عباد الله: يقول ربن – جل وعلا - ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ)). فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة, قلوبهم كالقناديل المعلقة ، حتى ولو كانت أجساده خارج المسجد ، فهم ينتظرون بفارغ الصبر والحب الرجوع والعودة للمسجد.
أيها المؤمنون: المساجد بيوت الله ومكان آداء العبادات المفروضة وميدان العلم والتعلم فالمتعلق بالمسجد بعيد عن رؤية المنكرات وقريب من الله تعالى فيصفو قلبه وتنجلي همومه وأكداره ويعيش في روضة من رياض الجنة وبذلك تكفر سيئاته وتكثر حسناته وقد قال تعالى :( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال *رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار *ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ). [سورة النور ] . والقلب ـ عباد الله ـ يتعلق بما عودته عليه، فإن عودته على الطاعة بإخلاص اعتادها ولم يجد أنسه إلا فيها، وإن عودته المعصية وأدمنت فعلها تعلق بها ، فالصالحون إنما يأنسون بذكر الله سبحانه ، لهذا فإنهم متعلقون بأماكن الطاعة ، لا يجدون راحتهم إلا فيها ، إذا غادروها فسرعان ما يشتاقون إليها ، هؤلاء ممن يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله. فانظر يا عبد الله، هل قلبك معلق بالمسجد أم معلق بغيره من أماكن اللهو واللعب ؟
عباد الله: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ في عِبادة الله تعالى، ورَجُلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمساجد، ورَجُلانِ تَحَابَّا في الله: اجْتَمَعَا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورجلٌ دَعَتْه امرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فقال: إِني أَخاف الله، ورجلٌ تصدَّق بصَدَقَةٍ، فأَخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُه ما تُنْفِقُ يَمِينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خاليًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))؛ متَّفق عليه.
قال المباركفوري في التحفة: لأن المؤمن في المسجد كالسمك في الماء، والمنافق في المسجد كالطير في القفص، فإن القلوب كثيرةُ التقلبات والتحولات، فلِلْقَلبِ من اسِمْه حظٌّ ونصيب، ونستطيع أن نُشَبِّهها بالإناء، فيمكن أن يُغرَف به ماءٌ عذبٌ، ويمكن أن يُغرَف به ماءٌ أُجَاجٌ، وهكذا القلب، يمكن أن يتقبل الخير، ويمكن أن يتقبل الشر، ويمكن أن يتقبل الخير والشر، وهو إلى ما غلب أقرب، ولذلك فقد جاء الثناء والمدح لأصحاب القلوب الخيرة - نسأل الله أن يجعلنا منهم - فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من سبعة الأصناف الذين يمتَنُّ الله عليهم بالإظلال تحت ظل عرشه يومَ لا ظل إلا ظله؛ ((ورجل قلبه معلَّقٌ في المساجد))، قال ابن رجب رحمه الله، في وصف الرجل المعلَّق قلبُه بالمساجد: فهو يحب المسجد ويألفه لعبادة الله فيه، فإذا خرج منه تعلَّق قلبه به حتى يرجع إليه، وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه، وقادها إلى طاعة الله، فانقادت له؛ فإن الهوى إنما يدعو إلى محبة مَواضِع الهوى، واللعب المباح أو المحظور، ومواضع التجارة واكتساب الأموال، فلا يَقْصُر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدَّم عليه محبةَ مولاه، فهو ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، وقد جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لا يُوَطِّنُ الرجلُ المساجدَ للصلاة والذكر إلا تَبَشْبَشَ اللهُ به مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ كما يتبشبش أَهْلُ الغائب بغائبهم إذا قَدِم عَلَيْهِمْ))، وقد روي عن سعيد بن المسيب رحمه الله، قال: "من جلس في المسجد؛ فإنما يُجَالِس ربه عز وجل".
أقول ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
أخرج مسلم عن عبدِالله بن مسعود - رضي الله عنه - أنَّه قال: "مَن سرَّه أن يلقَى الله غدًا مسلمًا، فليحافظْ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادَى بهنَّ، فإنَّ الله شرَع لنبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُننَ الهُدى، وإنهنَّ مِن سُنن الهدى، ولو أنَّكم صليتُم في بيوتكم كما يُصلِّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتُم سُنَّةَ نبيِّكم، ولو تركتُم سُنَّة نبيكم لضللتُم، وما مِن رجل يتطهَّر فيُحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجدٍ مِن هذه المساجد إلا كَتَب الله له بكلِّ خُطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطُّ عنه بها سيِّئة، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلا منافقٌ معلوم النِّفاق، ولقد كان الرجل يُؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصف".
هذا وصلوا رحمكم الله على خير البرية وأزكى البشرية ...
المشاهدات 1132
| التعليقات 0
تسجيل دخول
إذا لم يكن لديك حساب بالفعل قم بالضغط على إنشاء حساب جديد