وصية نبيٍ لابنه

شايع بن محمد الغبيشي
1445/04/05 - 2023/10/20 00:04AM

وصية نبيٍ لابنه

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ([1]) 

إخوة الإيمان تأملوا هذه القصة العظيمة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن نبي الله نوحًا عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله. وسبحان الله وبحمده، فإن بها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق، وأنهاك عن الشرك والكبر». قال: قيل يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا، قال: هو أن يكون لأحدنا حلة يلبسها؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا دابة يركبها؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا، قلت يا رسول الله فما الكبر؟ قال: «سفه الحق وغمط الناس» رواه الإمام أحمد وصححه الألباني

وفي هذه القصة دروس وعبر وهدايات منها:

أولاً : أهمية وصية الآباء لأبنائهم وحرصهم وشفقتهم عليهم فهذا نوح عليه السلام يوصي ابنه عند وفاته وهو الذي عانى من أخيه الذي مات على الكفر وعرض الله لنا صورة مؤثرة من الشفقة والحرص على هدايته: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) [هود: 42، 45]

وهذا إبراهيم وابنه يعقوب كلُ واحد منهم يوصى بنيه بالاستقامة على الإسلام حتى الممات {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}

فما أحوجنا عباد أن نبذل لأباءنا وبناتنا وأهلينا النصح والتوجيه بالكلمة الطيبة والحب والشفقة دون تجريح أو شتم أو تعييب، وإنما نستغل الفرص المناسبة لنهديهم جميل الوصية وأعظم النصح ما صاحبه قلب شفيق رقيق محب، فأسرنا في أمس الحاجة إلى أن نذكرهم بالله وندلهم على الخير، وما أجمل أن يعلم الآباء أبناءهم التوحيد الخالص والعبودية لله وفرائض الدين وخاصة الصلاة، وتعليمهم آداب الإسلام وهديه وسيرة النبي صلى الله عليه وسير الصحابة والصالحين، فذلك أعظم ما نهديه إليهم ونبذله لهم.

ثانياً: عظم مكانة كلمة التوحيد وأهمية الوصية بها فإن مدار نجاة العبد عليها وهي أعظم ما نوصي به تأملوا قول نوح عليه السلام: ( آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة، ووضعت لا إله إلا الله في كفة، رجحت بهن لا إله إلا الله ) ومن عظيم مكانة لا إله إلا الله قول نوح عليه السلام عنها : ( ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله.) فمعنى هذه الكلمة العظيم التي ينجو بها العبد يوم القيامة: لا معبود بحق إلا الله فهو سبحانه المستحق لجميع العبادات وصرفها لغيره شرك وضلال.

يا من يريد النجاة لنفسه ولأهله تعلم وعلمهم معنى لا إله إلا الله وتطبيقاتها في الحياة.

ثالثاً: أن جميع المخلوقات تسبح الله تعالى قال نوح عليه السلام في وصيته لابنه: (وَبسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ) فكل شيء في الكون يسبح الله قال تعالى: ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) قال السعدي رحمه الله: ) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ ) من حيوان ناطق وغير ناطق ومن أشجار ونبات وجامد وحي وميت إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ بلسان الحال ولسان المقال ( وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) أي: تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علام الغيوب "

وا عجباً لنا الكون كله يذكر الله ويسبح بحمده ونحن عن ذكره وتسبيحه سبحانه غافلون، متى تلهج ألسنتنا بالذكر والتسبيح، متى نربي بيوتنا على ملازمة ذكر الله وتسبيحه وتهليله وتكبيره لترق قلوبهم وتخشع وتصلح وتستقيم، اللهم أعنا على ذكر وشكرك وحسن عبادتك.

رابعاً: أن التسبيح سبيل لنيل الرزق من الله قول نبي الله نوح عليه السلام: ( وَبِها يُرْزَقُ الخَلْقُ ): أي : إنّ التّسبيح من مفاتيح الرزق على العباد، فيا من يريد الرزق من ربه ابذل الأسباب والهج بالتسبيح  وأنت تتذدر وصية نبيه الله نوح عليه السلام:" وسبحان الله وبحمده، فإن بها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق" اللهم اجعلنا لك ذاكرين لك شاكرين، لك حامدين، مسبحين يا رب العالمين.

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان حمد عبده ورسوله أما بعد :

عبادة الله ومن دروس القصة السابقة:

خامساً: الحذر من الشرك بالله تعالى، قال نوح عليه السلام: ( وأنهاك عن الشرك  ) فالشرك محبط لأعمال العبد فقد حذر الله نبيه عليه السلام بقوله جل وعلا : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([2])  وقد أمر عيسى عليه السلام قومه بالتوحيد وحذرهم من الشرك: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]

سادساً: التحذير من الكبر فإنه داء كبير بل هو أول ذنب عصي الله به " إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" تأمل قول نبيه نوح عليه السلام :"وأنهاك عن الشرك والكبر"... قلت  يا رسول الله فما الكبر؟ قال: «سفه الحق وغمط الناس» وفي حديث أبي هريرة عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال ذرة من كبر. قالوا: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً أفَيُعَدُّ هذا من الكبر؟ قال: لا. إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس) (بطر الحق): وبطر بالحق: أي كفر بالحق ورده بعدما ظهر له، وغمط الناس أي: احتقارهم واستصغارهم والسخرية منهم فهذا هو الكبر والكبر نقص في عقل صاحبه قال محمد بن الحسين بن علي رحمه الله: "ما دخل قلب امرئ شيء من الكِبْر قط، إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك قَلَّ أو كثر".

وقد توعد الله المتكبرين بعقوبة عظيم فعن عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ» رواه الترمذي وحسنه الألباني

سابعاً: مشروعية التجمل والتزين ولبس أفضل الملابسة وأحسنها من غير بطر ولا فخر تأمل قول النبي صلى الله عليه "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس" وتذكر أنك حين تتجمل أنك تفعل أمراً يحبه الله تعالى منك، وهذا من محاسن هذا الدين العظيم فإن دين الطهر والجمال.

وصلوا وسلموا عباد الله على خير خلق الله صلى الله عليه وسلم فإن من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله بها عليه عشراً.



([1]) ـ [آل عمران : 102].
([2]) ـ [الزمر: 65]

المرفقات

1697749475_وصية نبيٍ لابنه.pdf

1697749484_وصية نبيٍ لابنه.docx

المشاهدات 1037 | التعليقات 0