🌟((وجآءكم النذير))🌟
تركي بن عبدالله الميمان
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَستَغفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، ونَعَوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، وسَيّئَاتِ أعمالِنَا؛ مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشهَدُ أَن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه؛ وأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ، وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، ورَاقِبُوهُ في السِرِّ والنَّجْوَى، واعْلَمُوا أنَّ الدنيا تَفْنَى ولا تَبْقَى! ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ والآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى﴾.
عِبَادَ الله: مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِهِ أَنْ أَرْسَلَ إليهم الآياتِ والنُّذُر؛ لِئَلَّا يقولوا: ﴿مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ﴾؛ قال ﷺ: (لا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، ومِنْ أَجْلِ ذلك: بَعَثَ المُبَشِّرِينَ والمُنْذِرِين).
وبَعَثَ اللهُ مُحَمَّدًا ﷺ: بَشِيرًا ونَذِيرًا إلى عِبَادِهِ؛ قَطْعًا لِحُجَجِهِمْ؛﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ على اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾. قال بعضُهُم-في تفسير قولِه تعالى: ﴿وجَآءَكُمُ النَّذِير﴾-: (أَي الرَّسُولُ ﷺ؛ فَلَمْ تُجِيْبُوا، وأَصرَرتُم على الشِّركِ والمعَاصِي!).
ووَرَثَةُ الأنبياءِ: مِنَ العلماءِ والدعاة، الَّذِينَ اقْتَدَوا بِنَبِيِّهِم ﷺ؛ قد قَامُوا بِوَاجِبِ الإِنْذَار؛ كما أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ: ﴿يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرْ قُمْ فَأَنْذِرْ﴾.
ومَنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لِـ(صَرَخَاتِ المُنْذِرِيْنَ)، واسْتَهْزَأَبِـ(النَّاصِحِيْنَ)؛ فَيُخْشَى عليهِ أنْ يكونَ مِنَ النَّادِمِيْن! قال اللهُ -عن حَالِ أَهلِ النار-: ﴿كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وقُلْنا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا في ضَلالٍ كَبِير﴾.
وطُولُ العُمُرِ: نَذِيرٌ لِلبَشَرِ! قال I: ﴿أوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وجَآءَكُمُ النَّذِيرُ﴾. قال ابنُ عُثَيْمِين: (وفي هذا دَلِيلٌ على أنَّهُ كُلَّما طالَ بالإنسانِ العُمُر: كانَ أَولَى بالتَّذَكُّرِ؛ لأنَّه لا يَدرِي متى يموتُ؟! فَقَد يَمُوتُ في شَبَابِه، وقَد يُؤَخَّرُمَوتُه، لكن مَنْ تَقَدَّمَ بِهِ السِنُّ؛ فَهُوَ إلى الموتِ أَقْرَب).
ومِن أَنوَاعِ النَّذِيرِ: بُلُوغُ سِنِّ الأَربَعِين! فَهُوَ تَمَامُ العُمُر؛ ولا يَزَالُالإنسانُ بَعدَهُ في نُقصَانٍ وإِدبَار، ونُزُولٍ وانْحِدَار! قال ابنُ الجَوزِي: (فَمَنْ بَلَغَ الأَربعينَ: اِنْتَهَى تَمَامُه، وقَضَى مَنَاسِكَ الأَجَل، ولم يَبْقَ إلَّا الاِنحِدَار إلى الوَطَن! فينبغي له عندَ تمامِ الأربعين: أنْ يَجْعَلَ جُلَّ هِمَّتِهِ: التزوّد للآخِرَة، ويَأْخُذَ في الاِستِعدَادِ للرَّحِيل) .
وجَعَلَ اللهُ سِنَّ السِتِّينَ: غَايَةَ الإِعذَارِ والإِنذار؛ قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وجَآءكُمُ النَّذِير﴾. قال ابنُ عبَّاسٍt: (معناه: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ سِتِّينَ سَنَةً؟!).
يقول ﷺ: (أَعْذَرَ اللهُ إلى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ؛ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً). قال القُرطُبي: (مَنْ عَمَّرَهُ اللهُ سِتِّينَ سَنَةً: لَمْ يَبْقَ لَهُ عُذْرٌيَتَمَسَّكُ بِه؛ لِأَنَّ السِتِّينَ: مُعْتَرَكُ العِبَاد، وهُوَ سِنُّ الِاستِسلَامِ لِله، وتَرَقُّب لِقَائِه).
ومَا بَعْدَ السِتِّينَ: هُوَ مُعْتَرَكُ المَنَايا! قال ﷺ: (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِتِّينَ إلى السَّبْعِينَ؛ وأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذلك). يقولُ ابنُ الجوزي: (فإذا بَلَغَ السِتّينَ؛ فَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إليهِ في الأَجَلِ:فَلْيُقْبِلْ بِكُلِّيَّتِهِ على جَمْعِ زَادِهِ، وتَهْيئَةِ آلاتِالسَّفَر، ولْيَعْتَقِدْ أَنَّ كلَّ يَومٍ يَحْيَا فيهِ غَنِيْمَة! وكُلَّمَا عَلَتْ سِنُّهُ، فَيَنْبَغِي أنْ يَزِيدَ اجْتِهَادُه).
