وصايا في ختام العشر وفضل يوم عرفة ويوم النحر

عبدالرحمن اللهيبي
1440/12/08 - 2019/08/09 03:27AM

هذه خطبة جُمعت بتصرف نسأل الله أن ينفع بها

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وبفضله وكرمه تزداد الحسنات وتغفر الزلات ، أحمده سبحانه على ما أولى وهدى ، وأشكره على ما وهب وأعطى لا إله إلا هو العلي الأعلى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المصطفى ذو الخلُق الأسمىِ ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي النهى والتقى والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين

أَمَّا بَعدُ ، فَـ" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، رَبُّكُم حَكَمٌ عَدلٌ ، يَجزِي عَلَى الحَسَنَةِ أَضعَافًا مُضَاعَفَةً ، وَيَجزِي على السَّيِّئَةِ مِثلَهَا ، وَلا يُضِيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلاً وَلا يَظلِمُ ربك أَحَدًا ، وَمِن عَدلِهِ أَنَّهُ لا يَستَوِي عِندَهُ مُجتَهِدٌ في الطاعة وآخر عنها فاتر ، ولا يستوي مجانب للمعصية وعنها محاذر وآخر في الإثم سادر بَل يَجزِي كُلاًّ بما عَمِلَ كبيرا كَانَ أو صَغِيرًا "فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ. وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" "

" مَن عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفسِهِ وَمَن أَسَاءَ فَعَلَيهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ "

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ها هو قد مَضَى مِن العَشرِ أكثرها ، ها هي توشك على الرحيل أيامٌ هي من أفضل أيام الدنيا , اجتَهَدَ فِي أولها مَنِ اجتَهَدَ وَقَعَدَ عَنِ الخَيرِ فيها مَن قَعَدَ ، وما فرقوا بين هذه الأيام وسواها , وَلا وَاللهِ لَن يَكُونَ مَن أَقبَلَ فِيهَا كَمَن أَدبَرَ ، فالله عدل لا يسوي بين مَن حَفِظَ الفَرَائِضَ وَحَافَظَ عَلَيهَا كَمَن ضيعها أَو قَصَّرَ ، وَلا مَن تَصَدَّقَ وَأَعطَى ، كَمَن بَخِلَ وَاستَغنى ، وَلا مَن ذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا كَمَن لم يَذكُرْهُ إِلاَّ قَلِيلاً .. لا وَاللهِ لا يَستَوُونَ " أَفَمَن كَانَ مُؤمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لا يَستَوُونَ "

عشر أوائل قد حانت تواليها    ‏والقلب لاهٍ شَرودٌ عن معانيها

‏واحسرتاه إذا ما كلها انصرمت     ‏ولم أُرَوِ قِلالي من سواقيها

‏فالله أكبر ملء الأرض ما وسعت  ‏والله أكبر ما هبت ذواريها

فيَا قَومِ ، أَلا بَاكٍ عَلَى مَا ظَهَرَ مِن عُيُوبِهِ! ومن عظيم خطئه وتفريطه أَلا رَاغِبٌ إِلى اللهِ في غُفرَانِ ذُنُوبِهِ ! ألم يأن لنا أن نعيش حياة نغير فيها حالنا مع الله .. ونودع فِيهَا ذَنُوبًا طَالَمَا اقترفناها ، ونبادر فِيهَا صَالِحَاتٍ طَالَمَا هجرناها ..

 

يا مسلمون تَصَرَّمَت أَيَّامُنا وَتَتَابَعَت في الخيرات مواسمنا وما زلنا عن ربنا غافلون ولمعاصيه مقترفون ، فاحذر يا عبد الله أن تحتقر عملا صالحا مهما قلّ فقد أدخل الله الجنة بغيّاً بسقيا كلب وغفر الله لرجل بغصن نحاه عن الطريق ... فكيف إذا كان هذا العمل الصالح في أيام كهذه ... يَفْضُل فيها اليسير من العمل الجهادَ في سبيل الله ... وإياك أن تستصغر فيها ذنبا وإن قل ، فقد أهبط الله آدم من الجنة بذنب ... وطرد إبليس بمعصية ... وأدخل الله امرأة النار في هرة  ... فكيف إذا كان هذا الذنب في أعظم  المواسم والأيام وفي الشهر الحرام !!!

