وداعارمضان

صالح العويد
1434/09/22 - 2013/07/30 03:22AM
[align=justify]
الحمد لله؛ يقلب الليل والنهارويمضي الليالي والأيام نحمده على ما منَّ به علينا من إدراك رمضان، والمعونة على الصيام والقيام، ونسأله أن يختم لنا شهرنا بالقبول والرضوان، والعتق من النار، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، إمام الأنبياء وسيد الحنفاء، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه،البررة الأتقياء ومن تبعهم بإحسان واقتدى بهم حق الإقتداء أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - وأطيعوه، فهاهو شهر التقوى قد آذن بصرم لقد شمر عن ساق، وأذن بوداع وانطلاق، ودنا منه الرحيل والفراق، لقد قُوِّضت خيامه، وتصرمت أيامه، وأزف رحيله، ولم يبق إلا قليله. وقد كنا بالأمس القريب نتلقى التهاني بقدومه، ونسأل الله بلوغه، واليوم نتلقى التعازي برحيله، ونسأل الله قبوله.
فبماذا عساكم مودعوه؟! وبأي شعور أنتم مفارقوه؟! كيف ولحظات الوداع تثير الشجون، وتُبكي المُقل والعيون، وهل هناك فراق أشد وقعًا ووداعًا، وأكثر أسى والتياعاً من وداع شهر البر والجود والإحسان، شهر القرآن والغفران والعتق من النيران، مضَت ليالٍ غرٌّ بفضائلها ونفحات ربّها، لقد قطعت بنا مرحلةً من حياتنا لن تعود ألا فسلام الله على شهر الصيام والقيام، سلام الله على شهر التراويح والتلاوة والذكر والتسبيح،، شهر عمارات القلوب، وكفارات الذنوب، ، شهر العبرات السواكب، والزفرات الغوالب، ، كم رُفِعت فيه من أكفٍّ ضارعة، وذرفت فيه من دموع ساخنة، ووجلت فيه من قلوب خاشعة، وتحركت فيه من مشاعر فياضة وعواطف جياشة. هذا، وكم وكم يفيض الله من جوده وكرمه على عباده، ويمنّ عليهم بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في آخره. لقد مر كلمحة برق أو غمضة عين، كان مضمارًا للمتنافسين، وميدانًا للمتسابقين، ألا وإنه راحل لا محالة فشيِّعوه، وتمتعوا فيما بقي من لحظاته ولا تضيِّعوه، مضى هذا الشهر الكريم، وقد أحسن فيه أناس وأساء آخرون، وهو شاهد لنا أو علينا بما أودعناه من أعمال، شاهد للمشمرين بصيامهم وقيامهم وبرهم وإحسانهم، وعلى المقصرين بغفلتهم وإعراضهم وشحهم وعصيانهم، ولا ندري هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا وبينه هادم اللذات ومفرق الجماعات.فبادروا ـ يا رعاكم الله ـ فلعل بعضكم لا يدركه بعد هذا العام، ولا يؤخره المنون إلى التمام، فيا ربح من فاز فيه بالسعادة والفلاح، ويا حسرة من فاتته هذه المغانم والأرباح، لقد دنا رحيل هذا الشهر وحان، وربَّ مؤمِّلٍ لقاء مثله خانه الإمكان، فاغتنم - أيها المفرط - في طاعة المنان الفرصة قبل فوات الأوان، واحذر أن يشهد عليك الشهر بقبائح الآثام، واجتهد في حسن الخاتمة فالعبرة بحسن الختام. فاستلِفِ الزمن وغالِب الهوى، وابكِ على خطيئتِك واندَم على تفريطِك، واغتنِم آخرَ ساعاتِه بالدّعاء، ففي رمضانَ كنوزٌ غالية، وسلِ الكريمَ فخزائِنه ملأى ويداه سحَّاء الليل والنّهار، واستنزِل بركةَ المالِ بالصدقة، وحصِّن مالَك بالزكاة، وكن للقرآن تاليًا، وودِّع شهرَك بكثرةِ الإنابة والاستغفار وعاهِد نفسَك في هذا الشّهر بدوامِ المحافظةِ على الصّلوات الخمس في بيوتِ الله
إخوة الإيمان، لقد كان السلف الصالح رحمهم الله يجتهدون في إتقان العمل وإتمامه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده،(والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة انهم إلى ربهم راجعون) . يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ [المائدة:27]؟!) ويقول مالك بن دينار رحمه الله: "الخوف على العمل ألا يُتقبل أشد من العمل" وقال فضالة بن عبيد رحمه الله: "لو أني أعلم أن الله تقبل مني حسنة واحدة لكان أحب إلي من الدنيا وما فيها"
أيها المقبولون هنيئًا لكم، وأيها المردودون جبر الله مصيبتكم، ماذا فات من فاته خير رمضان؟! وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان؟! كم بين من حظه فيه القبول والغفران ومن حظه فيه الخيبة والخسران؟! متى يصلح من لم يصلح في رمضان؟!ومتى يُغفر لمن لم يُغفر له في هذا الشهر؟! ومتى يُقبل من رُدَّ في ليلة القدر؟! أورد الحافظ ابن رجب رحمه الله عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: (يا ليت شعري من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه).
فيا أرباب الذنوب العظيمة، الغنيمةَ الغنيمةَ في هذه اللحظات الأخيرة، فمن أعتق فيها من النار فقد فاز ـ والله ـ بالجائزة العظيمة، والمنحة الجسيمة،! فيا من أعتقه مولاه من النار، إياك ثم إياك أن تعود بعد أن صرت حرًا إلى رق الأوزار، فاللهَ اللهَ في الثبات والاستمرار على الأعمال الصالحة في بقية أعماركم، واصلوا المسيرة في عمل الخير، لتفوزوا برضا المولى جل وعلا، واعلموا أنه لئن انقضى شهر رمضان المبارك فإن عمل المؤمن لا ينقضي إلا بالموت، ومن علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، ورب الشهور واحد، وهو على أعمالكم رقيب وشاهد، وبئس القوم: لا يعرفون الله إلا في رمضان.أعوذبالله من الشيطان الرجيم قل إن صلاتي ونسكي ومحايي ومماتي لله رب العالمين
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بمافيه من الآيات والذكرالحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل الآثام والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفورًا.


