وداع رمضان

عبدالله حامد الجحدلي
1442/09/22 - 2021/05/04 23:03PM

﴿ الخُطْبَةُ الأُوْلَى ﴾

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد: فاتّقوا الله -عبادَ الله- حقَّ التّقوى، فخير الزّادِ  ما صحِبه التّقوى، وخيرُ العملِ  ما قارنه الإخلاصُ للمولى.

أيّها المسلمون: مضَت ليالٍ غرٌّ بفضائِلها، ونفحاتِ ربِّها، وأوشكَ باقيها على الرّحيلِ وكأنّها ضربُ خيالْ، هذا هو شَهرُكُم، وهذه هي نهايتُه، كم من مستقبلٍ له لم يستكمِله، وكم من مُؤَمِّلٍ أن يعودَ إليه لم يُدرِكه، فاغتنِموا ما بقيَ من الشّهر بمضاعفةِ الطّاعات، فأيّام رمضانَ تُسارع مؤذنةً بالانصراف والرّحيل، وما الحياة إلاّ أنفاسٌ معدودة وآجال محدودة، وإنّ عمُرًا يقاس بالأنفاسِ لسريعُ الانصرام. ومرورُ الأيّام يُذكِّر بِقُربِ الرحيل، واحذَر الاغترارَ بالسّلامة والإمهالِ ومتابعة سوابغ المُنى والآمال، فالأيّام تُطوى والأعمار تفنَى، فاستلِفِ الزمن وغالِب الهوى، واجعَل لك في بقيّة الليالي مدَّخرًا فإنّها أنفس الذّخر، وابكِ على خطيئتِك واندَم على تفريطِك، واغتنِم آخرَ ساعاتِه بالدّعاء، ففي رمضانَ كنوزٌ غالية، وسَلِ الكريمَ فخزائِنه ملْأَى سحَّاءُ اللَّيْلَ و النهارَ  ، واستنزِل بركةَ المالِ بالصدقة، وحصِّن مالَك بالزكاة، وكن للقرآن تاليًا، وودِّع شهرَك بكثرةِ الإنابةِ والاستغفار وقيامٍ لله مُخلصٍ في دُجى الأسحار، وإن استطعتَ أن لا يُسبقَك إلى الله في بقيّة شهرك أحدٌ فافعل، فلحظاتُ رمضانَ الأخيرة نفيسة، ولعلّك لا تدرِك غيرَه، وافتَح صفحةً مشرقة مع مولاك، واسدِل الستارَ على ماضٍ نسيتَه وأحصاه الله عليك، وعاهِد نفسَك في هذا الشّهر بدوامِ المحافظةِ على الصّلوات الخمس في بيوتِ الله وبرِّ الوالدين وصلةِ الأرحام وتطهيُر مالِك عن المحرّمات والشّبهات وحفظِ لسانِك عن الكذب والغيبة وتطهير القلب من الحسَد والبغضاء وغضّ البصر عن المحرّمات والقيامِ بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستدرك هفواتِ الفوات، فالترحُّل من الدنيا قد دنا، والتحوّل منها قد أزِف، والرشيد من وقف مع نفسه وقفةَ حساب وعِتاب، يصحّح مسيرتَها ويتدارك زلّتها، يقول ابن حبّان -رحمه الله-: "أفضل ذوي العقولِ منزلةً أدومُهم لنفسه محاسبة، والسعيدُ من استودع صالحًا من عملِه، والشقيّ من شهِدت عليه جوارحه بقبيح زَلَله". والطاعة ليس لها زمنٌ محدود، ولا للعبادةِ أجل معدود، ويجب أن تسير النفوسُ على نهج الهدى والرّشاد بعد رمضان، فعبادة ربِّ العالمين ليست مقصورةً على رمضان، وليس للعبد منتهى من العبادةِ دون الموت، وبئس القوم لا يعرفون الله إلاّ في رمضان.

