والله يريد أن يتوب عليكم
د صالح بن مقبل العصيمي
1436/08/23 - 2015/06/10 02:37AM
وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ، رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ؛ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَمِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يُحِبُّ عَذَابَ عِبَادِهِ؛ وَلَوِ اقْتَضَتْ ذَلِكَ حِكْمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ. يَفْرَحُ سُبْحَانَهُ بِتَوْبَةِ عِبَادِهِ وَيُرِيدُهَا مِنْهُمْ،وَيُحِبُّهَا لَهُمْ:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ، إِنَّ عَلَى المُؤْمِنَ أَنْ يَتَوَقَّفَ مَلِيًّا عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَيَتَفَكَّرَ فِيهَا {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} . يُرِيدُ التَّوْبَةَ لَنَا لِئَلَّا يُعَذِّبَنَا؛ وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى تَوْبَتِنَا أَعْظَمَ الْجَزَاءِ، وَيَرْفَعَنَا بِهَا أَعْلَى الْمَنَازِلِ وَالدَّرَجَاتِ. وَذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ؛ قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ )،اللهُ أَكْبَرُ! يَحِبُّ سُبْحَانَهُ مَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ مِنْ عِبَادِهِ. سُبْحَانَ اللهِ! تَعْصِيهِ ثُمَّ تَتَوبُ إِلَيْهِ؛فَتَكُونُ مِنْ أَحْبَابِهِ! مَا أَلْطَفَهُ!وَمَا أَرْحَمَهُ جَلَّ وَعَلَا!
عِبَادَ اللهِ، يُرِيدُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا التَّوْبَةَ لِنَجَاتِنَا، وَسَعَادَتِنَا، وَفَوْزِنَا، فَهَلْ يَدْعُونَا رَبُّنَا لِشَيْءٍ يُرِيدُهُ مِنَّا، وَيُحـِبُّهُ وَيَفْرَحُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَنَفْعُهُ عَائِدٌ عَلَيْنَا، وَلَا نَمْتَثِلُ أَمْرَهُ، وَلَا نَخْضَعُ لِمُرَادِهِ مِنَّا ؟! وَنَحْنُ عَبِيدُهُ، وَبِيَدِهِ أَرْزَاقُنَا، وَحَيَاتُنَا، وَمَوْتُنَا، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُنَا، وَمَصِيرُنَا وَمَآلُنَا، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْعَنَا وَضُرَّنَا، وَسَعَادَتَنَا وَشِقْوَتَنَا، وَإِرَادَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا؛ تَضَمَّنَتْ تَعْلِيمَهُ إِيَّانَا التَّوْبَةَ، وَهِدَايَتَنَا لِطَرِيقِهَا، وَغَرْسَهَا فِي فِطْرَتِنَا، وَفَتْحَ أَبْوَابِهَا لَنَا، وَتَرْغِيبَنَا فِيهَا، وَقَبُولَهَا مِنَّا إِنْ نَحْنُ أَتَيْنَا بِهَا؛ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَتَحَ أَبْوَابَهَا لَنَا، وَوَعَظَنَا بِهَا حَتَّى لَانَتْ قُلُوبُنَا لَمَا تُبْنَا، ثُمَّ يَرْحَمُنَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهَا مِنَّا مَهْمَا عَظُمَ جُرْمُنَا، وَكَبِرَتْ جِنَايَتُنَا، وَتَعَدَّدَتْ آثَامُنَا.قَالَ تَعَالَى:" قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » ؛ فَأَيُّ كَرَمٍ أَكْرَمَنَا بِهِ عَزَّ فِي عُلَاهُ، وَتَبَارَكَ فِي مَجْدِهِ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} . وَفِي إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ؛ حِمَايَةٌ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ المُرَتَّبَةِ عَلَى الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، وَمِنْ نَقْصِ الْخَيْرَاتِ، وَنَزْعِ الْبَرَكَاتِ، وَمِنْ حُلُولِ الْخَوْفِ،وَالْجُوعِ، وَالْهَمِّ، وَالْغَمِّ، وَغَيْرِهَا مِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ . وَفِي إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ التَّوْبَةَ مِنَّا؛ حِمَايَةٌ لِلْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ الشَّرِّ؛ فَإِذَا تَابَ أَهْلُ الْمَعَاصِي؛ تَوَقَّفَ مَا يُحْدِثُونَهُ مِنَ الشَّرِّ فِي النَّاسِ. وَلَكِنَّ لِلشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ مِنَ الإِنْسِ وَالْجـِنِّ إِرَادَةً أُخْرَى، قَالَ تَعَالَى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} ، نَعَمْ.. إِنَّ إِرَادَتَهُمْ تَتَمَثَّلُ فِي الْمَيْلِ بِالنَّاسِ عَنْ طَرِيقِ التَّوْبَةِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ، وَالِاسْتِكْبَارِ عَنِ الْحَقِّ.. إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مِنَّا الْمَيْلَ عَنْ صِرَاطِ اللهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ إِلَى الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي تَعْصِفُ بِالْقُلُوبِ، وَتُزْهِقُ النُّفُوسَ، وَتُدَمِّرُ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتُورِدُ الْمَهَالِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ. إِنَّ لِأَهْلِ الشَّهَوَاتِ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ اللهِ تَعَالَى، وَمَنْهَجًا غَيْرَ مَنْهَجِهِ، مَنْهَجُ الِانْفِلَاتِ وَالْحُرِّيَّةِ الْبَهِيمِيَّةِ، دِينُ الِانْحِلَالِ وَالضَّيَاعِ. يُرِيدُونَ مِنَّا مَيْلًا عَظِيمًا، تُقْلَبُ فِيهِ الْمَفَاهِيمُ، وَتُنَكَّسُ الْفِطَرُ، وَتُغَيَّرُ الْمُجْتَمَعَاتُ، قَالَ تَعَالَى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} مَيْلًا عَظِيمًا يُغَيِّرُ تَرْكِيبَةَ الْمُجْتَمَعِ، وَيَقْلِبُهَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، بِحَيْثُ لَوْ عَادَ إِلَيْهِ مَنْ فَارَقَهُ مُنْذُ مُدَّةٍ وَجِيزَةٍ لَا يَكَادُ يَتَبَيَّنُهُ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُجْتَمَعُهُ الَّذَي يَعْرِفُهُ؛بِسَبَبِ الْمَيْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ.{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ أُخْرَى مِنَ اللهِ تَعَالَى، بِأَنَّهُ إِنَّمَا شَرَعَ الشَّرَائِعَ لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْإِنْسَانِ وَضَبْطِهِ لِئَلَّا يَطْغَى، وَلِئَلَّا تَمِيلَ بِهِ شَهْوَتُهُ فَيَرْدَى، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ التَّخْفِيفِ: إِبَاحَةُ مَا يُغْنِي عَنِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهَا، وَبَدِيلٌ عَنْهَا؛ فَأَبَاحَ لَنَا النِّكَاحَ وَوَطْءَ الْحَلِيلَةِ وَالتَّعَدُّدِ، وَإِغْلَاقُ كُلِّ الطُّرِقِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الزِّنَا، فَحَرَّمَ عَلَيْنَا السُّفُورَ وَالْعُرْيَّ وَالِاخْتِلَاطَ وَالْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَاللهُ تَعَالَى عَلِمَ ضَعْفَ كُلٍّ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَمَامَ الْآخَرِ؛ فَسَدَّ كُلَّ ذَرِيعَةٍ تَجْمَعُهُمَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبًا لَهُمَا؛ وَلِئَلَّا يَقَعَا فِي الْمَيْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُرِيدُهُ الشَّيْطَانُ وَحِزْبُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ. {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.