الخطبة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله ترفع الدرجات وتكفر السيئات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قاضي الحاجات، والعالم بالخفايا والمكنونات، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله سيد البريات، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمكرمات، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماوات.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واستودعوا شهركم عملاً صالحًا يشهد لكم عند الملك العلام، وودعوه عند فراقه بأزكى تحية وأوفر سلام، أيها الإخوة الصائمون، لقد شرع لكم مولاكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة، تسدُّ الخلل، وتجبر التقصير، وتزيد المثوبة والأجر، ، ففُرضت عليكم صدقة الفطر طهرة من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين ففي البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، على العبد والحر والذكر والأنثى والكبير والصغير من المسلمين). وإذا مد الله في أعماركم ، وأدركتم يوم عيدكم ، فاشكروا الله بإكمال عدة شهركم .كبروا ربكم واخرجوا يوم عيدكم فرحين بفضل الله ورحمته ، شاكرين لنعمته ، ومجتنبين ما يسخطه واعلموا أن للعيد سنناً وآداباً يحسن ذكرها والعمل بها . فمن سنن العيد:
1- التكبير ، ابتداء من دخول ليلة العيد وانتهاءً بصلاة العيد . قال الله تعالى : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " .وصيغة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ، الله أكبر ولله الحمد .يجهر به الرجال في المجامع والأسواق والبيوت ، وتسر به النساء
2- الاغتسال لصلاة العيد والتطيب ولبس أحسن الثياب ودعاءلبس الثوب روى الإمام أحمد قال: لبس أبو أمامة ثوباً جديداً، فلما بلغ ترقوته قال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي. ثم قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله : ((من استجد ثوباً فقال: إذا لبسه حين يبلغ ترقوته: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف الله حياً وميتاً))، ويحرم على الرجال إسبال الإزار والثوب والبشت والسراويل، وهو من الكبائر، والإسبال هو نزول الملبوس عن الكعبين، وهذامماتساهل فيه بعض الناس هداهم الله مع ورودالوعيدالشديدعلى من فعله فيجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله ويرفع ثيابه على الصفة المشروعة. قال : ((إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه ولا حرج عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار))، وبجانب أولئك المسبلين فريق من المستهترين الذين يرفعون لباسهم فوق الركبتين فتبدوا أفخاذهم أو بعضها كما يفعله بعض العمال. والفخذان من العورة التي يجب سترها ويحرم كشفها. عن علي قال: قال رسول الله : ((لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت)) رواه أبو داود وابن ماجة.وممايجب الحذرمنه في الباس لبس مافيه تصاويروماكان فيه تشبه بالكفاروالنساء .
3- الأكل قبل الخروج من المنزل على تمرات أو غيرها قبل الذهاب لصلاة العيد ، ويسن أن يأكلهن وتراً
4- الذهاب من طريق إلى المصلى والعودة من طريق آخر
5- اصطحاب النساء والأطفال والصبيان دون استثناء كما كانت سنته صلى الله عليه وسلم وحذارمن تبرج النساء وحضورهن لصلاة العيد فيفتتن بهن الرجال وكذلك لاتمس طيبا فقد نهى عن ذلك نبينامحمدصلى الله عليه وسلم.

6- الاستماع إلى خطبة العيد .
7- التهنئة بالعيد فعن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد ، يقول بعضهم لبعض : تقبل منا ومنك ، قال الحافظ ابن حجر: اسناده حسن .
هذا، واعلموا - رحمكم الله - أن من خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم كثرة صلاتكم وسلامكم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبيكم محمد بن عبد الله كما أمركم بذلك ربكم جل في علاه فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
[/align]
المشاهدات 2355 | التعليقات 3

جزيت خيرا شيخ صالح خطبة ماتعة وموعظة مؤثرة نفع الله بها وكتب الله أجرها يبقى أن تجد لها أرضا خصبة ينبت فيها ما بذرت من الكلمات


أستاذ صالح بارك الله فيك ، كما عوّدتنا دومًا : خطبةٌ جليلةٌ ودِقّةٌ في إصابةِ المعاني الشريفة مع تقريب الوظائف التي يختم بها الشهر ويستفتح بها شوال . زادك الله سدادًا و توفيقًا .


بارك الله فيكماأخي زياد وأخي رشيد
ونفع الله بالجميع وجعلني وإياكم ومن نحب من المقبولين
إطلالتكم تعني لي الكثيرلاحرمكم الله الأجر