وداعا رمضان 25/9/1442

عوض آل دبيس
1442/09/25 - 2021/05/07 02:57AM
الخطبة الأولىأما بعد : فاتقوا الله أيها الصائمون حقَّ التقوى، فهي الملاذ والأمان ليوم البعث والنشور، يوم يبعثر ما في القبور، ويحصَّل ما في الصدور، فالعمر مهما طال قصير، (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ  فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).صَدَقَ اللهُ ومن أصدق من الله قيلاً (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)بِالأَمسِ أَقبَلَ مُشرقَ المِيلادِ ** شَهْرُ التُّقاةِ ومَوسِمُ العُبَّادِواليومَ شدَّ إلى الرَّحيلِ مَتَاعَهُ **قد زوَّد الدُّنيا بخيرِ الزَّادِها هو رمضان يا من أحببتم رمضان قد دنى فراقُه، وحان وداعُه. اصفرَّتْ شمسُه، وأزِفَ رحيلُه، ولم يبق إلا قلُيله . هلالٌ يَبْرُق، وهلالٌ يُشْرِق، وما بين هذا وذاك إلا كَطَيْفِ حُلُمٍ، أو لَمـْحِ بَصَرٍ .ألا فسلام الله على شهر الصيام والقيام، سلام الله على شهر التراويح والتلاوة والذكر والتسبيح، لقد مر كلمحة برق أو غمضة عين، كان مضمارًا للمتنافسين، وميدانًا للمتسابقين،ألا وإنه راحل لا محالة فشيِّعوه، وتمتعوا فيما بقي من لحظاته ولا تضيِّعوه، فما في شهر رمضان من الشهور عوض،كم رُفِعت فيه من أكفٍّ ضارعة، وذرفت فيه من دموع ساخنة، ووجلت فيه من قلوب خاشعة، هذا، وكم يفيض الله من جوده وكرمه على عباده، ويمنّ عليهم بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في آخره    عباد الله: للصائم فرحةٌ عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، فرحة في الدنيا العاجلة، وفرحة في الآخرة الباقية حين ينال المتعة الكبرى والنعمة العظمى، ألا وهي الجنة، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وكأني بأقوام من بيننا سينادون: )كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ(  جعلني الله وإياكم من أهلها. أيها الصائمون : بكم يشتري أحدنا مقعدا في الجنة ؟ إن الله تعالى خلق الجنة بيده ، وجعلها مقرا لأحبابه ، ليس فيها سوى الرحمة ، والكرامة ، وأعظم ما فيها الرضوان من مالك الملك جل وعلا ، كما أخبر سبحانه في قوله : ) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( التوبة آية 72 فنعيم الجنة فوز عظيم ، ودخولها ملك كبير ، قد طهرت من كل آفة ، وحفظت من العيب والنقصان ، فإن سألت عن أرضها فمسك وزعفران ، وإن سألت عن سقفها ، فعرش الرحمن ، وإن سألت عن ملاطها فالمسك الأذفر ،وحصباؤها اللؤلؤ والمرجان . بناؤها لبنة من ذهب،ولبنة من فضة ، وسوق أشجارها من ذهب وفضة ، لها أفنان،يسيرالراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها . وفيها الحور الحسان ، وإن سألت عن أنهارها فأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذّةٍ للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون،ولحم طير مما يشتهون،وإن سألت عن شرابهم فالزنجبيل والكافور، وإن سألت عن آنيتهم فهي آنية الذهب والفضة في صفاء القوارير، وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن فُرُشهم فبطائنها من إستبرق في أعلى الرتب، وإن سألت عن أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر ليلة البدر، وإن سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين، على صورة آدم عليه السلام أبي البشر. اللهم اجعلنا من أهلها يا أرحم الراحمين  أيها المسلمون : إن من حرم هذا الخير الكثير ، والفوز العظيم لا ريب في خسارته الخسارة العظمى ، وأي خسارة أعظم من حرمانه جنة عرضها السموات والأرض0 إذا كان المحروم من الجنة خاسرا أعظم خسارة ، فإن خسارته تتضاعف حين يكون المقابل لخسارته الجنة أن يلقى في نار الجحيم ، فإن الآخرة ليس فيها إلا الجنة أو النار .  فمن أراد النجاة من النار ، والفوز بتلك الجنة فليغتنم ما بقي ، فلله في كل ليلة من هذا الشهر عتقاء من النار ،أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ اجتهدوا فيما تبقى من أيام ، فلربما أنكم مُستَقبِلُونَ فِيهَا لَيلَة القَدرِ وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ ، لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، نَعَم هِيَ لَيلَةٌ وَاحِدَةٌ يَجتَهِدُ فِيهَا المُسلِمُ مُخلِصًا لِرَبِّهِ مُقبِلاً عَلَى مَولاهُ ، مُحسِنًا عَمَلَهُ بَاسِطًا أَملَهُ ، تَائِبًا مُنِيبًا خَائِفًا رَاجِيًا ، وَيَقُومُ مَعَ إِمَامِهِ حَتى يَنصَرِفَ ، فَيُعطَى بِرَحمَةِ اللهِ وَفَضلِهِ أَجرَا أعظم من ثَلاثةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ المُستَمِرِّ ، فَأَيُّ نَفسٍ تَسمَعُ بِمِثلِ هَذَا ثم تَتَكَاسَلُ ؟! وَأَيُّ مُسلِمٍ يُوقِنُ بِذَلِكَ ثم يَتَقَاعَسُ ؟! قَالَ رَسُولُ اللهِ r: " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ،مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ كُلُّ مُحرُومٍ " فزاحم لترقم اسمك في سجل العتقاء ، وابذل لتكون مع الفائزين ، فقد والله فتح مزاد الآخرة ويوشك أن يغلق ، فزايد فإنك إن تشتر مقعدا في الجنة بالدنيا وما فيها فأنت الرابح ، ومن لم ينل مقعده هناك فهو المغبون ، فإن كنت من العتقاء فأبشر ورب البيت بخيري الدنيا والآخرة ، وإن كانت الأخرى فاحث على رأسك التراب ، ونح على نفسك فوالله لن تبتلى بأغلى منها . )هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ( إبراهيم : 52 نسأل الله عز وجل أن يتقبل منا جميعًا صيامنا وقيامنا ودعاءنا، وأن يمن علينا بالقبول والمغفرة والعتق من النار بمنّه وكرمه، وأن يجبر كسرنا على فراق شهرنا، وأن يعيده علينا أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، وعلى الأمة الإسلامية وهي ترفل في حلل العز والنصر والتمكين، وقد عاد لها مجدها وهيبتها بين العالمين، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.  بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم 

الخطبة الثانية

يا أهل الصيام والقيام، اجعلوا مسك الختام، وودِّعوا ضيفكم الغالي بالإكثار من كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وباللهج من كلمة الاستغفار، فكلمة التوحيد كما قال ابن رجب :( تهدم الذنوب، وتمحوها محوا ، ولا تُبْقِ ذنباً ، ولا يَسْبِقُها عمل ، وهي تعدل عتق الرقاب ، الذي يوجب العتق من النار)  ويشهد لقوله رحمه الله ويصدقه قول النبي r{من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كمن أعتق أربعة انفس من ولد إسماعيل } رواه مسلم في صحيحه .

وقد جمع الله بين كلمة التوحيد والاستغفار في قوله Y{فاعلم أنه لا اله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات }.

أيها الإخوة الصائمون: انه مما ينبغي على المسلم معرفته من الأحكام هو ما يتعلق بنهاية هذا الشهر الكريم من العبادات

أولها إخراج زكاة الفطر، تعبداً لله، وطهرة للصائم من اللغو والرَفَثْ، وطعمة للمساكين ، تُخرج عن الصغير والكبير والذكر والأنثى .

ولا يجوز اخراجها بعد العيد، ولا قبله بأكثر من يومين، ويستحب أن يخرج المسلم أطيب القوت وأنفسَه حتى ولو غلا ثمنُه.

ويستحب أن تُخرج عن الخدم المسلمين من الرجال والنساء، فعله الصحابة.

ويستحب إخراجها عن الجنين في البطن ولا يجب، استجب ذلك خليفة رسول الله rعثمان بن عفان t

وأما مكان اخراجها فالأفضل لفقراء البلد، ويجوز اخراجها لغيرهم اذا عمت الحاجة

والأفضل عباد الله أن يتولى الانسان توزيع زكاة الفطرة، ولو وكَّل فيها جاز.

اما إخراج زكاة الفطر نقداً بدل الطعام، فالصحيح أنه لا يجزئ، وهذا قول عامة أهل العلم ، فقد زكى النبي  rزكاة الفطر تسع سنوات، وسار على دربه صحابته،ولم يثبت عنهم إخراج القيمة مع شدة حاجتهم للمال، ووجود الموسرين من الصحابة.

وبعد إكمال عدَّة الصيام ندبنا ربنا إلى شعيرة التكبير في ساعات معدودات، يبدأ وقتها من غروب شمس آخر يوم من رمضان، إلى صلاة العيد ، فكبروا الله تعالى على ما هداكم، وعظموه ومجِّدُوه على ما وفَّقكم وأعطاكم، ارفعوا أصواتكم بها ، وأعلنوها في بيوتكم ومساجدكم وطرقاتكم.

{ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون } .

ومن تمام ذكر الله عزَّ وجلَّ حضور صلاةَ العيدِ فقد أمَرَ رسولُ الله r بها أمَّتَه حتى النساءَ لقول أم عطية- رضي الله عنها-: (أمرنا رسول الله rأن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحُيَّض، وذوات الخدور، فأما الحُيَّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين )،ويسن أن يأتي لمصلى العيد من طريق ويرجع من آخر0 واعلموا رحمكم الله أن السنة في يوم العيد أن تأكلوا تمرات وترا قبل الذهاب إلى المصليات كما فعل رسولكم r

0 تقبل الله منّا ومنكم صالحَ الأعمال، وجعلنا وإيّاكم وإخوانَنا المسلمين مِن عتقائه من النّار، إنّه سميع مجيب.

صلوا وسلموا ..........

المرفقات

1620356215_وداع رمضان 25-9-1442هـ.docx

المشاهدات 628 | التعليقات 0