وَحَلْت لَيَالِيَ السَمَرِ 1442/5/10هـ

عبد الله بن علي الطريف
1442/05/09 - 2020/12/24 11:57AM

 

الخُطْبَةُ الأُولَى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]

أيها الإخوة: في ليالي الشتاء الطويلة يحلو السمر حول شبة النار، وفي أيامه المعتدلة يطيب التنزه في المتنزهات، ومن نعم الله علينا في هذا البلد وجود متنزهات قريبة وجميلة تُزينها نِعْمَةُ الأمن والأمان، وتكملها كثيرٌ من الخدمات التي وفرتها الجهات الحكومية، فجزاهم الله عنا خير الجزاء، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَ [إبراهيم:34] فلله الحمد ربي العالمين.

ولقد أصبحت هذه المتنزهات مقصداً للبعيدِ ومرتعاً للقريب، فقد حباها اللهُ بنبتٍ وشجرٍ على رملٍ كالذهبِ صفاءً ونقاءً.. ومنْ تَمامِ حُسنها قُربِ المكان، فلا تحتاج لشد الرحال فلله الحمدُ الكريمِ المنانِ..

وفي هذا الموسم الشتوي الجميل ارتوت المتنزهات بفضل الله بوابل السماء، وبدت تكتسي رماله الذهبية بجلبابها الأخضر، وتوجه الناس إلى هذه المتنزهات زرافاتٍ ووحدنا.. يطلبون الأنسَ والسمر بلقاءات متعددة بين الأسرة الواحدة أو الأصحاب أو الأقارب، وإلى خير قصدوا وإلى رحاب جوده وصلوا..

أيها الإخوة: حري بنا في بداية هذا الموسم الشتوي الواعد أن نوصي الجميع بعددٍ من الوصايا ليست جديدة على أمثالكم لكنها مما يجمل في مثل هذا الأوقات ذكره، ويحسن بمن قصد المتنزهات تذكره وفعله..

أول هذه الوصايا: أوصي الجميع بتقوى الله تعالى في السر والعلن، وهي وصية الله تعالى للناس أجمعين فقد قال: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] والتقوى أن يتخذ العبد من عذاب الله تعالى وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه.. فحري بنا اصطحاب التقوى في جميع أحوالنا، سأل رجل أبا هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما التّقوى.؟ قال: «هل أخذت طريقاً ذا شوك.؟» قال: نعم، قال: «فكيف صنعت.؟» قال: إذا رأيت الشّوك عدلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: «ذاك التّقوى»..

والوصية الثانية: على المتنزهين أو المخيمين الأخذ بوصية المصطفى الأخيرة وهو بفراش الموت، قَالَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.. الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» حَتَّى جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُغَرْغِرُ بِهَا صَدْرُهُ، وَمَا يَكَادُ يُفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ. رواه أحمد ابن ماجة وهو حديث صحيح. أي الزموها واهتموا بشأنها ولا تغفلوا عنها وأدوها في وقتها جماعة، والسنة لهم رفع الأذان لكل صلاة في وقتها، ويحرصوا على إتمام الوضوء وإحسانه..

الوصية الثالثة: العناية التامة والمحافظة الكاملة على البيئة، بالحفاظ على أشجار الغضا وعدم تكسيرها أو اقتلاعها، فلو احتطبها الأجداد لم يجدها الآباء ولو احتطبها الآباء لم نجدها نحن الأبناء فحري بنا أن نحافظ عليها لتبقى لنا وللأجيال منتزهاً ومتنفساً، ثم الرفق الرفق في تلك الكثبان الجميلة والنقر الظليلة، إياكم وإفسادها بالتفحيط والتجديع، وحرثها بالسرعة المتهورة، فكم في مثل هذه الأعمال من إفساد للغطاء النباتي، وتحطيم لأشجار الغضا، وكم وقع بسببها من حوادث مروعة أهلكت معصومين، أو تسببت بإعاقات دائمة لهم فأصبحوا عالة على أسرهم ومجتمعهم.. ولا يخلو فاعل "التفحيط والتجديع أو مصدر الصوت الرفيع" من فخر وتيه بفعله، وأخشى أن يصح بحقه قول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء:37] قال السعدي: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا أي: كبراً وتيهاً وبطراً متكبراً على الحق، ومتعاظماً على الخلق، ﴿إِنَّكَ في فعلك ذلك ﴿لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا في تكبرك بل تكون حقيراً عند الله ومحتقراً عند الخلقِ مبغوضاً ممقُوتاً قد اكتسبتَ أَشَرَّ الأخلاقِ واْكتَسَيتَ أَرْذَلَها من غيرِ إدراكٍ لبعضِ ما تروم.. أهـ رحمه الله.