فَلْنَكُنْ –عِبَادَ اللهِ- مَعَ مُرَادِ اللهِ تَعَالَى لَنَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلْنُجَانِبْ مُرَادَ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ، الَّذِينَ أَوْبَقُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَدُّوا لَوْ أَوْبَقُوا النَّاسَ أَجْمَعِينَ. هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ، الَّتِي فِيهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُرِيدُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الشَّهَوَاتِ لَا يُرِيدُونَ التَّوْبَةَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْمَيْلَ الْعَظِيمَ؛ آيَةٌ يَجِبُ أَنْ يَتَدَبَّرَهَا الْمُؤْمِنُ كُلَّ حِينٍ، وَيُذَكِّرَ بِهَا نَفْسَهُ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِخْوَانَهُ المُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهَا تَصِفُ الْوَاقِعَ الَّذِي نَعِيشُهُ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ .وَبِمَا أَنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ لِلتَّوْبَةِ عَظِيمٌ، يَكْثُرُ فِيهِ التَّائِبُونَ وَالمُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَتَتَنَوَّعُ فِيهِ الْعِبَادَاتُ، وَيَنْتَشِرُ فِيهِ الْخَيْرُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ السُّوءِ وَالشَّهَوَاتِ لَا يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ أَبَدًا، وَيُرِيدُونَ بِالنَّاسِ مَيْلًا عَظِيمًا؛ وَلِذَا يَنْشَطُونَ فِي فَضَائِيَّاتِهِمْ بِالْبَرَامِجِ الْمُحَرَّمَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، وَيَعِدُونَ النَّاسَ فِيهِ بِأَنْوَاعِ التَّرْفِيهِ الْمُحَرَّمِ، مِنْ مُسَلْسَلَاتٍ مَاجِنَةٍ، وَأُخْرَى، وَتَرْفِيهٍ مُحَرَّمٍ، يُسْتَهْزَأُ فِي بَعْضِهَا بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْكَامِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا، وَبِشَعَائِرِ دِينِهِ الَّتِي شَرَعَهَا، وَمُسَابَقَاتٍ عِمَادُهَا الْقُمَارُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَحِوَارَاتٍ يُسْتَرْخَصُ فِيهَا دِينُ اللهِ تَعَالَى، وَتُعْرَضُ شَرَائِعُهُ الْمُحْكَمَةُ لِلنِّقَاشِ وَالتَّدَاوُلِ، وَالنَّقْدِ وَالتَّصْوِيتِ، وَكَأَنَّهَا مُجَرَّدُ آرَاءٍ تَقْبَلُ الصَّوَابَ وَالْخَطَأَ، وَلَيْسَتْ أَحْكَامًا مُحْكَمَةً أَنْزَلَهَا اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ!!كُلُّ هَذَا الْخَبَالِ، وَالضَّيَاعِ، وَالِانْحِرَافِ؛ يُعْرَضُ عَلَى الصَّائِمِينَ فِي رَمَضَانَ، وَتَتَشَرَّبُهُ قُلُوبُ بَعْضِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ؛ لِيَمِيلَ بِهِمْ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ عَنْ جَادَّةِ التَّوْبَةِ، وَلِيُهْدِرُوا مَا اكْتَسَبُوا مِنْ حَسَنَاتٍ عِظَامٍ بِالصِّيَامِ،وَالْقِيَامِ،وَالصَّدَقَةِ،وَالْقُرْآنِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.. يُهْدِرُوهَا خَلْفَ الشَّاشَاتِ. إِنَّ مَنْ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الْعَظِيمَةَ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} ، ثُمَّ يُشَاهِدُ وَاقِعَ بَعْضِ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ؛يَجِدُ أَنَّ أَهْلَ التَّوْبَةِ وَالتَّقْوَى فِي الْمَسَاجِدِ، لَا يَكَادُونَ يُبَارِحُونَهَا، وَيَجِدُ أَنَّ المُنْصَرِفِينَ عَنِ التَّوْبَةِ وَالتَّقْوَى أَمَامَ الشَّاشَاتِ لَا يُفَارِقُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا، قَدْ مَالَ بِهِمْ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ عَنْ رَمَضَانَ مَيْلًا عَظِيمًا. فَهَلْ نَعِي مَا يُرِيدُهُ مِنَّا رَبُّنَا جَلَّ فِي عُلَاهُ؛ لِيَغْفِرَ لَنَا، وَيَتُوبَ عَلَيْنَا، وَيَرْضَى عَنَّا، وَمَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ بِنَا، وَبِبِيُوتِنَا وَأُسَرِنَا مِنَ الْمَيْلِ الْعَظِيمِ؟! فَهَلْ نُطِيعُ خَالِقَنَا وَرَازِقَنَا، وَالْمُنْعِمَ عَلَيْنَا ؟ أَمْ نُطِيعُ أَقْوَامًا تَنَكَّبُوا طَرِيقَ الْهِدَايَةِ، وَرَكِبُوا الْغِوَايَةَ، وَعَجَزُوا عَنِ التَّقْوَى وَالتَّوْبَةِ، وَيُرِيدُونَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَفْشَلُوا فِي التَّوْبَةِ كَمَا فَشِلُوا هُمْ فِيهَا، وَيُرِيدُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا مَرْكَبَهُمُ الَّذِي يُورِدُهُمْ دَارَ السَّعِيرِ، وَقَدْ قِيلَ: وَدَّتِ الزَّانِيَةُ لَوْ زَنَى النَّاسُ كُلُّهُمْ. وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ الْقُبْحَ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، سُلْسِلَتْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ فِي رَمَضَانَ، فَلَا تَخْلُصُ فِيهِ إِلَى مَا كَانَتْ تَخْلُصُ إِلَيْهِ فِي غَيرِ رَمَضَانَ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى المُؤْمِنِينَ،وَلَكِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ تَنْشَطُ فِي رَمَضَانَ أَكْثَر مِنْ غَيْرِهِ؛ لِإِفْسَادِ الشَّهْرِ عَلَى المُؤْمِنِينَ، فَحَذَارِ -عِبَادَ اللهِ- مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ، وَاتِّبَاعِهِمْ فِيمَا يُرِيدُونَ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَّا خَبَالًا وَضَيَاعًا وَإِغْضَابًا للهِ تَعَالَى، وَلَا يُورِدُونَهُمْ إِلَّا مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ وَالْخُسْرَانِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الْبَسْمَةَ عَلَى الصُوَّامِ، وَهُمْ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ لِأُمُورٍ،مِنْهَا:
1- إِنَّ الْفَرْحَةَ الْحَقِيقِيَّةَ للصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ،وَعِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ،فَمَا صَامَ مِنْ حُزْنٍ وَهَمٍّ،بَلْ صَامَ فَرِحًا رَاغِبًا؛لِيَرْضَى عَنْهُ رَبُّهُ . وَلَيْسَ فَرْحَةً بِـمُشَاهِدَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ.
2- هَذِهِ الْمُسَلْسَلَاتُ، وَالْبَرَامِجُ الْمُحَرَّمَةُ الَّتِي عَجَّ بِهَا الْفَضَاءُ، تُعْرَضُ-فِي الْغَالِبِ- بَعْدَ الإِفْطَارِ،وَبَعْدَ الشَّبَعِ، وَقَدْ فَرِحَ الصَّائِمُ وَاِبْتَسَمَ، بَعَدَمَا أَكَلَ وَشَرِبَ؛ فَلِمَاذَا الْكَذِبُ الْفَاضِحُ، وَالدَّجَلُ الْوَاضِحُ، وَهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ الصَّائِمَ لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَا يُحَبِّذُ النَّاسُ مُشَاهَدَةِ الْبَرَامِجِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ فِي الْغَالِبِ؛فَهُمْ يَكْذِبُونَ بِدَعْوَاهُمْ هَذِهِ . إِنَّكَ لَتَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَسْتَطِعُ أَنْ يَكْبَحَ جِمَاحَ شَهْوَتَهُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ كَبْحَهَا عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، عَبْرَ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، وَمَوَاقِعِ الْإِنْتَرْنِتِ، وَغَيْرِهَا.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ قِيمَةَ رَمَضَانَ لَيْسَتْ فِي نَهَارِهِ فَحَسْبُ؛ بَلْ فِي لَيْلِهِ أَيْضًا؛وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ نَهَارِهِ ؛ وَلِذَا كَانَ جِبْرِيلُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، يُدَارِسُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيهِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ وَالشَّهَوَاتُ تُعْرَضُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ؛ فَتَشْغَلُهُم عَنِ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ بِـمَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ، وَاِسْتِثْمَارِ وَاِغْتِنَامِ رَمَضَانَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ،وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا،وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا،وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ»( ). اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثُاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
عِبَادَ اللهِ، رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ؛ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَمِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلَا يُحِبُّ عَذَابَ عِبَادِهِ؛ وَلَوِ اقْتَضَتْ ذَلِكَ حِكْمَتُهُ وَإِرَادَتُهُ. يَفْرَحُ سُبْحَانَهُ بِتَوْبَةِ عِبَادِهِ وَيُرِيدُهَا مِنْهُمْ،وَيُحِبُّهَا لَهُمْ:{وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ، إِنَّ عَلَى المُؤْمِنَ أَنْ يَتَوَقَّفَ مَلِيًّا عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ، وَيَتَفَكَّرَ فِيهَا {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} . يُرِيدُ التَّوْبَةَ لَنَا لِئَلَّا يُعَذِّبَنَا؛ وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى تَوْبَتِنَا أَعْظَمَ الْجَزَاءِ، وَيَرْفَعَنَا بِهَا أَعْلَى الْمَنَازِلِ وَالدَّرَجَاتِ. وَذَكَرَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ؛ قَالَ تَعَالَى:( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ )،اللهُ أَكْبَرُ! يَحِبُّ سُبْحَانَهُ مَنْ تَابَ مِنَ الذَّنْبِ مِنْ عِبَادِهِ. سُبْحَانَ اللهِ! تَعْصِيهِ ثُمَّ تَتَوبُ إِلَيْهِ؛فَتَكُونُ مِنْ أَحْبَابِهِ! مَا أَلْطَفَهُ!وَمَا أَرْحَمَهُ جَلَّ وَعَلَا!
