وصايا مع بدء العام الدراسي
محمد بن عبدالله التميمي
الخطبة الأولى
الحمد لله، أَجْزَلَ على عباده في الإنعام، وأمَرَ بالقراءة مذكِّرًا بأنه ذو الإكرام، فلَهُ الحمدُ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه على الدوام، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له من الأَنَام، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه الكرام، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.. أما بعد:
فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله؛ فإنَّ مَن اتَّقَى اللهَ وَقَاه، وهَدَاهُ إلى أَرْشَدِ أُمُوْرِ دِيْنِهِ ودُنْيَاه، والمتَّقُونَ هُمْ أهلُ السَّعَادَةِ والفَّلَاح، والفوزِ والغنيمةِ والنَّجاح {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} {والعاقبةُ للمتقين}.
عباد الله: غدًا جموعُ الطلاب تَهْرَعُ إلى المدارس، جعلها اللهُ مناراتِ خيرٍ وميادين تَنَافُسْ، وإنَّ القصدَ الذي له أُسِّست، ولأجله أُنشئت، هو: التعليم، ولقد رغَّب الله في العلم ورفع منزلته وحثّ عليه، وفي أولِ ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} والعلمُ بالله وبدينه أعلى العلمِ وأَسْناه، وأفْرَضُه وأَوْلاه، يُقربُ العبد إلى مولاه، فيَرفعُ درجته في دُنياه وأُخراه، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ومَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْعِلِمِ سَهَّل الله لَه بِه طَرِيقًا إلى الجَنَّة -وأَعْظِمْ بذلِكَ غُنْمًا-، ومن فقَّهَهُ اللهُ في الدِّيْنِ فَقَد أَرَادَ بِهِ خَيْرًا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ". رَوَاهُ مُسْلِم. وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّين". مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
عباد الله: ومع تجدد الأعوام الدراسية، يتجدد التذكير بالمسؤولية، وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيته"، إنَّ المسؤوليةَ أمام الله -تبارك وتعالى- عظيمة، فالكُلُّ يُسْأَلُ عمَّا خُوِّلَ وعليه ائْتُمِنْ، وَإِلَيْهِ وُكِلَ مِنْ أَمْرِ المُسْلِمِيْن، فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أنْ يُرَاقِبَ اللهَ -عزَّ وَجَلّ- تَمَامَ الـمُرَاقَبَة، فِيْمَا تَحَمَّلَه مِنْ مَسْؤُوْلِيَّة، مِن مديرٍ ومعلمٍ وطالب، ووليِّ أمرِ الطالب، تأسيسًا للفضيلة، ونماءً للعلم، وزكاءً للخير، ومجتمعًا للفضل والرفعة، طاعةً الله تبارك وتعالى، مع إخلاصِ العمل لله -جلّ في علاه-، فالعلمُ أمرٌ يُحبُّه اللهُ، وأَمَرَ عباده به، ورغّبهم فيه، وفي المدارس تُعلَّمُ أحكام الدين، وتُعلَّمُ أمورٍ دُنْيوية تكون عونًا على طاعةِ ربِّ العالمين، وإعزازِ المسلمين.
والهمةُ العالية تَسُوقُ المرءَ إلى قِمَمِ الفَضائل، وسَنِيِّ المنَابِرْ، وسُموِّ المكَانَةِ، ورَفِيْعِ المنْزِلَة، والحذرَ الحذرَ مِن ضَعْفِ العزيمة والـمَلَل، والتَّوَانِي والكَسَل، فالحجةُ قَائِمَة، والسُّبُلُ مُيَسَّرَة، وولاةُ الأَمْرِ في مَيْدَانِ العِلْمِ مُشَجِّعُون، وله ميسِّرون، فيا أيها الآباء، ويا أيها المعلمون: حبِّبوا إلى الطلابِ القراءةَ، وطلبَ العلمِ، وإنَّ أوَّلَ ما يُعلَّمونَ به بعد الإيمان: كتابَ الله القرآن، فهو كلامُ ربِّ العالمين، يقوى به الإيمان ويحصل اليقين، ويَشْتَدُّ معه البنيان والثباتُ على الدين، يقوِّمُ اللسان ويحلو به البيان والتَّبْيِيْن.
