{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} ومن المسارعة عمارة المساجد

د عبدالعزيز التويجري
1444/09/01 - 2023/03/23 16:46PM

الخطبة الاولى : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}  ومن المسارعة عمارة المساجد ونشر المصاحف      2/9/ 1444هـ

الحمدلله الكبيرٍ المتعال ، تعالى في ربوبيتهِ، تعالى في ألوهيته، تعالى في أسمائهِ وصفاته ، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم بإحسان إلى يم الدين وسلم تسليما مزيا أما بعد

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.

     النورُ شاع بكلِ مكـــــــــــانِ  **   والكونُ مصغٍ والنجومُ روانِ

    وعلى الوجوهِ نضارةُ الإيمانِ  **  يا للجمالِ يشعُ في "رمضانِ"

ساق الله إلينا سعادةَ إهلاله، وعرّفنا بركة كماله، ونادانا بعظيم آياته للمسارعةِ والمسابقة لجناته {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} مسارعة ومسابقة ليس فيها وقت للتواني أو التكاسل ، لم تُعدُ هذه الجنانُ لمن ضيع الصلوات واتبع الشهوات أوتكاسل عن الطاعات ، ولم تتزين لمن آذى المسلمين بلفظه وفعله ، أو ظلم العباد بتكبره وتجبره، إنما {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} فضل من الله ونعمة {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}

هذا الفضل العظيم، والفوز المبين، والنعيم المقيم، تتفتح ابوابه في هذا الشهر الكريم «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ، وَنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ».

 يَنالُ هذه الجنةِ العالية من حزم أمره ، وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فلن يدرك البطال منازل الأبطال، ولا تطلب السلعة الغالية بالثمن التافه .. والجنة حفت بالمكاره.

 لولا المشقة ساد الناس كلِهم  **  الجود يفقر والإقدام قتال

منازل الابرار لا تنال إلا بجسر من التعب {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}.

الصبر على الطاعات تنال بها أعلى الجنات، والصبر عن المحرمات تقي لهيب النار.

كل شي يعوض إلا الجنة فإنه لا عوض عنها، وكل شي يستغنى عنه إلا لذة النظر إلى وجه الكريم جلل جلاله، وكل شراب وزينة تفنى إلا الشرب والورد على الحوض.

ألا لا تحرمنّكم مناظر الخزي والعار  عن النظر إلى وجه الجبار جل جلاله .

ألا لا تصدنّكم قنوات ومسرحيات عن ذكر الله وعن الصلاة .

ألا إن أمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ ، أو كما بين المدينة وصنعاء.. مسيرته شهر، وماؤه أبيض من الورق، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه فلا يظمأ بعده أبدا»

ألا لا يحولن بين هذا النعيم وبين وروده أجهزة تورد المرء المهالك ، وشبكات وبرامج ومواقع تحجز من الشرب منه ، وتنازلات عن الدين وانغماس في الملهيات تذود عن الورود في هذا المعين ، ونبيكم قائم على الحوض يقول أَنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ، فَيُؤْخَذُ بِنَاسٍ مِنْ دُونِي، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم» فَأَقُولُ: أُمَّتِي، فَيُقَالُ: لاَ تَدْرِي، مَشَوْا عَلَى القَهْقَرَى لا تدري ما احدثوا بعدك ، فأقول سحقا وبعدا "

قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا، أَوْ نُفْتَنَ» أخرجه البخاري.

لما غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ»{ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} همم عاليه تستنشق ريح الجنة قبل أن تدخلها ..واهِ لريح الجنة إِنِّا لنجِدُ رِيحَهَا مِنْ عتباتِ رمضان.

المتقون يستنشقون ريح الجنة في أنسام الظمأ، ويتسعذبون الرحيق في جو العبادة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} هذه السر التي جعلت ثلةٌ من المؤمنين تستلذُ بطولِ القراءةِ في التراويحِ والقيام ..

 هي التقوى التي أطلقت ألسنة الذاكرين بكثرة التلاوة وتعدد الختمات..

 هي التقوى التي حجزت ألسنة وأسماع وأبصار عن الحرام، وعلقت أفئدةٌ بالملك العلام.

ما صامَ مَنْ لم يَرْعَ حقَّ مجـــــاورٍ        وأُخُوَّةٍ وقرابةٍ وصحابِ

ما صامَ مَنْ أكَلَ اللحومَ بِغيبَةٍ        أو قالَ شراً أو سَعَى لخرابِ

ما صامَ مَنْ أدّى شهادةَ كاذبٍ       وأَخَلَّ بالأَخلاقِ والآدابِ

الصومُ مدرسةُ التعفُّف ِوالتُّقــى        وتقاربِ البُعَداءِ والأغرابِ

الصـــــومُ رابطـــــةُ الإخاءِ قويـــــةً         وحبالُ وُدِّ الأهْلِ والأصحابِ

الصومُ درسٌ في التساوي حافلٌ       بالجودِ والإيثارِ والتَّرحْابِ

شهرُ العزيمــــة والتصبُّرِ والإبــــــا         وصفاءِ روحٍ واحتمالِ صعابِ

كَمْ مِنْ صيامٍ ما جَنَى أصَحابُه        غيرَ الظَّما والجوعِ والأتعابِ

ما كلُّ مَنْ تَرَك الطعامَ بصائمٍ         وكذاك تاركُ شهوةٍ وشرابِ

الصـــومُ أسمـــى غايـــةٍ لم يَـــرْتَقِ          لعُلاهُ مثلُ الرسْلِ والأصحابِ

فحفظوا أسماعكم وأبصاركم وقلوبكم يحفظ الله لكم دينكم ويثبت قلوبكم ، ويجازيكم بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربكم رحيم ودود

 

الخطبة الثانية .. الحمدلله على رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على خير خلقه وعلى أصحابه والتابعين اما بعد .

وإن من المسارعةِ للخيراتِ والمسابقةِ للفضائلِ والمكرمات عمارةُ المساجدِ{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} تعمرُ المساجدُ حسياً بالبناءِ والصيانةِ والرعاية "مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ" أخرجه الترمذي. وفي حديثِ عائشة رضي الله عنها قالت: أَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ببناء المَساجِدِ في الدُّورِ وأن تُنَظَّفَ وتُطَيبَ. أخرجه ابوداود.

وتعمر المساجد بالصلاة والذكر والمرابطة، قال عليه الصلاة والسلام «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» أخرجه مسلم، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» وفي السنن «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ».

 وتوزيع المصاحف ونشر كلام الله سبيلٌ للعزة وسبب للبركة على العباد والبلاد . قال ابن كثيرٍ رحمه الله: "لما كانت خلافةُ عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه امتدَّت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارِق الأرض ومغارِبِها، وكثُرت خيراتها، وذلك ببركة تلاوته ودراسته ونشرهِ وجمع الأمة على حفظ القرآن".. وهي غنيمة في هذا الشهر لمضاعفة الحسنات ورفع الدرجات ، والنيةُ وحسنُ القصدِ وابتغاءُ وجهِ الله ورضوانه ملاكُ الأمرِ وعليه مدارُ قبولِ الأعمال «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحين عبادتك، ورزقنا الإخلاص في القول والعمل، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم..اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ..اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة امورنا .....

المرفقات

1679579315_{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.pdf

1679579360_{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.docx

المشاهدات 1348 | التعليقات 0