فيا عبد الله : إِنْ كُنتَ قَد قَصَّرتَ في بِدَايَةِ العشر وَفَرَّطتَ ، أَو أَسَأتَ في أَوَّلِهِا وَتَعَدَّيتَ ، فَأَحسِنِ العَمَلَ فيما بقي منها وَاصدُقِ الطَّلَبَ في حاضرها ، وما بقي منها خير مما مضى فاجعَلْ مِما تبقى من هَذِهِ الأيام القَلِيلَةِ مَطِيَّتَكَ إِلى الجِنَانِ ، وَسَابِقْ في الخيرات وسارع إلى الطاعات ، فَعَسَى أَن تَكُونَ مِمَّن قِيلَ فِيهِم : " وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ "

 

وإنك لا تعلم -يا عبد الله- أيَّ يوم تُظِلُّك فيها الرحمات، وتَطالُك فيه النَّفَحات، فبادر يا عبد الله والحَق بركبِ الأبرار، ولن يمَلَّ مُوفَّقٌ من خيرٍ حتى يكون مُنتهاهُ الجنة. وَالأَعمَالُ بِالخَوَاتِيمِ

فيا لحسن الفائرين الذين ختموا هذه الأيام المباركة بأكمل وجه من صلاة وصيام وقيام وصدقة ونافلة

فلعل الله قد نظر إليك وأنت تتقرب إليه بألوان الطاعات وجليل القربات فغفر لك واجتباك وكتب لك في الجنة أعالي الدرجات  

ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا قدر هذه الأيام فأمضوا وقتهم بالملهيات واشغلوا أنفسهم بحظوظ الدنيا والشهوات ونظر إليهم ربهم في هذه العشر وهم على أسوأ حال .

والله يقول: " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين "

عباد الله ها هو يقبل عليكم غدا يَوْمُ عَرَفَةَ وما أدراك ما يوم عرفة يوم تُغْفَرُ فِيْهِ الزَّلَاْتُ، وَتُكَفَّرُ فِيْهِ الْسَّيِّئَاتُ، وَيَعْتِقُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ شَاْءَ مِنْ عِبَاْدِهِ مِنَ الْنَّارِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ " رَوَاهُ مُسْلِمُ .

واعلموا يا مسلمون أن عتق الرقاب وإجابة الدعاء وغفران الذنوب والأوزار ليس خاص بالحجيج بل هو عام للواقفين بعرفة ولغيرهم من أهل الأمصار في كل مكان

وإنه ليُشَرَّعُ فِيْه لغير الحاج صِيَاْمُه ، فَفِيْ صيام يَوْمِ عَرَفَة الْأَجْرُ الْعَظِيْمُ، قَاْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَمَا سُئِلَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَة:(أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ عباد الله : خيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة؛ فأظهِروا في ذلك اليوم المبارك العظيم التوبةَ والاستغفار، والتذلُّلَ والانكِسار، والندامةَ والافتقار، والحاجةَ والاضطرار , ولو بقيتم عصر يوم عرفة في المسجد حتى غروب الشمس لم يكن هذا كثيرا ففي ذلك اليوم من الفضائل والرحمات والخيرات والبركات ما تستحق لأجلها أن تبذل له الأوقات.

عباد الله: من أحب أن يكون من النار عتيقاً، ومن أسر الذنوب طليقاً؛ فليضرع إلى ربه بالدعاء في يوم عرفة، وليُسبل دموع الحزن والرجاء، وليستغفر ربه من ذنوب طالما ارتكبها، وطالما تساهل بها حتى اجتمعت عليه فكدرت عليه معيشته وحالت بينه وبين ربه. 

فيا من يطمع في العتق من عذاب النار ، والعافية من الذنوب والأوزار لا تحل بينك وبين رحمة ربك بالمعاندة والإصرار ، تالله ما نصحتَ لنفسك بإعراضك وصدودك، أوبقت نفسك بجليل المعاصي والآثام، وأبيت التوبة والإنابة في مثل هذه الأيام , فإذا حُرمْتَ المغفرة قلتَ أنَّى هذا؟ قل هو من عند أنفسكم.