أيها المعلمون ألأفاضل: أبناؤنا طلابكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فاللهَ اللهَ بصلاحِ النية، والنصحِ للرعية، والعزمِ على النفع، وبَذْلِ الوُسْع، والتَّحَبُّبِ للطلاب بحُسْنِ الخُلُق، وتَحْبِيْبِ العلمِ لهم بأَحْسَنِ الطُّرُق، ودفعِ الهمِّ والقَلَق، وبثِّ روحِ المنافسةِ للأفُق، فهذا زمانٌ كَثُرَتْ فيه الفتنُ والشَّهوات، وتَنَوَّعَتْ الشُّرُورُ والـمُغْرِيَات، وتَعَدَّدَت التَّوَافِهُ والـمُلْهِيَات، وهُنَا تَعْظُمُ المسؤوليات.
المعلمُ قدوةٌ في الخير، مُرَبٍّ للنَّشْءِ، ناصحٌ للطلاب، مؤدِّبٌ لهم بالإثابة والعقاب، يتَّسمُ بالخُلقِ الجمّ، والأدبِ الرفيع، والمعاملةِ الحسنة.
وأنتَ أيها الطالب استشعر ميدان العلم والتعليم، وتحَلَّ بالأدب والاحترام، والتوقير والتقدير، وقديمًا قيل: لا يُحصِّل العلم من لا يحترم أساتذته.
ابدأ عامك الدراسي بهمةٍ عالية، وعزيمةٍ صادقة، ورغبةٍ أكيدة، وسعيٍ حثيث، فمن أكثَر الرقادَ لم يُحقِّق المرادَ، ومَنْ كَثُرَ نومُه سبَقَه قومُه، وحُبُّ الراحةِ يُورِث الندمَ، ولا يُبلَغُ الأملُ إلا بالجِدِّ والعملِ، والهدايةُ طريقُها المجاهدةُ؛ {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
صاحبِ الأَخْيَار، رَافِقْ مَنْ يُعِيْنُكَ على العلم والفضيلة، والطاعة والعبادة، ويُسَدِّدُكَ في أعمالِك وأقوالِك، ويَعْضِدُك في طاعة الله -تبارك وتعالى-، وإذا علمتَ عمنْ فيه خَلَّةٌ مشينةٌ أو خَصْلَةٌ ذَمِيْمَة، فَتَجَافَ عنه وابتعد، ولا يَعدَم منك خيرا أنْ تنفعْهُ فتنصحْ لهُ وتَعِظ.
أسأل الله -جلّ وعلا- أن يباركَ في المدارس، ويوفِّقَ المعلِّمَ والدارِس، ويعينَ الآباء والأمهات، ويُصلحَ لهم النيات، أقولُ هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ عظيمِ الإحسان، واسعِ الفضلِ والجودِ والامتنان، أشهدُ أنْ لَا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له الملكُ الديَّان، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه إلى الإِنْسِ والجَان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد:
فيا أيها الوالدان: تربية الأولاد طاعةٌ للرحمن، وأجرٌ وإحسان، وغرسٌ يبقى، وثمرٌ يُجنى، وما عند الله خيرٌ وأبقى، فالمرءُ مأجورٌ في إصلاحِ وَلِدِه وتربيته، وكفالته وتغذيته، وفي بذله في التعليم كلا الأمرين، فالنفقة على الأهل والولد لها أجر ثابت ولو مع الغفلة. وإذا أنفق مع احتسابِ الأجرِ مِنَ اللهِ بِقِيَامِهِ بالواجبِ وابتغاء مرضاة الله فله أجر زائد. ففي الصحيح عَنْ أبِي مَسعُودٍ البَدرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِي ﷺ قال: «إنَّ المُسْلِمَ إذا أنفَقَ عَلى أهْلِهِ نَفَقَةً، وهُوَ يَحْتَسِبُها، كانَت لَهُ صَدَقَةً».
أيها الآباء المشفِقون.. لا تكونوا لِرِعَايَةِ دينِ أَبْنَاءِكُم أضعفُ من رعايتكم لدُنياهم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، كُلَّمَا كانَت صلةُ العبدِ بالله تعالى أقوى، كان توفيقه أعلى، وخيره لنفسه وأهل بيته أحرى.
فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلَكُ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا صَالِحًا، وزِدْنَا عِلْمًا، أَصْلِحْ لَنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الْغَلا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلازِلِ وَالْفِتَنِ، ووفقْ اللهمَّ مليكَنا ووليَ عهدِه للبِرِّ والتَّقوى، ومِنَ العملِ ما تَرضّى، وصَلِّ اللهمَّ عَلَى نبيِّنا مُحَمَّدٍ وآلِ محمدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِ محمدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
المرفقات
1723712088_وصايا مع بدء العام الدراسي 1446.docx
1723712088_وصايا مع بدء العام الدراسي 1446.pdf