وكم آذت ورَوعتْ تلك الممارسات الخاطئة من متنزهٍ مطمئن.. وترويعُ المؤمنِ حرام فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا» رواه أبو داود وصححه الألباني.  قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب:58] فما بالكم بمن يروع المسلمين ويؤذيهم بهدير دراجته النارية، أو سيارته أو ما تطلقه بعض السيارات من أصوات كأنها البنادق، ألا فليتق الله أولئك بإخوانهم ويرحموهم. بارك الله لي ولكم....

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى واسمعوا وأطيعوا تفلحوا.. أما الوصية الثالثة: النظافة ثم النظافة ثم النظافة فهي وصية رسولنا فعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «طَهِرُوا أَفْنِيَتِكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِرُ أَفْنِيَتَها» رواه الطبراني في الأوسط ووكيع في الزهد وصححه الألباني في الصحيحة. وذلك بجمعِ ما ينتجُ عن جلوسكم من نفايات أولاً ووضعها بكيس في الصناديق المخصصة لها وهي موزعة على الطرق، وحري بالمسلم أن يحاول إزالة ما يره من أشياء تركها من لم يوفق للخير وأذى المسلمين في متنزهاتهم بتوسيخها ليحوز أجر إزالة الأذى فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أخْرجَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يُؤْذِيهِمْ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهِ حَسَنَةً، وَمَنْ كُتِبَ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةٌ، أَدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الْجَنَّةَ" رواه أحمد والطبراني في معجمه الأوسط وقال الأرنؤوط والألباني حسن لغيره..

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِمِائَةِ السُّلَامَى، فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ» رواه مسلم

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ». رواه مسلم..  أي يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة.. وإذا كان سبب هذا الأجر إزالة الأذى عن طريق المسلمين، فيمكن أن يقاس عليه إزالة ما يؤذيهم في متنزهاتهم وأماكن راحتهم على إزالة ما يؤذيهم عن طرقهم..

أيها الإخوة: ما أحوجنا لغرس خلق الإحساس بالمسئولية المجتمعية المبنية على تعاليم ديننا الحنيف بين أولادنا وأسرنا وطلابنا، وذلك بالتوجيه أولاً وبيان الأجر المترتب على أعمالهم هذه وأنها من الدين وأنها مما يُطْلَبُ به رضى الله تعالى والأجر.. كما ورد عن النَّبِيِّ. وأن نكون لهم قدوة صالحة، ما أجمل أن يكون من ضمن ما نأخذه معنا للبر أو المتنزهات أكياس للنفايات نضع بها نفيات رحلتنا لمن قصرت همته، أما من علت همته فيستعد بعدد من الأكياس ويتمشى وينظف ما يستطيع هو وأسرته وجميلٌ أن يخصصوا وقتاً من رحلتهم لهذه المهمة، فيحصلون على الأجر ويغرسون في نفوس الصغار والكبار قيم المسئولية المجتمعية وأننا في مجتمع إسلامي منظم نظيف ملتزم بقيمه مُنْتَمٍ لدينه ووطنه ومساعدٍ للمسئولين في الحفاظ على الوطن نظيفاً ظاهراً وأهله يتمتعون بالنظافة ظاهراً من الأوساخ وباطناً من درن الخطأ والإثم..   

المشاهدات 837 | التعليقات 0