وتأخر المطر !!!

الحمد لله والله أكبر، لا نعبد إلا إياه، ولا ندعو سواه، آمنا به مدبرًا للكون في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، ملاذنا عند الخطب والجلل، وملجؤنا في الأزمات والعلل، العبودية له شرف، والذل له عز، والافتقار إليه غنى ) أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وبارك عليه، وعلى صحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا (

إخوة الإيمان والعقيدة ... إن في تأخر المطر خطرًا على العباد والبلاد، والبهائم والاقتصاد، إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم". وقال أبو هريرة رضي الله عنه: إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم". يقول عبد الله بن عمررضي الله عنهما أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ ( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا. وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ).

عباد الله ... إن لتأخر المطر أسباب من أهمها: ما نص عليه الحديث: من منع الزكاة، فقد ابتلي كثير من الناس اليوم بتضخم الأموال في أيديهم، وصاروا يتساهلون في إخراج الزكاة، إما بخلاً بها إذا نظروا إلى كثرتها، وإما تكاسلاً عن إحصائها وصرفها في مصارفها ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ( وقال رسول الله ﷺ ( مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَع – وهي الحية الخالي رأسها من الشعر لكثرة سمها- لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي: بِشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ ) ثُمَّ تَلَا ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).

ومن أسباب منع القطر أيضًا: نقص المكيال؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ ( مَا طَفَّفَ قَوْمٌ كَيْلا ، وَلا بَخَسُوا مِيزَانًا ، إِلا مَنَعَهُمُ اللَّهَ الْقَطْرَ ) قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا بُخِسَ المكيال حُبس القطر. والبعض من الناس حملهم الطمع والجشع على الغش في المعاملات، ونقص الموازين، وبخس الناس أشياءه وغيره مما يجري في أسواق المسلمين تُسبب العقوبات الخاصة والعامة.

ومن أسباب منع القطر: انتشار الربا؛ قال رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ( مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرُّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ ) والسنة: القحط وقلة الأمطار والنبات، وكم هي البطون الحبلى بأكل الربا، وأكل أموال الناس بالباطل والرشاوي، والحيل من معاملات ومساهمات مشبوهة عمت وطمت.

ومن أسباب منع القطْر: الزنا – العياذ بالله - فقد قال ﷺ (إذا ظهرَ الزِّنا والرِّبا في قَريةٍ ؛ فقَد أحلُّوا بأنفسِهم عَذابَ اللهِ ) فجريمة الزنا من كبائر الذنوب، قال تعالى ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) فنهى الله عن مجرد قربه وقرب أسبابه، وقد أصبحنا نسمع عن انتهاك الأعراض، وأولاد الحرام، وحالات قتل الأجنة، وكثرة خروج النساء متبرجات متعطرات بلا ضوابط ولا حدود.

عباد الله ... من أعظم أسباب منع القطر: ترك الأمر بالمعروف والنهي والأمر، لماذا ندعو ولا يستجاب لنا؟ ونستسقي ولا نُسقى؟ ونستغيث ولا نغاث؟ لقد أخبرنا حُذَيْفةُ بن الْيَمَانِ أنه سمع النبي ﷺ ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ) يا الله !ماذا بقي للناس إن تخلى الله عنهم؟ 

يحل غضبه، ولا يستجيب الدعاء، حينما يُجهر بالمنكرات والعباد قاعدون، لا ينهون ولا يأمرون، لا يغارون ولا يتمعرون، ولو بأضعف الإيمان. حفلات غنائية تعج في البلاد وبين العباد باسم الترفيه .. دعوات للمغنيين والمغنيات إلى بلاد الحرمين باسم الترفيه. ما هذه الغفلة عن سنن الله في الإهلاك والتدمير؟ أين حياة القلوب وهي ترى المصائب تحل ذات اليمين وذات الشمال، ثم لا تلين للموعظة والتذكر؟ ما أهون الخلق على الله إذا هم عصوا أمره، واستطعموا رزقه، ولم يشكروا نعمته، ومتعهم بالصحة والأمن ورغد العيش، فلم يكترثوا بأمره ونهيه، فإن الله يمهل ولا يهمل، ويري الناس من آياته وعجائب قدرته ما تشهد به قلوب المؤمنين، ويغفل عنه المستكبرون وتحيط القوارع والنذر بالناس أجمعين ) وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ ) وتتوالى الفتن وتعصف بالناس عواصف المحن، والقلة القليلة منهم هي التي تتذكر وتستغفر، ) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ).

عباد الله ... أحداث تهز القلوب، وعبر توقظ الضمائر، ومخاوف تحيط بالجميع، وقوارع تنذر الناس أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مفر لنا إلا بالرجوع إليه.

أسأل الله تعالى أ، يصلح أحوال المسلمين، وأن يردهم إليه ردًّا جميلاً ...

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله ...

 

 

الحمد لله رب العالمين ...

معاشر المؤمنين ... تأملوا أحوالكم مع خالقكم، وفتشوا عن أنفسكم، ففرق بين من يقترف المعصية وهو لها كاره، وهو من ربه خائف مشفق، ينظر إلى ذنوبه كأصل جبل يخاف أن يقع عليه، وبين من يمارس الذنب إثر الذنب، ولا يتمعر وجهه خشية من الله، بل يرى ذنوبه أشبه بذباب وقع على أنفه فقال بيده يهشه!! إن الله شديد العقاب،كما أنه غفور رحيم، بل هو يفرح بتوبة عبده، وهو غني عنه، فاعتبروا واتعظوا، وتوبوا إلى الله بقلوب صادقة، وعيون دامعة، فإن الله غفور رحيم )وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (.

عباد الله ... أظهروا في هذا الموضع رقة القلوب، وافتقار النفوس، استكينوا لربكم، وارفعوا أكف الضراعة إليه، ابتهلوا وتضرعوا وأكثروا من الاستغفار ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ( اللهم إنك أنت الغني ونحن الفقراء، نستغفرك إنك كنت غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً طبقاً مجللاً عاماً نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم إنا ندعوك راغبين في رحمتك، راجين فضل نعمتك فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين، اللهم إنا نسألك ألا تردنا خائبين، ولا تقلبنا واجمين، فإنك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا وتنشر رحمتك وأنت الولي الحميد، اللهم لا تؤاخذنا بتقصيرنا فإننا نعترف بذنوبنا فاغفر لنا وارحمنا يا ربنا، اللهم لا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا. اللهم ارحم ببهائم رتع، وبأطفال رضع، وبعجائز ركع، اللهم رحماك بنا أجمعين، فقد جفت الآبار، وغلت الأسعار، فارحمنا اللهم وأغثنا برحمتك ولا تكلنا إلى أنفسنا الضعيفة، اللهم اجمع شمل الأمة، واكشف الغمة، اللهم أصلح القلوب، واغفر الذنوب، واستر العيوب، واقبل توبة من يتوب، اللهم أصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم ألف بين قلوبهم وقلوب رعيتهم، واجمع كلمتهم على التوحيد يا رب العالمين.

عباد الله ... صلوا وسلموا

 

المشاهدات 961 | التعليقات 0