وداع رمضان وزكاة الفطر - الجمعة: 26-9-1440هـ
أ.د عبدالله الطيار
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وأصحابهِ ومن اقتفى أثرَه واستنَّ بسنتِه إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فاتقوا اللهَ أيُّها المؤمنون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102].
عباد الله: مضى رمضانُ كما تمضي لحظاتُ أعمارِنا، وقد أحسنَ فيه أقوامٌ وقصَّر آخرون، مضى وهو شاهدٌ لنا بما استودعناه فيه من أعمالِنا، مضى وقد حوتْ صحائفُه أسماءَ من نالوا رحمةَ اللهِ.
أخي الصائم تذكرْ وأنتَ تُودِّعُ شهركَ سُرعةَ مرورِ الأيامِ، وانقضاءِ الأعوامِ، فإنَّ في مرورِها وسرعتِها عبرةً للمعتبرين، وعظةً للمتعظين، والعُمرُ فرصةٌ لا تُمنحُ للإنسانِ إلا مرةً واحدةً، فإذا ما ذهبتْ وولَّت فهيهَاتَ أن تعودَ. قال ابنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: ما ندمتُ على شيءٍ ندمي على يومٍ غربتْ شمسُه نَقَصَ فيهِ أجلي ولم يزدْ فيه عملي.
وقد كان السلفُ يجتهدونَ في إتمامِ العملِ وإتقانِه، ثم يسألونَ اللهَ تعالى قَبولَه.
قال عليٌ رضي اللهُ عنه: كُونوا لقبولِ العملِ أشدَّ اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قولِ الحقِّ جل وعلا: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين }[المائدة: 27].
وكان ينادي في آخر ليلةٍ من شهرِ رمضانَ: يا ليتَ شِعري مَنْ هذا المقبولُ منَّا فنهنِّيه، ومَنْ هذا المحرومُ فنعزِّيه، أيها المقبولُ هنيئًا لك، أيُّها المردودُ جَبرَ اللهُ مُصيبتَك.
أيها الصائمون والصائمات: وإنَّ من صدقِ العبدِ وحرصِه على قبولِ عملِه في وداعِ هذا الشهرِ ٍإخراجَ زكاةِ فطرتِه، التي تَزْرعُ المحبَّة وتعملُ على تأليفِ القلوبِ وسلامةِ الصدورِ ونشرِ الإحسانِ في المجتمعِ المسلمِ.
وزكاةُ الفطرِ فَرضَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم طُهرةً للصائمِ، وطُعمةً للفقراءِ والمساكينِ، وهي واجبةٌ على الكبيرِ والصغيرِ، والذكرِ والأنثى، والحرِّ والعبدِ، ويُستَحبُّ إخراجُها عن الحملِ في بطنِ أُمِّه إذا نُفِخَتْ فيه الروحُ، وهي من غالبِ قوتِ البلدِ تمرًّا أو برًّا أو شعيرًا أو زبيبًا أو إقطًا أو أرزًا. وهي عبارةٌ عن صاعٍ، أي ما يعادلُ: ثلاثة كيلو جرامات تقريباً، ويجزئ عن هذهِ الخمسةِ كلُّ حبٍّ يُقتاتُ في البلدِ مثل: الأرزِّ والذُّرةِ والدُّخنِ.
ولا يجوزُ إخراجُها مالاً، لأنه خلافُ سُنَّةِ النَّبي صلى اللهُ عليه وسلم الذي أمرَ بإخراجِها طعاماً وقدَّره بالصاعِ. قال الإمامُ أحمدُ رحمه اللهُ: لا يعطي القيمةَ.
قيل له: قومٌ يقولونَ: عمرُ بنُ عبد العزيزِ كانَ يأخذُ بالقيمةِ، قال: يَدَعونَ قولَ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم ويقولونَ: قال فلانٌ. فما دامَ في المسألةِ قولٌ للرسولِ فلا قولَ لأحدٍ يُقدَّمُ عليه.
والحكمةُ من صدقةِ الفطرِ أنَّها طُهرةٌ للصائمِ من اللغوِ والرفثِ، وطُعمةٌ للمساكينِ، وشكرٌ للهِ تعالى على إكمالِ الصيامِ، فأدُّوها رحمكم اللهُ على الوجهِ المشروعِ طيبةً بها نفوسُكم من أوسطِ ما تطعمونَ أهلِيكم.