عِبَادَ اللهِ، يُرِيدُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَّا التَّوْبَةَ لِنَجَاتِنَا، وَسَعَادَتِنَا، وَفَوْزِنَا، فَهَلْ يَدْعُونَا رَبُّنَا لِشَيْءٍ يُرِيدُهُ مِنَّا، وَيُحـِبُّهُ وَيَفْرَحُ بِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَنَفْعُهُ عَائِدٌ عَلَيْنَا، وَلَا نَمْتَثِلُ أَمْرَهُ، وَلَا نَخْضَعُ لِمُرَادِهِ مِنَّا ؟! وَنَحْنُ عَبِيدُهُ، وَبِيَدِهِ أَرْزَاقُنَا، وَحَيَاتُنَا، وَمَوْتُنَا، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُنَا، وَمَصِيرُنَا وَمَآلُنَا، وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْعَنَا وَضُرَّنَا، وَسَعَادَتَنَا وَشِقْوَتَنَا، وَإِرَادَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْنَا؛ تَضَمَّنَتْ تَعْلِيمَهُ إِيَّانَا التَّوْبَةَ، وَهِدَايَتَنَا لِطَرِيقِهَا، وَغَرْسَهَا فِي فِطْرَتِنَا، وَفَتْحَ أَبْوَابِهَا لَنَا، وَتَرْغِيبَنَا فِيهَا، وَقَبُولَهَا مِنَّا إِنْ نَحْنُ أَتَيْنَا بِهَا؛ وَلَوْلَا أَنَّهُ فَتَحَ أَبْوَابَهَا لَنَا، وَوَعَظَنَا بِهَا حَتَّى لَانَتْ قُلُوبُنَا لَمَا تُبْنَا، ثُمَّ يَرْحَمُنَا سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَبُولِهَا مِنَّا مَهْمَا عَظُمَ جُرْمُنَا، وَكَبِرَتْ جِنَايَتُنَا، وَتَعَدَّدَتْ آثَامُنَا.قَالَ تَعَالَى:" قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » ؛ فَأَيُّ كَرَمٍ أَكْرَمَنَا بِهِ عَزَّ فِي عُلَاهُ، وَتَبَارَكَ فِي مَجْدِهِ، سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} . وَفِي إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ؛ حِمَايَةٌ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ المُرَتَّبَةِ عَلَى الذُّنُوبِ وَالمَعَاصِي، وَمِنْ نَقْصِ الْخَيْرَاتِ، وَنَزْعِ الْبَرَكَاتِ، وَمِنْ حُلُولِ الْخَوْفِ،وَالْجُوعِ، وَالْهَمِّ، وَالْغَمِّ، وَغَيْرِهَا مِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ . وَفِي إِرَادَتِهِ سُبْحَانَهُ التَّوْبَةَ مِنَّا؛ حِمَايَةٌ لِلْمُجْتَمَعَاتِ مِنَ الشَّرِّ؛ فَإِذَا تَابَ أَهْلُ الْمَعَاصِي؛ تَوَقَّفَ مَا يُحْدِثُونَهُ مِنَ الشَّرِّ فِي النَّاسِ. وَلَكِنَّ لِلشَّيْطَانِ وَجُنْدِهِ مِنَ الإِنْسِ وَالْجـِنِّ إِرَادَةً أُخْرَى، قَالَ تَعَالَى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} ، نَعَمْ.. إِنَّ إِرَادَتَهُمْ تَتَمَثَّلُ فِي الْمَيْلِ بِالنَّاسِ عَنْ طَرِيقِ التَّوْبَةِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ، وَالِاسْتِكْبَارِ عَنِ الْحَقِّ.. إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مِنَّا الْمَيْلَ عَنْ صِرَاطِ اللهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ إِلَى الْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي تَعْصِفُ بِالْقُلُوبِ، وَتُزْهِقُ النُّفُوسَ، وَتُدَمِّرُ الْمُجْتَمَعَاتِ، وَتُورِدُ الْمَهَالِكَ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ. إِنَّ لِأَهْلِ الشَّهَوَاتِ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ اللهِ تَعَالَى، وَمَنْهَجًا غَيْرَ مَنْهَجِهِ، مَنْهَجُ الِانْفِلَاتِ وَالْحُرِّيَّةِ الْبَهِيمِيَّةِ، دِينُ الِانْحِلَالِ وَالضَّيَاعِ. يُرِيدُونَ مِنَّا مَيْلًا عَظِيمًا، تُقْلَبُ فِيهِ الْمَفَاهِيمُ، وَتُنَكَّسُ الْفِطَرُ، وَتُغَيَّرُ الْمُجْتَمَعَاتُ، قَالَ تَعَالَى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} مَيْلًا عَظِيمًا يُغَيِّرُ تَرْكِيبَةَ الْمُجْتَمَعِ، وَيَقْلِبُهَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، بِحَيْثُ لَوْ عَادَ إِلَيْهِ مَنْ فَارَقَهُ مُنْذُ مُدَّةٍ وَجِيزَةٍ لَا يَكَادُ يَتَبَيَّنُهُ، وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا هُوَ مُجْتَمَعُهُ الَّذَي يَعْرِفُهُ؛بِسَبَبِ الْمَيْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ.{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} ، وَهَذِهِ نِعْمَةٌ أُخْرَى مِنَ اللهِ تَعَالَى، بِأَنَّهُ إِنَّمَا شَرَعَ الشَّرَائِعَ لِلتَّخْفِيفِ عَنِ الْإِنْسَانِ وَضَبْطِهِ لِئَلَّا يَطْغَى، وَلِئَلَّا تَمِيلَ بِهِ شَهْوَتُهُ فَيَرْدَى، وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ التَّخْفِيفِ: إِبَاحَةُ مَا يُغْنِي عَنِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهَا، وَبَدِيلٌ عَنْهَا؛ فَأَبَاحَ لَنَا النِّكَاحَ وَوَطْءَ الْحَلِيلَةِ وَالتَّعَدُّدِ، وَإِغْلَاقُ كُلِّ الطُّرِقِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الزِّنَا، فَحَرَّمَ عَلَيْنَا السُّفُورَ وَالْعُرْيَّ وَالِاخْتِلَاطَ وَالْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ . فَاللهُ تَعَالَى عَلِمَ ضَعْفَ كُلٍّ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَمَامَ الْآخَرِ؛ فَسَدَّ كُلَّ ذَرِيعَةٍ تَجْمَعُهُمَا؛ لِئَلَّا يَكُونَ فِي ذَلِكَ تَعْذِيبًا لَهُمَا؛ وَلِئَلَّا يَقَعَا فِي الْمَيْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي يُرِيدُهُ الشَّيْطَانُ وَحِزْبُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ. {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}.
