وانتهى رمضان

عبدالرحمن سليمان المصري
1446/10/05 - 2025/04/03 17:30PM

وانتهى رمضان

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي وسعت رحمته كل شيء وعمت ، وتوالت نعمه على عباده وتمت ، وفاضت بذكره النفوس المؤمنة فاطمأنت ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾

عباد الله :العبودية هي أشرف المقامات وأسمى الغايات ، من نالها فقد نال أعلى المراتب وأرفع الدرجات ،قبل أيام ودّع المسلمون شهر رمضان ، شهر العبادة والطاعة والغفران ، وقد جعلوا شهرهم ميدانا لتنافس الصالحين ، ومجالا لتسابق المحسنين ، سمت فيه أرواحهم بالفضائل ، وارتفعت فيه نفوسهم عن الرذائل ، فاشكروا الله على ما أولاكم، واحمدوه على ما حباكم وأعطاكم ، فما تقربتم إليه إلا بأمره وفضلهة، ولا عبدتم إلا باصطفائه لكم واختياره , فالفضل كله لله ،﴿ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾البقرة : 243.

عباد الله : لقد مرّ شهر رمضان بما فيه من مشقة الطاعة ، ومرارة الجوع وحرارة العطش ؛ وقد ذهب كل ذلك ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾التوبة : 120.

وأما حلاوة الطاعة ولذة العبادة وانشراح الصدر ، فما زالت باقية في قلوب الطائعين ، يشكرون الله على ما هداهم ، وهذه إحدى بركات العمل الصالح في الدنيا .

عباد الله : ليحذر المؤمن من العجب والغرور ، من أعماله وقرباته مع قلتها ، فإن ذلك يحبط العمل ، وقد كان السلف مع كثرة قرباتهم ، وشدة اجتهادهم ، يصيبهم الهمّ بعد العمل ، و يخافون من عدم القبول ، فيدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان , ثم يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم إياه ، وقد سألت أم المؤمنين عَائِشَةُ رضي الله عنها ، النبيَ صلى الله عليه وسلم  عَنْ قوله تعالى : ﴿ ‌وَالَّذِينَ ‌يُؤْتُونَ ‌مَا ‌آتَوْا ‌وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ المؤمنون: 60 ، أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ فقَالَ: " لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ " رواه الترمذي بسند صحيح .

فعلى المسلم الإلحاح على الله بالدعاء بقبول أعماله ، وأن يتجاوز عن تقصيره.

عباد الله : وإن كان شهر رمضان قد انقضى ، فإن العمل الصالح باق عقب رمضان ، فإن هناك عبادات هي من الثوابت التي لا تتغير ولا تتبدل ، كالصلاة والدعاء ، والصدقة والبر والإحسان ، فبين أيديكم خمس صلوات في اليوم والليلة ، هي نهر جار ، ابتلاكم الله بها ، من حافظ عليها كانت تكفيرا للسيئات ورفعةً للدرجات .

ويوم الجمعة وصلاة الجمعة ، خير يوم طلعت عليه الشمس ، اختصنا الله به من بين الأمم ، ومنزلة الجمعة بين سائر أيام الأسبوع ؛ كمنزلة رمضان بين سائر الشهور، وساعة الإجابة فيه ؛ كليلة القدر في رمضان ، والماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها.

عباد الله: وقيام الليل شرف المؤمن ، وهو دأب الصالحين قبلكم ، و قربة إلى الله تعالى، و منهاة عن الإثم ، و تكفير للسيئات ، و مطردة للداء عن الجسد ، وأقله ركعة واحدة بعد العشاء .

وتلاوة القرآن الكريم ، سبب لحلول البركات ، وتكثير الحسنات ، وعلو الدرجات ، فلا تهجروه ، واقرؤا ما تيسر منه .

عباد الله: والصوم لم ينقطع بعد رمضان ، كصيام الاثنين والخميس ، والأيام البيض ، وصيام ستة أيام من شوال ؛  قال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ ؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" رواه مسلم .

 

وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها فشهر رمضان بعشرة أشهر ، والستة أيام ، بشهرين , وهذه عدة أيام السنة.

ومن كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، ناله صيام الدهر مرتين .

﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾الأنعام : 120.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.         

 
 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،       أما بعد :

 

عباد الله : والمؤمن يجتهد في الطاعات ويستكثر من الخيرات مادام حيا ، فحياة المسلم كلها موسم لطاعة الله جل وعلا ، فإن الإنسان لا ينقضي عمله إلا بالموت ، قال الحسن البصري رحمه الله : إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت ، ثم قرأ قول الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾الحجر:99 ، أي حتى يأتيك الموت .أ.هـ.

فاثبتوا على الطاعة وواظبوا على العبادة، " وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَدْوَمُهُ ، وَإِنْ قَلَّ"رواه مسلم. فيا من رطبتم ألسنتكم بالذكر وقراءة القرآن ، وتعرضتم لنفحات ربكم في رمضان ؛ حذار من العود إلى المعاصي ، بعد أن حُطت عنكم الأوزار ، فلقد حزتم نورا كبيرا ، فلا تطفئوه بالآثام .

واحذروا من قطع الأعمال أو إفسادها ،﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ النحل:92  ، فهذا مثل ضربه الله  ؛ لمن نقض عهده بعد توكيده ، وأساء في عمله بعد إحسانه وتجويده .

عباد الله : ومن كان مقصرا عاصيا ، ولم يتغير حاله في رمضان ، فليعجل التوبة قبل أن يفجأه الأجل، فيسأل الرجعة فلا يجاب إلى ما سأل ، فرحم الله عبدا تفكر في نفسه ، وحاسبها عن يومه وأمسه ، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

 

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك التواب الرحيم ، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم .

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

المرفقات

1743690620_وانتهى رمضان خطبة جمعة.docx

1743690621_وانتهى رمضان خطبة جمعة.pdf

المشاهدات 856 | التعليقات 0