وتأخر المطـــــر

الحمد لله، مجيب دعوة المضطرين، وكاشف كرب المكروبين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فبالتقوى تفتح خزائن السماوات، وتستخرج كنوز الأرض، بالتقوى تفتح الأبواب المغلقة، وتتوالى الأرزاق المباركة ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ).
إخوة الإيمان والعقيدة ... إن من حكمة الله سبحانه ألا يديم عباده على حالة واحدة، بل يتعهدهم بالشدة والرخاء، ويبتليهم بالسراء والضراء حتى يقبلوا إليه، ويتضرعوا بين يديه ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ).
أيها المؤمنون .. لا غنى للبلاد ولا للعباد عن المطر فبدون الماء يموت كل شيء ( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) فأنت بلا ماء تموت عطشاً، والنبات الذي تأكله إنما ينبت ويعيش بالماء، واللحوم التي تتناولها إنما تعيش على الماء، فبدون الماء يموت كل شيء، فكم نحن بحاجة إلى إدراك نعمة الله علينا في الماء لنحافظ عليها ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) إذا كان المطر من عند الله أيمنعه الكريم عن قوم أطاعوه؟ لا والله، فقد وعد وهو لا يخلف الميعاد ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ويقول سبحانه ( وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ).
عباد الله ... إن الناس إن اشتكوا جدب ديارهم وتأخر المطر عن وقت نزوله فما أحراهم أن يتلمسوا أسباب تأخره ليجتنبوها، وإن من أعظم أسباب تأخر المطر غفلة العباد عن طاعة ربهم، وقسوة قلوبهم بما ران عليها من الذنوب والمعاصي، وتساهلهم في تحقيق الإيمان والتقوى، وتقصيرهم في أداء الصلاة وإيتاء الزكاة. فمعصية الله هي السبب الرئيس في كل بلية تنزل بالناس جماعات وأفرادا، أهلكت من مضي ممن كان قبلنا الذنوب، وستهلكنا كما أهلكتهم، إن لم نقلع ونتوب.
فها هو النبي الصادق المصدوق يستعيذ بالله أن يدركَ أصحابُه زمانَ ظهور الفاحشةِ والإعلان بها ونقصِ المكيال والموازين ومنعِ الزكاة، فقال ( يا معشرَ المهاجرين، خمسٌ إذا ابتُليتم بهنّ وأعوذ بالله أن تدركوهنّ: لم تظهر الفاحِشة في قومٍ قطّ حتى يعلِنوا بها إلاّ فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضَت في أسلافهم الذين مضَوا، ولم ينقُصوا المكيالَ والميزان إلاّ أخِذوا بالسِّنين وشدَّة المؤونةِ وجَور السلطان عليهم، ولم يمنَعوا زكاة أموالهم إلاّ منِعوا القطرَ من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقُضوا عهدَ الله وعهد رسولِه إلاّ سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم تحكُم أئمّتهم بكتابِ الله ويتخيَّروا ممّا أنزل الله إلا جعَل بأسَهم بينهم ).
وعلاج ذلك كله – عباد الله - التوبة والاستغفار، فبلاؤنا من ذنوبنا، ودواؤنا في استغفارنا، ونحن لا نريد أن نتبادل التهم.
أيها المؤمنون .. إنه مع عظم التقصير فعفو الله واسع، ورحمته وسعت كل شيء، وأنه مهما بلغ العبد من الذنوب فإنه لا يجوز له القنوط من رحمة الله وترك التوبة، ومن أعظم أسباب الرحمة ونزول الغيث تقوى الله تعالى والتوبة من جميع الذنوب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد أمر الله عند احتباس المطر بالاستغفار من الذنوب التي هي السبب في منعه، ووعد -وهو لا يخلف الميعاد- بالمطر لمن لزم الاستغفار والتوبة، فقال تعالى على لسان نوح ( فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مُّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوٰلٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ) وقال تعالى على لسان هود ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ )
إن أقصر طريق إلى المطر هو التوبة والإنابة إلى الله، وتطهير الأنفس والبيوت والأسواق مما يغضب الله، والإكثار من الاستغفار .فألحوا بالدعاء فربكم لا يتبرم بإلحاح ذوي الحاجات ، واسألوا مولاكم أن يجود عليكم من خزائنه المليئة ، التي لا تنفد من كثرة العطاء، ولذا فقد شرع لنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- عند تأخر نزول المطر الاستسقاء بالصلاة المعروفة، أو على المنبر يوم الجمعة، أو بالدعاء المجرد في السجود ، أو عقيب الصلوات ، وفي صلوات الناس، وعلى كل أحوالهم فكل ذلك حسن جائز؛ شُرع ذلك ليرجع الناس إلى ربهم ويتوبوا إليه من ذنوبهم، وليس الاستغفار مجردَ لفظ يُردد على اللسان ، وليست صلاة الاستسقاء مجردَ عادة تفعل في الأوطان، وإنما هما توبة وندم وعبادة وخضوع لرب العالمين ، وتحول من حال إلى حال، فلابد أن تكون حال المسلمين بعد الصلاة والدعاء والاستغفار أحسنَ من حالهم قبلها إذا كانوا صادقين في توبتهم ، ومعترفين بذنوبهم.
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه يستسقي فلا يحطهما إلا وقد نشأ السحاب، وسالت الأودية والشعاب، لأنه صادق مع ربه وكذلك خلفاؤه الراشدون، وإلى وقت قريب كان الناس يستسقون فيُسقون،ويسألون فيُعطون لصدقهم مع الله في توبتهم ورغبتهم إلى الله في دعائهم.
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا، وأن لا يحرمنا فضله وخيره.
أقول ما تسمعون،وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين .. قال الحكيم الخبير في محكم التنزيل ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) وحينما يتأمل المرء ما الذي تغير في المجتمع حين تأخر نزول المطر يجد عجباً ؛هل انتهى المرابون عن أكل الربا؟هل انتهى من يتركون الصلوات في المساجد عن تركها وأقبلوا على الصلاة مع الجماعة؟ هل طهر الناس بيوتهم من وسائل هدم الأخلاق والعقيدة واستبدلوا فحشها وفجورها بالذكر وتلاوة القرآن؟ هل تحجبت النساء السافرات وسترن عوراتهن؟ هل وصل ذوو الأرحام أرحامهم؟ هل أحسن الجيران إلى جيرانهم؟ هل أدى أهل الزكاة زكاة أمولهم؟ فإن كان ذلك أو بعضه فالحمد لله، وإن لم يكن فلا حول ولا قوة إلا بالله.
إن حبس المطر وتأخر نزوله نوع ابتلاء من الله ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) فليصبر المسلم خاصة من يتضرر من ذلك كأصحاب الزروع والمواشي، فلهم على صبرهم الأجر العظيم، ولا يتسخطوا من تأخره فإن تسخطهم يذهب بأجرهم ولا يستعجل بحاجتهم.
وليعلم أن الله هو وحده من يملك الغيث وينزله،وأنه لو حبسه عنا لما استطاعت قوة أن تنزله ( أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ) ولو شاء تبارك وتعالى لأغاره في الأرض ، وذهب به فلا مستخرج له من دونه ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) إن القادر على منع الأمطار قادر على تغوير المياه من الآبار، فلا تستطيعون الحصول عليه مهما بذلتم في طلبه والبحث عنه.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا هذه التهديدات، وتوبوا إلى ربكم وادعوه أن يغيثكم ويسقيكم، فإنه قريب مجيب يجيب من دعاه و لا يخيب من رجاه، وإياكم وقسوة القلوب عند نزول المصائب فإنها سبب الهلاك والدمار قال تعالى ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ) وقد عاب سبحانه على أقوام نزلت بهم الشدائد فما اعتبروا وما عادوا إلى ربهم ( وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ).
اللهم نتضرع لك رافعين لك اكفنا بالدعاء، اللهم يامستودع الآمال وقابل الدعاء وهازم الأعداء اللهم يا من لا تضيع ودائعك نسألك باسمك الأعظم ان تغفر ذنوبنا وتستر عيوبنا وتقبل توبتنا. اللهم إنا نرفع إليك أكف الضراعة ونتضرع إليك، ونلجأ إليك، فلا ملجأ لنا منك إلا إليك
نسألك بأسمائك الحسنى، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت وإذا سئلت به أعطيت. اللهم أنت الواحد القهار لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا رفعنا أيدينا إليك راغبين في رحمتك، وراجين فضلَ نعمتك، فأسقنا غيثك، ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، اللهم انشر علينا رحمتك بالسحاب، سحاً وابلاً غدقا مغيثاً هنيئاً مريئاً مجلِّلاً نافعا غير ضار، اللهم لتحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتحيي به ما قد مات، وتردَّ به ما قد فات، وتنعش به الضعيف من عبادك، وتحيي به الميت من بلادك، اللهم سقيا هنيئة، اللهم سقيا هنيئة، تروى بها القيعان، وتسيل البطان، وتستورق الأشجار، وترخص الأسعار، اللهم إنا نسألك أن لا تردَّنا خائبين، ولا تقلبنا واجمين، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا، وتنشر رحمتك، وأنت الولي الحميد.
نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، نستغفر الله، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، وأمددنا بأموال وبنين، واجعل لنا جنات واجعل لنا أنهاراً.
اللهم أنت أعلم بضعفنا و ضعف حالنا، فلا رجاء لنا إلا أنت يا حي يا قيوم يا ذا الجلال و الإكرام.
اللهم احفظ ثغور المسلمين، وأكرم حماتها والمرابطين عليها، وأعطهم فوق ما تمنوا من الخير، واصرف عنهم ما لا يخطر لهم على بال من السوء والشر، واحفظ عليهم دينهم وأهليهم وذراريهم وأموالهم، واخلف لهم ذلك كله بخير، واجزهم أتمَّ الجزاء وأوفاه وأعظمه وأجزله. اللهم أقرَّ أعينهم وحرمها على النار، وارفع منازلهم في دار الأبرار، واجزهم عنا وعن أمة الإسلام خيرًا. اللهم كن لأبطالنا الجنود البواسل في سبيلك مؤيدا وظهيرا، ومعينا ونصيرا. اللهم سدد رميهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وأمكنهم من رقاب عدوهم، وافتح لهم فتحا على فتح، واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المشاهدات 1118 | التعليقات 0