وبَيَاضُ الشَّعرِ بَعْدَ سَوَادِهِ: نَذِيرٌ مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ! فَهُوَ بِدَايَةُالنِّهَايَةِ، وإِشَارَةُ تَحْذِير، بِاقْتِرَابِ مَوعِدِ الرَّحِيل! قال ﷻ: ﴿وجَآءَكُمُ النَّذِيرُ﴾؛ قال ابنُ عَبَّاسٍ t وغَيرُه: (هُوَ الشَّيْبُ،مَعْنَاهُ: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ حَتَّى شِبْتُمْ! ويُقَالُ: الشَّيْبُ نَذِيرُ المَوْتِ، ومَا مِنْ شَعَرَةٍ تَبْيَضُّ إِلَّا قالَتْ لِأُخْتِهَا: اسْتَعِدِّي فَقَدْ قَرُبَ المَوْتُ!).
والأَمرَاضُ والأَسقَامُ: نَذِيرُ المَوتِ: أَيْ كَأَنَّهَا تُشْعِرُ بِقُدُومِهِ، وتُنْذِرُبِمَجِيئِه!
قال العلماء: (الأَمرَاضُ كُلُّهَا: مُقَدِّمَاتٌ لِلمَوت، ومُنْذِرَاتٌ بِه؛وإِنْ أَفْضَتْ إلى سَلامَةٍ: جَعَلَهَا اللهُ مُذَكِّرةً لَه).
والعَقلُ الصَّحِيحُ: نَذِيرٌ لِصَاحِبِهِ. ومِنْ ضَعْفِ العَقْلِواليَقِين: الإعراضُ عن مَوَاعِظِ المُنذِرِين، والغَفلَةُ عن يَومِالدِّين! قال تعالى: ﴿وأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ وهُمْ في غَفلَةٍ وهُمْ لا يُؤْمِنُون﴾.
أَقُوْلُ قَولِي هذا، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاستَغفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة
الحَمدُ للهِ على إِحسَانِه، والشُّكرُ لَهُ على تَوفِيقِهِ وامتِنَانِه، وأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُه.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ القَلبَ الحَيَّ، والعَقلَ الذَّكِيَّ: هُوَ الَّذِي يَستَجِيبُلِلآيَاتِ والنُّذُر؛ كما قال ﷻ -في وَصْفِ القُرآن-: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾. قال الضَحَّاك: أي (مَنْ كَانَ عَاقِلًا). وقال السِعدِي: (القَلبُ الحيُّ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ القُرْآنُ لِقَلْبِهِ بِمَنْزِلَةِالمَطَرِ لِلأَرضِ الطَيِّبَةِ؛ ثم قال الله: ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾؛ لِأَنَّهُمْ قَامَتْ عَلَيهِمُ الحُجَّةُ بِالقُرآنِ؛ فَلَمْ يَبْقَلَهُم عُذْر).
ومِن أَنواعِ الآياتِ والنُّذُرِ: تَقُلُّبُ أَحوَالِ الدُّنيا، وعَدَمُ استِقرَارِهَا!قال تعالى: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَار﴾. قال ابنُ رَجَب: (فَمَا عِيبَتِ الدُّنيَا بِأَبْلَغِ مِنْ فَنَائِهَا، وتَقَلُّبِ أَحوَالِهَا؛ وهُوَ أَدَلُّ دَلِيلٍ على زَوَالِهَا: فتَتَبَدَّلُ صِحَّتُهَا بِالسَّقَمِ، ووُجُودُهَا بِالعَدَمِ، وشَبِيبَتُهَا بِالهَرَمِ؛ وحَيَاتُهَا بِالمَوتِ، واجْتِمَاعُهَا بِفُرْقَةِ الأَحبَابِ؛ وكُلُّ ما فَوْقَ التُّرَابِ تُرَاب!).
************
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِين، وارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين: أَبِي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَنِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَنْ تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إلى يومِ الدِّين.
* اللَّهُمَّ فَرِّج هَمَّ المَهمُومِينَ، ونَفِّسْ كَرْبَ المَكرُوبِين، واقضِ الدَّينَ عَنِالمَدِينِين، واشْفِ مَرضَى المسلمين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وأَصلِح أَئِمَّتَنَا ووُلَاةَ أُمُورِنَا، ووَفِّق (وَلِيَّ أَمرِنَا ووَلِيَّ عَهْدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلبِرِّ والتَّقوَى.
* اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إلَّا أَنتَ، أَنتَ الغَنِيُّ ونَحنُ الفُقَراء؛ أَنزِل عَلَينَا الغَيثَ، ولا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِين.
* اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
المرفقات
1736327582_وجاءكم النذير.pdf
1736327582_وجاءكم النذير (نسخة مختصرة).pdf
1736327582_وجاءكم النذير (نسخة للطباعة).pdf
1736327582_وجاءكم النذير (نسخة مختصرة).docx
1736327582_وجاءكم النذير.docx
1736327582_وجاءكم النذير (نسخة للطباعة).docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق