول للعامة والخاصة: {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
عباد الله:
لو لم يكن في الدعوة إلى الله تعالى سوى أن تشعر بما يشعر به من ينقذ الناس من الحريق لكفى.
فكيف بك وأنت تمتثل أمر الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}.
وكيف بك وأنت أحسن الناس قولاً، فقد قال ربنا جل وعلا: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال إنني من المسلمين}.
وكيف بك وأنت تسير في درب الأنبياء والمرسلين، {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وما أنا من المشركين}.
ويزيدك شرفًا أن الله معك، تكفل بهدايتك ونصرتك {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
أيها المسلمون:
ذكر بعض الأطباء أن رجلاً، لم يكن لديه من العلم شيء كثير، ولكن لسانه لا يتوقف عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم".
وكلما قابل إنسانًا أخبره عن هذا الحديث الشريف، وفي أحد الأيام مرض مرضًا شديدًا، اضطره للمكث في المستشفى عدة أيام، كان يعالجه فيها طبيب نصراني، وفي أحد الأيام يقول هذا الطبيب، كنتُ خارجًا من غرفته، فإذ به يدعوني، ويقول: يا دكتور، "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم"، ثم دخل في غيبوبة توفي بعدها رحمه الله.
أما هذه النصيحة، فقد أنعشت قلب هذا الطبيب، فقرأ عن الإسلام متأثرًا بصدق ذلك الإنسان، حتى هداه الله وأصبح مسلمًا.
أيها المسلمون:
هذا الموقف يؤكد لنا أن الدعوة إلى الله ليست بالأمر الصعب، لكنها تحتاج إلى القلب الصادق، والبذل المستمر.
ومن نعم الله علينا أن يسر لنا الوسائل لتبليغ دينه، ونشر تعاليمه بين الخلق.
فالقدوة الصالحة، والأخلاق الحسنة، والكلمة الطيبة، ونشر المعروف بين الناس، كله من وسائل الدعوة لدين الله.
والمسلمون قسمان:
عالم يبين الحق بنفسه ويدعو الناس إلى اتباعه، كمؤمن آل فرعون، {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ}.
وغير عالم يأمر الناس ويدعوهم إلى اتباع الرسل والعلماء كما قال الله عن صاحب يس: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه، والشكر له على توفيق وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله:
الدعوة إلى الله تبدأ من منازلنا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". [رواه الترمذي وقال: حسن غريب صحيح].
والموفق من سعى إلى الجنة برفقة أهله وأولاده، فلا يخرج إلى الصلاة إلا وهم معه، ولا ينقضي اليوم دون قراءة لكتاب الله، ويحرص على قربهم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويبذل النصح لهم، ويدلهم على ما فيه رشدهم وصلاحهم. حتى لا يكون ممن قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول". [رواه أبو داود وصححه الألباني].
جعلنا الله من الدعاة العاملين، وغفر لنا زللنا وتقصيرنا في يوم الدين.
ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
[/align]
المشاهدات 1034 | التعليقات 0