وجاهدوا في الله حقَّ جهاده

عبدالله محمد الطوالة
1444/08/17 - 2023/03/09 22:09PM

الحمدُ للهِ فاطرِ الأكوانِ وباريها، ومسيِّرِ الأفلاكِ ومجرِيها، وخالِقِ الدَّوابِّ ومُحصِيها، ومُقسِّمِ الأرزاقِ ومُعطِيها، سبحانَه وبحمده، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] ... وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ .. إليهِ وإلا لا تشدُّ الركائبُ .. ومنهُ وإلا فالمؤمِلُ خائِبُ .. وفيهِ وإلا فالغرامُ مُضَيعٌ  .. وعنهُ وإلا فالمحدِثُ كاذبُ .. والصَّلاةُ والسَّلامُ على الصادقِ الأمينِ، المبعوثِ رحمةً للعالمين .. اللهُ قـدَّ صلى عليـهِ قـديـماً .. وحباهُ فضلاً من لدنهُ عظيماً .. واختارهُ في المرسلين مُكرماً .. ذا رأفةٍ بالمؤمنـين رحيـماً .. اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليهِ وعلى آله وصحبهِ أجمعين، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدينٍ، وسلَّم تسليماً كثيراً ..

أما بعد: فـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 35] .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الحشر: 18-19]..

معاشر المؤمنين الكرام: جُبلت النفوسُ على حبِّ الشهوات، والميل مع الهوى، وحبِّ الركون والدَّعة، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]، والنفسُ أمارةٌ بالسوء إلا ما رحمَ ربي، والشيطانُ عدوٌ مبين, وله على النفس مداخلٌ وخُطواتٍ خطيرة، حذَّرَ منها العليمُ الخبير، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168] .. وقال جلَّ وعلا: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] ..

والعبدُ منذ تكليفه وإلى أن يموت وهو يخوضُ معركةً ضاريةً مع نفسهِ وشيطانه؛ فنفسهُ تدعوهُ إلى هواها، وشيطانهُ يُزينُ له كلَّ ما يُرديهِ ويُهلِكهُ .. والناسُ أقسام: قسمٌ ظفرت به نفسهُ وغلبهُ شيطانه، وركنَ إلى دنياهُ وشهواته، ونسيَ حقوقَ ربه، فمصيره ما ذكر الله تعالى بقوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 37-39] .. وقسمٌ موفقٌ جاهدَ نفسهُ حتى ظفِرَ بها وملكها، وتغلَّبَ عليها وعلى شيطانَه، فصارت نفسه مُطيعة لله، منقادةً لأمره ونهيه، فهو السعيدُ المذكور في قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى} [النازعات: 40-41]، وقال جلَّ وعلا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14-15]، وقسم ثالثٌ بينهما، تغلبهُ نفسهُ تارةً، وتارةً يغلبها، وفي صحيح مسلم، قال ﷺ: " كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها" ..

وما دام أنَّ النفسَ ضعيفةٌ ميَّالةٌ للشهوات والهوى، وما دامَ الشيطانُ حريصاً على اضلالها وإغوائها، فلا نجاة للعبد إلا بالمجاهدة المستمرةِ والدائمة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].. وفي الحديث الصحيح: قال النبي ﷺ: "المجاهدُ من جاهد نفسهُ في طاعة الله، والمهاجرُ من هجرَ ما نهى الله عنه" ...

المجاهدة هي استفراغُ الوسع والطاقةِ للمداومة على كلِّ ما يحبهُ الله ويرضاه، والبعدِ عن كل ما يبغضهُ الله ويأباه .. قال جلَّ وعلا: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ..

وأصل المجاهدة منعُ النفسِ عن المرغوبات والمألوفات التي تهواها، وحملِها على غير هواها .. فللنفس ميلٌ للشهوات، ونفورٌ عن الطاعات، والمجاهدةُ تقعُ بحسب ذلك .. وفي الحديث المتفق عليه: "حُجِبت النارُ بالشهوات وحُجِبت الجنَّة بالمكاره" ..

وتمامُ المجاهدة أن يكون العبدُ متيقظًا لنفسه مُنتبهاً لها في جميع أحوالها، فإنه متى غَفَلَ عن ذلك استهواهُ شيطانهُ ونفسهُ فزينا له الوقوعَ في المحرمات، وفي صحيح مُسلم، قال ﷺ: "الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ" .. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (محبة الله توجبُ المجاهدةَ في سبيله قطعاً؛ فإنَّ من أحبَّ الله، وأحبه الله، أحبَّ ما يحبه الله، وأبغضَ ما يبغضه الله، وابتعد عن معاصي الله ومكروهاته) .. ومفهوم هذا الكلام الهام: أنَّ من أحبَّ الله تعالى وخافَ مقامه، ورجا ما عنده، وعظَّمَ شعائره؛ فإنه سيخالفُ نفسهُ وهواه, إلى ما يحبُه خالقه ومولاه، وسيكتفي بما أحله الله، وسيترك الحرام والمكروه رغبةً فيما عند الله، وأمَّا من أتْبَعَ نفسهُ هواها, وأرخى لها زمامها, وأعطاها مناها؛ فستقودهً نفسه إلى المخالفة ولا بدّ ..