أيّها المسلمون: إنّ للقبول والرِّبحِ في هذا الشّهر علامات، وللخسارة والرّدّ أمارات، وإنّ من علامة قبول الحسنةِ فعلُ الحسنة بعدُها، ومِن علامةِ السيّئة السيّئة بعدُها، فأتبِعوا الحسنات بالحسنات تكن علامةً على قبولها، وأتبِعوا السيّئات بالحسنات تكن كفارةً لها ووقايَة من خطرِها، قال جل وعلا: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ] هود: 114.ويقول النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: <اتّقِ الله حيثما كنت، وأتبعِ السيئةَ الحسنة تمحُها، وخالقِ الناسَ بِخُلُقٍ حَسَنْ> رواه الترمذي.

ومَن عزِم على العَودِ إلى التّفريط والتقصير بعد رمضان فالله يرضى عمّن أطاعه في أيّ شهر كان، ويغضَبُ على من عصاه في كلّ وقت وآن، ومدارُ السعادةِ في طولِ العُمُر وحُسنِ العمل، يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-:< خَيْرُ النَّاسِ من طَال عُمُرُه وصَلُحَ عَمَلُهُ >.

ومداومةَ المسلمِ على الطاعة من غير قَصْرٍ على زمنٍ معيّنٍ أو شهرٍ مخصوصٌ أو مكانٌ فاضلٌ من أعظم البراهينِ على القَبولِ وحُسنِ الاستقامة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ] النحل: 97.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ ما تسمَعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه،  إنه هو الغفور الرحيم.

﴿ الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ ﴾

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا مزيدًا.

 أمّا بعد: أيّها المسلمون:  إنّ مِن مسالكِ الإحسان في ختام شهركم إخراجَ زكاةِ الفطر، ففيها أُلفةُ القلوب وعطفِ الغنيّ على أخيهِ الفقير، فهي طُهْرَةً لِلصَّائِمِ ، وطُعْمَةً لِلْمَساكِينِ.

ومقدارها صاعٌ من طعامٍ من غالب قوتِ البلد، ووقتُ إخراجها الفاضلُ يوم العيد قبلَ الصلاة، ويجوز تقديمها قبل ذلك بيومٍ أو يومين، فأخرِجوها طيّبةً بها نفوسِكم، وأكثروا من التكبير ليلةَ العيد إلى صلاة العيد تعظيمًا لله وشكرًا له على التّمام، قال عز وجل: [وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] البقرة: 185. 

واشكروا ربَّكم على تمامِ فرضكم، وليكن عيدُكم مقرونًا بتفريج كربةٍ وملاطفةٍ ليتيم، وابتهجوا بعيدكم بالبقاء على العهدِ وإتباع الحسنةِ بالحسنة، وإيّاكم والمجاهرةَ في الأعياد بقبيح الفعال والآثام، يقول الحسنُ البصري: "كلّ يوم لا يُعصَى الله فيه فهو عيد، وكلّ يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره فهو عيد".

ألا وصلوا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمدٍ بن عبد الله كما أمركم ربُّكم -جل في علاه- فقال عز من قائل كريماً:  [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] الأحزاب: 56.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين،

واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.

اللهم وفِّق إمامَنا لِهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه و وَلِيَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمين.

 اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَا الْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا والزنا وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَن، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن .

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ،

اللَّهُمَّ اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا.

اللهم تقبَّل منَّا الصيامَ والقيامَ، واجعَلنا مِن عُتقائِك مِن النار برحمتِك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعلنا ممن وُفِقَ لقيام ليلة القدر، فأجزلت له المثوبة والأجر، وغفرت له الزلل والوزر

 اللهم وان كانت في الليالي المتبقية فوفقنا لقيامها واغفر لنا ولوالدينا واكرمنا بكل ما نتمناه ،

اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.

[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] البقرة: 201.

سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1620169421_وداع رمضان.doc

1620169429_وداع رمضان.pdf

المشاهدات 1143 | التعليقات 0