وَتُوَقِّرُوهُ [1] توقيره ﷺ في مخاطبته والإخبار عنه. 1442/4/20هـ

عبد الله بن علي الطريف
1442/03/20 - 2020/11/06 10:36AM
وَتُوَقِّرُوهُ [1] توقيره ﷺ في مخاطبته والإخبار عنه. 1442/4/20هـ
الحمد لله الذي هدانا للإسلام، واختصنا بنبوة خير الأنام، وجعل محبته وتوقيره من عرى الإيمان، وأشهد ألا إله ألا الله الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ألي الفضل الإنعام وسلم تسليماً..
 أما بعد: أيها الإخوة أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها وصيته سبحانه للأولين والآخرين فقد قال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً) [النساء:131]..
أحبتي: تعظيم النبي ﷺ وإجلاله وتوقيره منزلة علية، وشعبة عظيمة من شعب الإيمان، وهذه الشعبة غير شعبة المحبة بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة ورتبة المحبة.. فليس كل محبوب معظماً، ألا ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه..
والتعظيم رتبته فوق رتبة المحبة.. فمن حق النبي ﷺ على أمته أن يهاب ويعظم ويوقر ويجل أكثر من كل ولد لوالده، ومن كل عبد لسيده، وهو وأجب من واجباته علينا قال الله تعالى بكتابه العزيز: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفتح: 9،8] أي: تعزروا الرسول ﷺ وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم..
وقال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف:157]. في هاتين الآيتين بين تعالى حق الرسول ﷺ بأن يكون معظماً مجلاً مهاباً.. وأخبر سبحانه أن الظافرين بخير الدنيا والآخرة، الناجين من شر هما هم من جمع بين الإيمان به وتعزيره والمقصود بتعزيره تعظيمه.. وأن ذلك أكبر أسباب الفلاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: في كتابه النفيس الصارم المسلول على شاتم الرسول: "ومن حقه ﷺ: أن يكون أحب إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق كما دل على ذلك قوله سبحانه: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) إلى قوله: (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) الآية مع الأحاديث الصحيحة المشهورة كما في الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الآنَ يَا عُمَرُ» رواه البخاري..
وقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» متفق عليه عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
أيها الإخوة: وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حُقُوقَ الرَّسُولِ ﷺ مِنْ الطَّاعَةِ لَهُ وَمَحَبَّتِهِ وَتَعْزِيرِهِ وَتَوْقِيرِهِ وَنَصْرِهِ وَتَحْكِيمِهِ وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ وَالتَّسْلِيمِ لَهُ وَاتِّبَاعِهِ وَالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ وَرَدِّ مَا يُتَنَازَعُ فِيهِ إلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ. وَأَخْبَرَ أَنَّ طَاعَتَهُ طَاعَتُهُ فَقَالَ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وَمُبَايَعَتَهُ مُبَايَعَتُهُ فَقَالَ: (إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) وَقَرَنَ بَيْنَ اسْمِهِ وَاسْمِهِ فِي الْمَحَبَّةِ فَقَالَ: (أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).. وَفِي الْأَذَى فَقَالَ: (إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وَفِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فَقَالَ: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).. (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وَفِي الرِّضَا فَقَالَ: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) فَهَذَا وَنَحْوُهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي.
أيها الإخوة: وفي القرآن الكريم آيات كثيرة جاء فيها التأكيد على تعظيم الرَّسُولِ وتوقيره وبخاصة في جوانب معينة من جوانب تعظيمه ومن تلك الآيات قوله تعالى: (لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) [النور:63] ففي هذه الآية نهي من الله أن يدعوا رسول الله ﷺ بغلظة وجفاء، وأمرٌ لهم أن يدعوه بلين وتواضع..  
قَالَ الْحَلِيمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: "وَقِيلَ مَعْنَى هذه الْآيَةِ: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا) [النور:63] ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانُوا يُنَادُونَهُ عَلَى رَسْمِ الْمَلَإِ بَيْنَهُمْ، فَيَقُولُونَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا أَنْ يُعَظَّمُوهُ فَيَقُولُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، يَا نَبِيَّ اللهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ إِجْلَالٌ وَتَعْظِيمٌ"
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: في الصارم المسلول على شاتم الرسول: وكيف لا يخاطبونه بذلك، والله سبحانه أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحداً من الأنبياء، فلم يدعه باسمه في القرآن قط، بل يقول (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا) [الأحزاب:28] (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) [الأحزاب:50] (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) [الأحزاب:1] (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الأحزاب:45] (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) [الطلاق:1] (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) [التحريم:1] (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة:67]..
مع أنه سبحانه قال: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) [البقرة:35] (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود:46] (يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) [هود:76] (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) [الأعراف:144] (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) [ص:26] (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ). [المائدة:110].
أسأل الله بمنه وكرمه أن يوفقنا لتوقير نبينا ويجعلنا هداة مهتدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: مقام رسولنا مقام عظيم أمرنا الله تعالى أن نعتني بالتأدب فيه ففي باب العبارة عن النبي ﷺ علينا أن نفرق بين مخاطبته والإخبار عنه. فإذا خاطبناه كان علينا أن نتأدب بآداب الله تعالى حيث قال: (لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) [النور:63] فلا تقول يا محمد، يا أحمد، كما يدعو بعضنا بعضاً بل نقول: يا رسول الله، يا نبي الله.
وأما إذا كنا في مقام الإخبار عنه ﷺ قلنا: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) وقلنا: محمد رسول الله وخاتم النبيين، فنخبر عنه باسمه كما أخبر الله سبحانه عنه ﷺ فقال: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب:40] وقال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) [الفتح:29] وقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [آل عمران:144] وقال: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) [محمد:2]. فالفرق بين مقام المخاطبة ومقام الإخبار فرق ثابت بالشرع والعقل..
وبعد: هكذا أمرنا الله تعالى وهكذا ذكره في كتابه فحق علينا توقيره في قلوبنا وأقوالنا وأفعالنا وكتاباتنا كم أعجب ممن يكتب الصفحات فإذا جاء ذكر الصلاة عليه كتب صاد أو تجاوز الاسم ولم يتبعه بالصلاة.. وسيكون لنا وقفات قادمة حول ذلك نسأل الله أن يصلي ويسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين فمن صلى عليه صلى الله عليه بها عشراً
 
المشاهدات 479 | التعليقات 0