وسياسةُ النفسِ أمرها عجيب، وتحتاجُ إلى وعيٍّ وفقهٍ وفهم، فالنفسُ فيها ميلٌ فطري للهوى، لكنها كالخيل الجموح, إن تركها صاحبها من غير زمامٍ يحكمها انطلقت به مسرعةً حتى تُدخِلهُ طرقاً وعرةً، ومسالك ضيقةٍ خطرة، سُرعان ما تلقيهِ في التهلكة، لكنه إن أمسك بزمامها، وشدَّ وثاقها، تحكَّمَ بها وسارَ بها على الطريق الصحيح حتى يصل بإذن الله آمنا ..

ومن طبيعة النفسِ أنها إذا رأت من الإنسانِ حزماً وجداً فإنها تنقادُ له، وإذا رأت منهُ ضعفاً وخوراً، وإهمالاً وتردداً، مالت به للهوى، وأوردته موارد الردى، فعلى سبيل المثال: من ينامُ وهو مترددٌ في القيام لصلاة الفجر، فإنه سيجدُ ثِقلاً ومعاناةٍ كبيرةً عند القيام، وغالباً سيجد أن نفسهُ تغلبهُ على النوم .. وأمَّا من نامَ على نيةٍ صادقة، واتخذَ قراراً حاسماً، وعزمَ عزيمةً جادةً قوية على القيام للصلاة، واتخذَ من الوسائل ما يعينهُ على ذلك فإنه بإذن الله لن يجدَ صعوبةً في النهوض والاستيقاظ للصلاة .. وهكذا نرى الفرق واضحاً بين الأول والثاني؟ فالأولُ مترددٌ, ضعيفُ الرغبة، متوانيِ العزيمة، متهاونٌ في الأخذ بالأسباب، أمَّا الثاني فقد اتخذ قراراً حاسماً، وعقدَ العزم، وبذلَ الأسباب، وهذه هي المجاهدة، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] ..

وهكذا هي طبيعةُ النفس في كلِّ أمورها، إذا اعتادت شيئاً من الشهوات المحرمةِ فإنه يصعبُ عليها تركه، لكنها إن وجدت قوةٌ وعزيمةٌ من الإنسان, فسرعان ما تستكين وتستجيب، وتأمَّل كيف وفق الشاعر الحكيم في تشبيه النفسِ بالطفل فقال: والنفس كالطفل إن تهمله شب على .. حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .. فخالف النفس والشيطان واعصهما .. وإن هما محضاك النصح فاتهم .. فمعلوم أنَّ الطفلَ الرضيع، يحبُّ الحليبَ ولا يريد الفِطام، فإذا فُطمَ تألمَ يوماً أو يومين ثم يعتاد على فقده بعد ذلك، وهكذا النفسُ ومحبوباتها المحرمة أو المكروهة، متى ما فُطمت عنها، فإنها قد تتألم فترةً قصيرة ثم سرعان ما تتعود على الوضع الجديد .. وهذا هو التيسير لليسرى الذي ذكره الله تعالى لقوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} .. أي أنَّ الإنسانَ يؤدي الطاعات بسهولة ويسر من غير كُلفة ولا مشقة، ومصداق ذلك في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} ..

وإذا كان الحال كذلك فإنَّ على المسلم أن يجتهدَ اجتهاداً عظيماً في مجاهدة نفسه، وحملها على الاستقامةِ والطاعةِ حتى تثبتَ وتستمر ..

أعوذ الله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} .. {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس : 1-11] ..    أقول ما تسمعون ...

.

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده اللذين اصطفى ..

أما بعد: فـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ..

معاشر المؤمنين الكرام: إِنَّهُ والله لتَوفِيقٌ عظيم، وعطاءٌ كبيرٌ، أن يهبَ اللهِ تعالى لعبده المؤمنَ أُذُناً تصغي وتَسمَعُ، وَقَلباً يَخشَى وَيَخشَعُ، وعقلاً يرتدِعُ ويُقلِع .. قَالَ جَلَّ وَعَلا {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .. وَقَالَ سُبحَانَهُ: {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:17- 18]..

