وجاءَ محرمٌ 1443/1/4هـ
يوسف العوض
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَسْتَعِينُه وَنَسْتَغْفِرُه ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- ، أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بشيرًا ونذيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ ، مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولُهُ فَقَدْ رَشَدَ ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّه شيئًا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً) وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . .فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : جاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَال : « أَنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كهيئتهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، السنةُ اثْنَا عَشَرَ شهرًا ، مِنْهَا أربعةُ حُرُمٌ ، ثلاثٌ متوالياتٌ : ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَيُخْبِر رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَن السنةَ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ شهرًا ، وَهَذِه الْأَشْهُرُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ أشهُرٍ هِي حُرُم ، حَرَّمَ اللَّهُ - عزّ وجلّ- فِيهَا الْقِتَالَ ، لِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - عزّ وجلّ - : (فلا تظلمواْ فِيهِنّ أنفسكم) ، وَبَيَّنَ لَنَا أَسْمَاءَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الأرْبَعَةِ الحُرُمِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ كَانَتْ مَوْجُودَةً مِنْ قبلُ ، وَكَانَت اثْنَي عشرَ شهراً منذُ أَنْ خَلَقَ اللَّهُ - عزّ وجلّ - السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَلَكِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ غَيَّرواْ وَقَدِّمُوا حَتَّى يَسْتَحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - مِنْ الْقِتَالِ فجعلواْ شَهْرَ صَفَرٍ بَدَل شَهْرِ مُحَرَّمٍ ، فَاَللُه - عزَّ وجلَّ - عَاتَبَهُمْ فِي الْقُرْآنِ ، فَأَكِّدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَبَيْنَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ هَذِهِ الْأَشْهُرَ وَأَنَّهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ : ذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ ومُحَرَّمٌ ، هَذِه مُتَتالِيَةٌ ، وَشَهْرُ رَجَبٍ بَيْنَ جُمَادَى الثَّانِيَةِ وَشَعْبَانَ ، فَهَذِه الْأَشْهُرُ سُميت بِالْأَشْهُرِ الحُرُمِ ، لِأَنَّ اللَّهَ - عزّ وجلّ - حَرَّمَ الْقِتَالَ فِيهَا وَهَذَا يَدُلُّ أيضًا عَلَى فَضْلِ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الأرْبَعَةِ وَفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا ، وخاصةً شَهْرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : لذلكَ رَغَّبَ الْإِسْلَامُ فِي صَوْمِ شَّهْرِ مُحرَّمٍ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ » ، فهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ بَيَانُ فَضْلِ هَذَا الشَّهْرِ ، وَفَضْلِ الصِّيَامِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، فَعَلَى الْمُسْلَمِ أَنْ يَغْتَنِمَ هَذِه الْفُرْصَةَ وَيُكْثِرَ مِنْ الصِّيَامِ فِي هَذَا الشَّهْرِ لِأَنَّ الصِّيَامَ فِيهِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ ، وَكَذَلِك رَغَّبَ الْإِسْلَامُ فِي صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ ، وَثَبَتَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثِ رَغَّبَ الْإِسْلَامُ وَأَمَر بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ » ، وَهَذَا فضلٌ عَظِيمٌ ، فصيامُه يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ فَائِتَةٍ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَذَا الشَّهْرِ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فالسُنّةُ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ ؛ تَعْظِيمُ هَذَا الشَّهْرِ ، وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الْقِتَالِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الطَّاعَاتِ والقُربات فِيه ، خاصةً صِيَامَ أَيَّامِه وَصَوْمَ عَاشُورَاءَ وَقَبْلَه تَاسُوعَاءَ ، وأَمَّا الِابْتِدَاعُ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، فَقَدْ ابْتَدَعَ النَّاسُ وَأَحْدَثُوا بَعْضَ الْمُبْتَدَعَاتِ ، وَمِنْهَا بِدْعَتَانِ كَبِيرَتَانِ تَفَرَّعَت مِنْهُمَا كثيرٌ مِنَ الْبِدَعِ :
الْبِدْعَة الْأُولَى : بِدْعَةُ الحُزْنِ فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَتَحْرِيمِ الْفَرَحِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَتَحْرِيمِ الزَّوَاجِ فِيهِ عِنْدَ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِم ، هَذِهِ الْبِدْعَةُ الْأُولَى بِدْعَةُ الحُزْنِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ، وَهَذَا الْحُزْنُ لَه مَظَاهِرُ كَثِيرَةٌ وَمُشَاهَدُ ، وَخَاصَّةً فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمٍ ، ففِي عَاشُورَاءَ أَكْرَمَ اللَّهُ - عزّ وجلّ - الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ سَنةَ إحدى وستين لِلْهِجْرَةِ ، فَاسْتُشْهِد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ أَنْ قُتَلَ ظُلمًا وَهُو وَأَخُوه الْحَسَنُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجنَّةِ ، كَمَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرُهُ .
والْبِدْعَة الثَّانِيَة : بِدْعَةُ الْفَرَحَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ عِنْدَ النواصبِ ، والنواصبُ هُمْ الَّذِينَ نَاصَبُوا الْعَدَاءَ لِلْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وأَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَغْلَبَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْخَوَارِجِ وَمَن الجُهّالِ الَّذِين قَابَلُوا الْفَاسِدَ بِالْفَاسِدِ وَالْكَذِبَ بِالْكَذِبِ وَالشَّرَّ بِالشَّرِّ وَالْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ فَوَضَعُوا الْآثَارَ فِي شَعَائِرِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ .
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليماً كثيراً إلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَمَّا بَعْدُ :
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَبَيْن هَاتَيْنِ البدعتينِ نَجِدُ أنَّ اللَّهَ – عَزَّ وَجَلَّ – قَد هَدى وَوَفَّقَ أَهْلَ السُّنَّةِ فَامْتَثَلُوا مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ – مِنْ الصَّوْمِ ، مَعَ مُرَاعَاةِ عَدَمِ التشبهِ بِالْيَهُود فِي صِيَامِهِم لَه ، وابتعدوا عَنْ مَا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْبِدَعِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ - ، وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْقُرُونِ الْمُفَضّلَةِ ، وَلَا التَّابِعِينَ ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى أَنَّ وَفَّقَنَا أَنْ نَكُونَ مِنْ أَهْلِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ - ، وَوَفَّقَنَا إِلَى اتِّبَاعِهِ ، وَالسَّيْرِ عَلَى نَهْجِهِ وَخَطاه ، فنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يعافينا و إيَّاكُم مِنَ الْبِدَعِ و مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ .
المشاهدات 983 | التعليقات 3
شبيب القحطاني
عضو نشط
جزاك الله خيرا
يوسف العوض
عضو نشط
جزاكما الله خيرا
وبارك فيكما
محمد بن سامر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
هناك ملاحظات:
قلت: "ثلاثٌ متوالياتٌ"
والصواب: "ثلاثةٌ متواليةٌ"
قلت: "أَنْ يَغْتَنِمَ هَذِه الْفُرْصَةَ وَيُكْثِرُ مِنْ الصِّيَامِ"
والصواب: أَنْ يَغْتَنِمَ هَذِه الْفُرْصَةَ وَيُكْثِرَ مِنْ الصِّيَامِ"
قلت: "وَكَانَت اثْنَتَي عشرَ شهراً"
والصواب: "وَكَانَت اثْني عشرَ شهرًا"
قلت: "حَتَّى يَسْتَحِلُّون مَا حَرَّمَ"
والصواب: "حَتَّى يَسْتَحِلُّوا مَا حَرَّمَ"
تعديل التعليق