وداعا رمضان ، وفي الخطبة تذكير بليلة القدر وتوصية بحسن الختام

عبدالرحمن اللهيبي
1444/09/23 - 2023/04/14 06:40AM
الحَمْدُ للهِ الغَفُورِ الرَّحِيمِ، الجَوَادِ الكَرِيمِ، بَاسِطِ الخَيْرَاتِ، وَاسِعِ الرَّحَمَاتِ، مُقِيلِ العَثَرَاتِ، مُغِيثِ اللَّهَفَاتِ، مُفِيضِ العَبَرَاتِ نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ المُذْنِبِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ إِلَهٌ رَحِيمٌ كَرِيمٌ، يُجِيبُ دَاعِيًا، وَيَفُكُّ عَانِيًا، وَيَهْدِي عَاصِيًا، وَيَقْبَلُ طَائِعًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ رَفَعَ الله ذِكْرَهُ فِي المَلَأِ الأَعْلَى، وَعَرَجَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى، وأثنى عليه فِي كِتَابٍ يُتْلَى؛ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. أما بعد: فعليكم بتقوى الله أيها الناس؛ فإن لباسَ التقوى خيرُ لباس، وهي المُرتجَى حين الرَّحيل وعند الإياس، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أيها الصائمون، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجلَ ما تتصرم الشهور والأعوام، فهذا شهرُنا المبارك قد أوشك تمامُه ، وتصرَّمت لياليْه وأيامُه، قرُب رحيله، ولم يبق منه إلا قليله، سار مسرعا، وسيرحل مودعاً, ولله الحمد على ما قضى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم. فاختموا يا صائمون شهركم بخير ختام فالعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات ، واستغفروا ربكم من كل خلل وتقصير ، ومن كل إثم وخطأ وتفريط .. قال الحسن أكثروا من الاستغفار فإنكم لا تدرون متى تنزل الرحمة .. يا صائمون : إن ضيفنا شهرَ رمضانَ لا يزال بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا وحديث منابرنا وحياة مساجدنا فكيف الحال بعد فراقه , فالعين لفراقه تدمع والقلب لرحيله يوجل.. فيا لحسن الفائرين الذين اغتنموا شهر رمضان بأكمل وجه من صلاة وصيام وقيام وصدقة وإحسان .. فنظر الله إليهم وهم يبتهلون بالدعاء ، فغفر لهم وعتق رقابهم  ويا لخسارة المفرطين الذين لم يعرفوا لرمضان قدره فأمضوا وقتهم بالملهيات واشغلوا أنفسهم بمقارفة الشهوات ومضى عليهم الشهر وهم على هذه الحال التي لا ترض رب البريات. وَمَعَ هَذَا أيها الصائمون: فلئن مضَى أكثرُ شهرنا فلقد بقِيَ منه ما هو أرجاه، ولئن تصرَّمَت أيامُه فقد بقِيَ منها ما تكونُ به النجاة.. وإنك لا تعلم -يا عبد الله- أيَّ ساعةٍ سوف تُظِلُّك فيها الرحمات، وتدركك فيها النَّفَحات، ولا تعلم أيَّ ليلةٍ تُعتَقُ فيها من النار ، لتلحَقَ بركبِ الناجين الأبرار فإنه لم تزَل أبوابُ الجنان مفتحة وأبواب النيران مغلقة ولم تزَل الملائكةُ حاملةً أقلامَها لتكتُب الحسناتِ ، ولن يمَلَّ مُوفَّقٌ من خيرٍ حتى يكون مُنتهاهُ الجنة. فيَا أَيُّهَا الصُّائِمُونَ ، هَا أَنتُمُ اليَومَ في الثالث والعِشرِينَ مِن رَمَضَانَ ، وَربما أنتم مُستَقبِلُونَ فِيما بقي من الليالي لَيلَة القَدرِ وَمَا أَدرَاكَ مَا لَيلَةُ القَدرِ ، لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ هِيَ لَيلَةٌ وَاحِدَةٌ يَجتَهِدُ فِيهَا المُسلِمُ مُخلِصًا لِرَبِّهِ مُقبِلاً عَلَى مَولاهُ ، مُحسِنًا عَمَلَهُ، بَاسِطًا أَملَهُ ، تَائِبًا مُنِيبًا خَائِفًا رَاجِيًا ، وَيَقُومُ مَعَ إِمَامِهِ حَتى يَنصَرِفَ ، فَيُعطَى بِرَحمَةِ اللهِ وَفَضلِهِ أَجرَاً هو أعظمُ من ثَلاثةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ المُستَمِرِّ ، فَأَيُّ نَفسٍ تَسمَعُ بِمِثلِ هَذَا ثم تَتَكَاسَلُ ؟! وَأَيُّ مُسلِمٍ يُوقِنُ بِذَلِكَ الفضل العظيم ثم يَتَقَاعَسُ ؟! قَالَ ﷺـ : " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ كُلُّ مُحرُومٍ " رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ عَبدَ اللهِ ، يَا مَن قَصَّرتَ فِيمَا مَضَى وكلنا وربي كذلك ، لا تَقُلْ فَاتَ الأَوَانُ ! نَعَم ، لا تَقُلْ فَاتَ الأَوَانُ ، فَوَاللهِ مَا فَاتَ ، فأَنتَ تَتَعَامَلُ مَعَ رَبٍّ رَحِيمٍ، جَوَادٍ كَرِيمٍ ، وَلَو لم يَبقَ في هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ إِلاَّ دَقِيقَةٌ وَاحِدَةٌ , فَمَا الَّذِي يَصرِفُكَ عَنِ اغتِنَامِهِا ؟  كَيفَ وَقَد بَقِيَت فيه بَقِيَّةٌ صَالِحَةٌ مِن خَيرِ الأَيَّامِ وَأَشرَفِ اللَّيَالي ؟ أما يحزنك أيها الصائم أن يمضي الشهر وقد عُتقت فيه رقاب المجتهدين، وأنت يا عبد الله من المحرومين , فقوموا بحق شهركم، ولا تهتكوا يا صائمون أستاركم عند من لا تخفى عليه أسراركم. أقول قولي... أما بعد: أيها المسلمون، ما أسرع ما يتقضّى الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان، ونحن اليوم على عتبات وداعه.. فيا عبد الله، جَدّ القوم وأنت قاعد، وقَرَبوا وأنت متباعد، وقاموا وأنت راقد، وانتهو عن المحارم وأنت فيها شاهد ومشاهد ، إن قام العُبادُ لم تُرَ بينهم، وإن عُدَّ الصالحون فلست معهم، ترجو النجاة ببضاعة مزجاة، فلا قيام ولا مناجاة، ولا توبة ولا مصافاة، لقد باشر الصالحون ليالي رمضان بصفاح وجوههم، وقيام أبدانهم، عيونهم من رهبة الله تسيل وتدمع، وقلوبهم من خوفه تلين وتخشع.. فيا من أضعت ليالي رمضان الشريفة في اللهو والشهوات، يا لها والله من خسارة لا تشبهها خسارة، أن ترى أهلَ الإيمان واليقين، وقوافل العابدين ، قد حظَوا في ساعات هذا الشهر العظيم , من الرب الكريم الرحمن , بالقرب والزلفى والرضوان، وعُتقت رقابهم من النيران, وقد رُميتَ أنت بالطرد والإبعاد والحرمان ، أعاذني الله وإياك من ذلك فاستدرك يا عبد الله من رمضان ما فات، ودع اللهو جانباً، وأدرك الركب والحق بالقافلة، وتقلب في منازل العبودية بين فرضٍ ونافلة، واجعل خواتيم الشهر بطاعة ربك حافلة، اجعَلْ مِن هَذِهِ اللَّيَالي المتبقية القَلِيلَةِ مَطِيَّتَكَ إِلى الجِنَانِ ، وأعظم الرجاء في الرب الكريم المنان ، وَسَابِقْ في الخيرات وسارع إلى الطاعات ، فَعَسَى أَن تَكُونَ مِمَّن قِيلَ فِيهِم : " وَفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ " وَاعْلَمُوا يا مسلمون أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. ثم احرصوا يا مسلمون على إدراك صلاة العيد والتبكير لها وإننا سوف نقيمها في هذا الجامع للرجال والنساء بإذن الله بعد وقت الإشراق بربع ساعة هذا وصلوا وسلموا..  
المشاهدات 490 | التعليقات 0