ثم اعلموا أنَّ الطاعاتِ والعباداتِ كُلِّها, يُمكنُ لأيِّ مُسلِمٍ أن يَتعوَّدَ عليها وأن يَألفَها، ومن ثمَّ فلا يتَرُكَها أبداً .. صَلواتُ التَّطوعِ والنَّوافِلِ, كصَلاةِ الضُحى والوترِ والسُننِ الرواتِبِ كُلِّها, مما يمكنُ التَّعودَ عليهِ، التبكيرُ إلى المسجدِ وطولُ المكثِ فيهِ، الخشوعُ في الصلاةِ، المحافظةُ على الأذكارِ بأنواعِها، صِيامُ الأثنينِ والخميسِ والأيامُ البيضُ .. المحافظةُ على وردٍ مُعينٍ من القرآنِ الكريمِ .. تَخصِيصُ مِقدارٍ مُعينٍ من الصدقةِ يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً .. برُّ الوالدينٍ وصلةُ الأرحامِ وزيارةُ الأحبابِ ومواصلتُهم في اللِه, كُلُّها عاداتٌ  يمكنُ لأيٍّ مِناَّ أنْ يألَفهَا ويُدَاوِمَ عليها .. إدخالُ السُّرورِ على أخيكَ المسلِمِ، قضاءُ الحاجاتِ, وتَفريجُ الكُرباتِ جميعها أمورٌ سهلةٌ يمكنُ أنْ يتعوَّدَ عليها أيُ مُسلِمٍ .. الرِّضَا والقَناعةُ وكَثرةُ الحمدِ والشُّكرِ والتسبِيحُ كُلُّها عاداتٌ يمكنُ لكُلِّ من أرادَ أنْ يتَعوَّدَ عليها .. لقد ذُكَر عن الشيخُ ابن بازٍ رَحمهُ اللهُ أنهُ كان إذا دخلَ الخلاءَ عضَّ على شِماغِه ِلكيلا ينسى فيذكُرَ اسم الله وهو في داخِل الخلاء .. ترويض النفسِ على كظمِ الغيظِ، وعلى السماحةِ والعفوِ والصفحِ الجميلِ عادةٌ، بل من أجملِ العاداتِ، فإنَّما الحُلُم بالتحلُّم وإنَّما الِعلمُ بالتعلُّم ومن يصبر يصبره .. رِقةُ الطبعِ وطَهارَةُ القلبِ وسَلامَةُ الصدرِ عَادة يمكنُ لأيِّ إنسانٍ أن يُدرَّبَ نفسهُ عَليها، جاءَ في بعض الآثار: "عوِّدوا قُلُوبَكم الرِّقةَ" .. الابتسامَةُ المشرِقَةُ، والوجهُ الصبوحُ والكلمةُ الطيبةُ، والمنطِقَ الجميلُ كُلُّ ذلك عادةٌ يَستطِيعُ الجميعُ امتِلاكُها .. جاءَ في الأثرِ أنَّ كلباً تعرضَ لعيسى عليهِ السلامُ وهو في طريقهِ فقال: اذهب عَافاكَ اللهُ، فقيلَ لهُ: أهكذا تخاطِبُ الكلب؟ فقال: لسانٌ عودتهُ الخيرَ فتعودَ .. نظافةُ البدَنِ وحُسنُ المظهرِ وجَمالُ الرائِحةِ عَاداتٌ جميلةٌ يُحبُها اللهُ, فاللهُ جميلٌ يحبُّ الجمالَ .. إتقانُ العَملِ والانضبَاطُ والجدِّيةِ واحترامُ النِّظامِ, عاداتٌ حضاريةٌ يمكنُ للجميعَ أنَّ يتحلَّى بِها .. وفي الحديث الحسنِ: «إنَّ اللهَ يحبُّ إذا عَمِلَ أحدُكم عَملاً أن يُتقِنَهُ» .. تَرشِيدُ الانفَاقُ في المالِ والكهرباءِ والماءِ وبَقِيةُ أمورِ الحياةِ كُلِّهَا عاداتٌ طيبةٌ مَيسورةٌ للجميع، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] ...  والخلاصةُ يا عبادَ اللهِ: أنَّ النَّفسَ إذا اعتادت على شيءٍ وألفتهُ سَهُلَ عليها القيامَ بهِ، بل إنَّهُ يَصعُبُ عليها بعد ذلك تَركَهُ والتَّخلِي عنهُ، واسألوا إن شِئتُم الثَابِتينَ على طَاعاتِهم سَنواتٍ طويلةٍ .. ما الذي يَجدُونَهُ من الرَّاحةِ واللذَّةِ، وكيفَ أنَّ هذه الأعمالَ التَّعبدِيةِ الكبيرةِ والشَّاقَةِ في نَظرِ الكثيرينَ صارت عِندَهُم سَهلةً يَسيرةً محبوبة، يصعبُ عَليهم تركُها والتخلي عنِها، مِصدَاقُ ذلك في كتاب اللهِ تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5-7] ..

فيا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان ..

اللهم صل على محمد  .. 

المشاهدات 463 | التعليقات 0