الله إنا نرجو رحمتك ونخشى عذابك فوفقنا للصالحات من الأعمال واختم لنا هذه العشر بخير ختام يا كريم يا منان

أقول قولي هذا ..

 

أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ – تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ ، وَعَظِّمُوا شَعَائِرَهُ وَلا تَنسَوهُ " ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ "

أيها المسلمون: وإن من شعائر ديننا صلاة عيد الأضحى، وإننا سوف نؤديها في هذا الجامع فاحرصوا على أدائها وحاذروا تفويتها ومروا أولادكم وأهليكم بها فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بالخروج لها وإن صلاة عيد الأضحى تقام بعد وقت الإشراق بعشر دقائق في الساعة السادسة وسبع دقائق بإذن الله .

وَإِنَّ يوم النحر هو أفضل الأيام عند الله تعالى ومِنَ الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بذلك الْيَوْمِ : أَنَّهُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مِنَ الْعَشْرِ المفضلة, وَالْعَمَلُ فِي العشر مُضَاعَفٌ وَيَمْتَدُّ هَذَا الْفَضْلُ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ ذلك اليَوْم ,

فالأضحية يا مسلمون من أعظم شعائر الدين فطيبوا بها نفسا وتخيروا أنفسها وتحروا وقتها .. ووقتها من بعد صلاة العيد إلى غروب الشمس من آخر أيام التشريق ومن ذبح أضحيته قبل صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات وعليه إن أراد أن يضحي أن يذبح أخرى بعد الصلاة .

وَكَذَلِكَ من أحكام ذلك اليوم أعني يوم النحر أنه يبدأ فِيهِ بعد صلاة الظهر التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ بأدبار الصلوات وهذا للحاج وأما غير الحاج فيبدأ في التكبير المقيد بعد صلاة الفجر من يوم عرفة, كما يستمر التكبير مطلقا ومقيدا بأدبار الصلوات إلى آخر أيام التشريق !وهي الأَيَّامَ الثَّلاثَةَ التِي بَعْدَ الْعِيدِ, وكلها وَقْتٌ لِذَبْحِ الأَضَاحِي فِي نَهَارِهَا وَلَيْلِهَا ويَحْرُمُ صَوْمُهَا إِلَّا لِلْحاَجِّ الْمُتَمَتِّعَ أَوِ الْقَارِنِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ

أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، ها هي أَيَّامٌ مُضِيَئَةٌ مُبَارَكَةٌ قد أوشكت على التمام، وتوشك أن تطوي بِخَيرَاتِهَا وَبَرَكَاتِهَا , صَامَ فيها مَن صَامَ ، وَتَصَدَّقَ مَن تَصَدَّقَ وَعَجَّ بِالتَّكبِيرِ مَن هلل وكبر ، وَسَبَقَ مَن سَبَقَ ممَّن سَارَعَ وَتَقَدَّمَ ، وَتَأَخَّرَ مَن تَأَخَّرَ ممَّن تَبَاطَأَ وَأَحجَمَ ،

وَهَكَذَا هِيَ مَوَاسِمُ الفَضِل والبركات وَأزمنةُ الخير والرحمات ، تَمُرُّ كَلَمحِ البَصَرِ أَو هِيَ أَعجَلُ  يَتَزَوَّدُ مِنهَا من وُفق فَيَنَالُ بِفَضلِ رَبِّهِ الأَجرَ المُضَاعَفَ وَيَكسِبُ الحَسَنَاتِ الكَثِيرَةَ ، وَيَتَقَاعَسُ مُفَرِّطٌ فَيَحرِمُ نَفسَهُ مَا لَو قَدَّمَهُ لَوَجدَهُ عِندَ رَبِّهِ وَافِيًا .

قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " مَن يَعمَلْ سُوَءًا يُجزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا . وَمَن يَعمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ وَلا يُظلَمُونَ نَقِيرًا "

وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسلِمٌ قَالَ اللهُ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ : " يَا عِبَادِي ، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا ، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ "

المشاهدات 1124 | التعليقات 0