فَلْنَكُنْ –عِبَادَ اللهِ- مَعَ مُرَادِ اللهِ تَعَالَى لَنَا بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلْنُجَانِبْ مُرَادَ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ، الَّذِينَ أَوْبَقُوا أَنْفُسَهُمْ، وَوَدُّوا لَوْ أَوْبَقُوا النَّاسَ أَجْمَعِينَ. هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ، الَّتِي فِيهَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُرِيدُ التَّوْبَةَ مِنْ عِبَادِهِ، وَأَنَّ أَهْلَ الشَّهَوَاتِ لَا يُرِيدُونَ التَّوْبَةَ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ الْمَيْلَ الْعَظِيمَ؛ آيَةٌ يَجِبُ أَنْ يَتَدَبَّرَهَا الْمُؤْمِنُ كُلَّ حِينٍ، وَيُذَكِّرَ بِهَا نَفْسَهُ، وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَإِخْوَانَهُ المُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهَا تَصِفُ الْوَاقِعَ الَّذِي نَعِيشُهُ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ .وَبِمَا أَنَّ رَمَضَانَ شَهْرٌ لِلتَّوْبَةِ عَظِيمٌ، يَكْثُرُ فِيهِ التَّائِبُونَ وَالمُقْبِلُونَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَتَتَنَوَّعُ فِيهِ الْعِبَادَاتُ، وَيَنْتَشِرُ فِيهِ الْخَيْرُ؛ فَإِنَّ أَهْلَ السُّوءِ وَالشَّهَوَاتِ لَا يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ أَبَدًا، وَيُرِيدُونَ بِالنَّاسِ مَيْلًا عَظِيمًا؛ وَلِذَا يَنْشَطُونَ فِي فَضَائِيَّاتِهِمْ بِالْبَرَامِجِ الْمُحَرَّمَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ، وَيَعِدُونَ النَّاسَ فِيهِ بِأَنْوَاعِ التَّرْفِيهِ الْمُحَرَّمِ، مِنْ مُسَلْسَلَاتٍ مَاجِنَةٍ، وَأُخْرَى، وَتَرْفِيهٍ مُحَرَّمٍ، يُسْتَهْزَأُ فِي بَعْضِهَا بِآيَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَأَحْكَامِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا، وَبِشَعَائِرِ دِينِهِ الَّتِي شَرَعَهَا، وَمُسَابَقَاتٍ عِمَادُهَا الْقُمَارُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَحِوَارَاتٍ يُسْتَرْخَصُ فِيهَا دِينُ اللهِ تَعَالَى، وَتُعْرَضُ شَرَائِعُهُ الْمُحْكَمَةُ لِلنِّقَاشِ وَالتَّدَاوُلِ، وَالنَّقْدِ وَالتَّصْوِيتِ، وَكَأَنَّهَا مُجَرَّدُ آرَاءٍ تَقْبَلُ الصَّوَابَ وَالْخَطَأَ، وَلَيْسَتْ أَحْكَامًا مُحْكَمَةً أَنْزَلَهَا اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ!!كُلُّ هَذَا الْخَبَالِ، وَالضَّيَاعِ، وَالِانْحِرَافِ؛ يُعْرَضُ عَلَى الصَّائِمِينَ فِي رَمَضَانَ، وَتَتَشَرَّبُهُ قُلُوبُ بَعْضِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ؛ لِيَمِيلَ بِهِمْ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ عَنْ جَادَّةِ التَّوْبَةِ، وَلِيُهْدِرُوا مَا اكْتَسَبُوا مِنْ حَسَنَاتٍ عِظَامٍ بِالصِّيَامِ،وَالْقِيَامِ،وَالصَّدَقَةِ،وَالْقُرْآنِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.. يُهْدِرُوهَا خَلْفَ الشَّاشَاتِ. إِنَّ مَنْ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ الْعَظِيمَةَ: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} ، ثُمَّ يُشَاهِدُ وَاقِعَ بَعْضِ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ؛يَجِدُ أَنَّ أَهْلَ التَّوْبَةِ وَالتَّقْوَى فِي الْمَسَاجِدِ، لَا يَكَادُونَ يُبَارِحُونَهَا، وَيَجِدُ أَنَّ المُنْصَرِفِينَ عَنِ التَّوْبَةِ وَالتَّقْوَى أَمَامَ الشَّاشَاتِ لَا يُفَارِقُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا، قَدْ مَالَ بِهِمْ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ عَنْ رَمَضَانَ مَيْلًا عَظِيمًا. فَهَلْ نَعِي مَا يُرِيدُهُ مِنَّا رَبُّنَا جَلَّ فِي عُلَاهُ؛ لِيَغْفِرَ لَنَا، وَيَتُوبَ عَلَيْنَا، وَيَرْضَى عَنَّا، وَمَا يُرِيدُهُ أَهْلُ الشَّهَوَاتِ بِنَا، وَبِبِيُوتِنَا وَأُسَرِنَا مِنَ الْمَيْلِ الْعَظِيمِ؟! فَهَلْ نُطِيعُ خَالِقَنَا وَرَازِقَنَا، وَالْمُنْعِمَ عَلَيْنَا ؟ أَمْ نُطِيعُ أَقْوَامًا تَنَكَّبُوا طَرِيقَ الْهِدَايَةِ، وَرَكِبُوا الْغِوَايَةَ، وَعَجَزُوا عَنِ التَّقْوَى وَالتَّوْبَةِ، وَيُرِيدُونَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَفْشَلُوا فِي التَّوْبَةِ كَمَا فَشِلُوا هُمْ فِيهَا، وَيُرِيدُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَرْكَبُوا مَرْكَبَهُمُ الَّذِي يُورِدُهُمْ دَارَ السَّعِيرِ، وَقَدْ قِيلَ: وَدَّتِ الزَّانِيَةُ لَوْ زَنَى النَّاسُ كُلُّهُمْ. وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ الْقُبْحَ .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .
عِبَادَ اللهِ، سُلْسِلَتْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ فِي رَمَضَانَ، فَلَا تَخْلُصُ فِيهِ إِلَى مَا كَانَتْ تَخْلُصُ إِلَيْهِ فِي غَيرِ رَمَضَانَ مِنَ التَّسَلُّطِ عَلَى المُؤْمِنِينَ،وَلَكِنَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ تَنْشَطُ فِي رَمَضَانَ أَكْثَر مِنْ غَيْرِهِ؛ لِإِفْسَادِ الشَّهْرِ عَلَى المُؤْمِنِينَ، فَحَذَارِ -عِبَادَ اللهِ- مِنْ طَاعَةِ أَهْلِ الشَّهَوَاتِ، وَاتِّبَاعِهِمْ فِيمَا يُرِيدُونَ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَّا خَبَالًا وَضَيَاعًا وَإِغْضَابًا للهِ تَعَالَى، وَلَا يُورِدُونَهُمْ إِلَّا مَوَارِدَ الْهَلَكَةِ وَالْخُسْرَانِ، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَزْرَعُونَ الْبَسْمَةَ عَلَى الصُوَّامِ، وَهُمْ مِنْ أَكْذَبِ النَّاسِ لِأُمُورٍ،مِنْهَا:
1- إِنَّ الْفَرْحَةَ الْحَقِيقِيَّةَ للصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ،وَعِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ،فَمَا صَامَ مِنْ حُزْنٍ وَهَمٍّ،بَلْ صَامَ فَرِحًا رَاغِبًا؛لِيَرْضَى عَنْهُ رَبُّهُ . وَلَيْسَ فَرْحَةً بِـمُشَاهِدَةِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ.
2- هَذِهِ الْمُسَلْسَلَاتُ، وَالْبَرَامِجُ الْمُحَرَّمَةُ الَّتِي عَجَّ بِهَا الْفَضَاءُ، تُعْرَضُ-فِي الْغَالِبِ- بَعْدَ الإِفْطَارِ،وَبَعْدَ الشَّبَعِ، وَقَدْ فَرِحَ الصَّائِمُ وَاِبْتَسَمَ، بَعَدَمَا أَكَلَ وَشَرِبَ؛ فَلِمَاذَا الْكَذِبُ الْفَاضِحُ، وَالدَّجَلُ الْوَاضِحُ، وَهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ الصَّائِمَ لَا تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِمُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَا يُحَبِّذُ النَّاسُ مُشَاهَدَةِ الْبَرَامِجِ مِنْ غَيْرِ أَكْلٍ فِي الْغَالِبِ؛فَهُمْ يَكْذِبُونَ بِدَعْوَاهُمْ هَذِهِ . إِنَّكَ لَتَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَسْتَطِعُ أَنْ يَكْبَحَ جِمَاحَ شَهْوَتَهُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ كَبْحَهَا عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، عَبْرَ الْقَنَوَاتِ الْفَضَائِيَّةِ، وَمَوَاقِعِ الْإِنْتَرْنِتِ، وَغَيْرِهَا.
عِبَادَ اللهِ، إِنَّ قِيمَةَ رَمَضَانَ لَيْسَتْ فِي نَهَارِهِ فَحَسْبُ؛ بَلْ فِي لَيْلِهِ أَيْضًا؛وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ . وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ نَهَارِهِ ؛ وَلِذَا كَانَ جِبْرِيلُ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، يُدَارِسُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيهِ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . وَهَذِهِ الْبَرَامِجُ وَالشَّهَوَاتُ تُعْرَضُ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ؛ فَتَشْغَلُهُم عَنِ الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ، وَالْقِيَامِ بِـمَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ، وَاِسْتِثْمَارِ وَاِغْتِنَامِ رَمَضَانَ. الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ،وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا،وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا،وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ»( ). اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.
المرفقات
غير مشكولة .docx
غير مشكولة .docx
مَشْكُولَةٌ .docx
مَشْكُولَةٌ .docx