ويُخرجُ المسلمُ صدقةَ الفطرِ عن نفسِه وعمَّنْ يقومُ بنفقتِه، ومحلُّ إخراجِها بالبلدِ الذي وافاهُ فيهِ تمامُ الشَّهرِ وهو فيه، ومَنْ كانَ في بلدٍ وعائلتُه في بلدٍ آخرَ فإنَّه يُخرجُ فطرتَهم في بلدِهم، ويُخرجُ عن نفسِه في البلدِ الذي هو فيه، وإن عمَّدهم يُخرجونَ عنه وعنهم في بلدِهم جازَ، وإن أخَرجَ عنهم في بلدِه جاز.
والذين يُعطونَ صدقةَ الفطرِ هم فقراءُ البلدِ الذين تَحلُّ لهم زكاةُ المالِ، سواءٌ كانوا من أهلِ البلدِ أو من الفقراءِ القادمينَ عليه من بلدٍ آخر.
وعلى المسلم أن يتحرَّى مَنْ يُعطيه زكاةَ فطرهِ لأنَّ بعضّ الناس يتعاملُ بزكاةِ الفطرِ وكأنَّها هديةٌ، فوجَبَ على مَنْ يُخرجُها أن يتحرَّى منْ يَستحقُّها لكي تجزئَه.
ولا يجوزُ نقلُ صدقةِ الفطرِ إلى بلدٍ آخرَ بأن يرسلهَا إلى فقراءِ بلدٍ غيرِ بلدِه إلا إذا لم يُوجدْ في بلدِه فقراءٌ من المسلمين، فإنَّه يُرسلُها إلى فقراءِ أقربِ بلدٍ إليه.
لأنَّ النبَّي صلى اللهُ عليه وسلم أَمَرَ بإخراجِها إلى فقراءِ البلدِ الذي يُفطرُ فيه الصائمُ ليلةَ العيدِ.
ومنْ فاتَه إخراجُها في يومِ العيدِ فإنَّه يُخرجُها بعدَه قضاءً وهي صدقةٌ من الصدقاتِ، ويجوزُ إخراجُها قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومين، ولابَّد أنْ تُدفعَ في وقتِ الإخراجِ إلى المستحقِّ أو إلى وكيلِه، ولا يكفي أن يَجعلَها أمانةً عند شخصٍ ليس وكيلاً للمستحق.
ويجوزُ للفقيرِ أن يُخرجَ فطرتَه مما أُعطىَ من الصدقاتِ، ويجوزُ دفعُ صدقةِ الجماعةِ إلى فقيرِ واحدٍ، ويجوزُ دفعُ صدقةِ الشخصِ الواحدِ إلى جماعةٍ من الفقراءٍ.
أسألُ اللهَ تعالى أن يتقبلَ من الجميعِ صدقاتِهم.
أعوذُّ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَّلَّى} [الأعلى: 14، 15].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلهِ وإحسانهِ، والشُّكرُ لهُ على تَوفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه ومن سارَ على نهجِه إلى يومِ الدين، أما بعد:
فاتقوا اللهّ أيُّها الصائمونَ والصائماتُ: واعلموا أنَّ مما يُشْرعُ في ختامِ شهرِكم سنةُ التَّكبير، فإذا غربتْ شَمسُ آخرِ يومٍ من رمضانِ، ودخلتْ ليلةُ العيدِ فيُسنُّ التَّكبيرُ، ويُجهرُ بهِ في المساجدِ والبيوتِ والأسواقِ تعظيماً للهِ وشكراً له على تمامِ النعمةِ.
ومما يُشرعُ أيضاً في ختامِ هذا الشهرِ المباركِ صلاةُ العيدِ، وهي فرضُ كفايةٍ على كلِّ مسلمٍ، وهي من تمامِ ذكرِ اللهِ. فينبغي أن يَخَرجَ إليهَا الكبارُ والصغارُ والرجالُ والنساءُ لينَالُوا بركةَ هذا اليومِ العظيمِ.
عباد الله: ودَّعوا شهرَكم بكثرةِ الاستغفارِ وصدقِ التوبةِ، والإلحاحِ على اللهِ بأَنْ يتقبَّل منكُم صيامَكم وقيامَكم وسائرَ أعمالِكم، وأن يَجعلَكم من المقبولينَ ومن عتقائِه من النارِ. أسألُ الله تعالى بواسعِ رحمتهِ أن يجعلَنا وإيَّاكم ووالدينا ووالديكم وجميعِ المسلمينَ من أهلِ جنَّتِه ورضوانِه، إنَّه وليُّ ذلكَ والقَادرُ عليهِ.
كما أسأل الله أن يوفق قادة دول الخليج والدول العربية والإسلامية لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يجزي خادم الحرمين خير الجزاء على دعوته لعقد هذه القمم واختيار الزكان والمكان المناسبين.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (الأحزاب:٥٦).
الجمعة: 26/9/1440هـ