" والله لا يحب الفساد "
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
" والله لا يحب الفساد "
خطبة جمعة عن النزاهة وأداء الأمانة والتحذير من الفساد وبيان صوره وآثاره السيئة.
الحمد لله رب العالمين، أمر بأداء الأمانة إلى أهلها، وعرضها على السموات والأرض والجبال فأبيْنَ أن يحملْنَها وأشفَقْنَ منها؛ لعظمها وخطورتها، وقَبِل الإنسان حَمْلَها، فمن حفظها ولم يُضيِّعْها نجا، ومَنْ خانَها فقد ظلم نفسه وغشَّها، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الصادق الوعدِ الأمين، كفَر به المشركون عنادًا، ولم يشكُّوا أبدًا بصدقه وأمانته، أمنوه على ودائعهم مع حرْبهم له، ولم يخُنْهم، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهم إلى يوم الدين، وبعد:
عباد الله، أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله وطاعته، فقد أوصانا ربُّنا بها فقال جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾
أما بعد:
يقول الله - عز وجل - : ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون )
ويقول سبحانه وتعالى : ( ومن يغلل يأت بما عل يوم القيامة) .
فإن للأمانة شأنًا عظيمًا في ديننا، فلا يكون المؤمن مؤمنًا حقًّا إلا إذا كان أمينًا، فـ ((لا إيمانَ لمَنْ لا أمانةَ له، ولا دينَ لمَنْ لا عَهْدَ له)) هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله! إن دولتنا المباركة قد أعلنت الحرب بكل قوة على جميع أشكال الفساد ورتبت العقوبات الكبيرة لردع المفسدين ورفعت معايير الرقابة وفرضت الحوكمة في جميع القطاعات لتتخلص بذلك من الفساد الذي هو كفيل بتدمير جميع وسائل النمو والازدهار، فنفع الله بالجهود وبارك الخطى وأعاذنا من شر المفسدين وأهل الفساد، اللهم آمين.
عبادَ اللهِ: وللفسادِ صورٌ كثيرةٌ ومتعددةٌ، ومِنْ ذَلِكَ: الرِّشوةُ بجميعِ صورِهَا وتسمياتِهَا والمحسوبيَّةُ، والمحاباةُ، والواسطةُ، والاختلاسُ، والابتزازُ بجميعِ صورهِ، والاعتداءُ علَى المالِ العامِ ونهبهِ، ونهبُ الأراضِي، واستغلالُ النفوذِ، والتَّلاعبُ في المستنداتِ والوثائقِ والسنداتِ التي تثبتُ حقوقًا للآخرينَ، وإساءةُ استخدامِ الوظائفِ العامَّةِ والخاصَّةِ وإرساءُ المناقصاتِ على غيرِ مستحقيهَا.
ولقدْ نَهَى الشارعُ الحكيمُ عنْ الفسادِ بجميعِ صورهِ، قال -تعالى-: (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَاد)[البقرة:205].
وقال رسول الله ﷺ: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك" رواه أبوداود.
وقد جعل النبي ﷺ خيانة الأمانة علامة من علامات النفاق، والعياذ بالله فقال ﷺ : آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. رواه البخاري ومسلم.
وكل من أخذ مالا على خيانته، فهو سحت، وإثم إضافي على إثم خيانته ، ووالله أن ما يأكله وبال عليه، ويظن أنه يسعد وحقيقةً لن يزيده المال الحرام إلا خزي وعار وهم ونكد وضيق ؛ وفي الحديث : "لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت؛ النار أولى به" صححه ابن حبان.
أيُّهَا المؤمنونَ: والنهيُ عن الإفسادِ في الأرضِ وصِيَّةُ المرسلينَ، وشعارُ الصَّالحينَ، ودَيْدَنُ المُصْلِحِينَ، قال صالحٌ عليه الصلاةُ والسلامُ لقومِهِ:{وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}
وقال شعيبٌ عليه الصلاةُ والسلامُ لقومِهِ: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}
وحكى اللهُ عزّ وجلّ وصية موسى عليه الصلاة والسلام لأخيهِ بقولِهِ:{وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}
وفي نصيحةِ قومِ قارونَ لقارونَ بقولِهِمْ: {وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
والفسادُ يَا عِبَادَ اللهِ: هو كلمةُ السرِّ في هلاكِ الأُمَمِ، ومِعْوَلُ هدمِ الدُّوَلِ، ونذيرُ شُؤْمٍ وبادرةُ شرٍّ، قالَ تعالَى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}
والفسادُ رَدِيفُ كلِّ شرٍّ، وموجِبُ كلّ سُخْطٍ، وبابُ كلّ بلاءٍ، فما انتشرَ الفسادُ في قومٍ إلا عَمّهُمُ البلاءُ، وأمَّهُمُ القحطُ والجفاءُ، قالَ ﷺ: (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ) أخرجه البخاري.
اللهم عافنا من أكل الحرام, ومن خيانة الأمانة, واحفظ بلادنا من شر المفسدين
أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية.
الحَمْدُ لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
عباد الله، فإن علاج الفساد يبدأ بإصلاح المرء نفسه واستقامته، فمتى ما صلح الفرد صلحت الأسرة وبالتالي صلحت المجتمعات، والخير كله بالبعد عن الفساد والإفساد بكل أشكاله وصورة؛ قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
وهنا وصية للآباء والمربين بأن يتقو الله فيمن تحت أيديهم بأن يغرسوا فيهم مراقبة الله عز وجل منذ صغرهم ويذكرونهم دائما بأداء الأمانة والإخلاص في العمل ويشجعونهم على الإتقان؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم للغلام معلما له : " يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك.."
لنقتدي بنبينا صلى الله عليه وسلم ونعلّم أبناءنا هذه القيم العظيمة والمعاني الرفيعة لينشؤوا صالحين مصلحين بارين لأهليهم وعامرين لوطنهم ورافعين لأمتهم..
ألا فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنّ محاربَةَ الفساد، والحدّ منه، والإبلاغ عن المفسدينَ واجبٌ شرعيٌّ، فعلينا بالتعاون مع الهيئة الوطنية للرقابة ومكافحة الفساد بأن نبلغ عن المفسدين وعن أي شبهة للفساد والإفساد؛ لنحوز عظيم الأجر وننجو جميعا من شر المفسدين؛
قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ}.
وقد اسْتَعْمَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ رَجُلًا مِنَ الأزْدِ على صَدَقاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعى: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قالَ: هذا لَكُمْ، وَهذا لِي، أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ رَسولُ اللهِ ﷺ علَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عليه وَقالَ: (ما بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ، فيَقولُ: هذا لَكُمْ، وَهذا أُهْدِيَ لِي، أَفلا قَعَدَ في بَيْتِ أَبِيهِ، أَوْ في بَيْتِ أُمِّهِ، حتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ) أخرجه البخاري.
هذا وصلوا وسلموا على من كان يأمر بالإصلاح وينهى عن الإفساد؛ صلوات ربي وسلامه عليه.
اللهم صل على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغُرّ الميامين وسلم تسليماً كثيرا.
اللهم ألف بين قلوبِنَا، وأصْلِحَ ذاتَ بينِنَا واهدنا صِرَاطَك المستقيمَ
اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ ووليِّ عهدِهِ لما فيه الخيرُ والصلاحُ واحفظْهُم من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ، واجْزِهِمْ عمَّا يُقَدِّمُونَ للإسلامِ والمسلمينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ.
اللهمَّ ارْبِطْ على قلوبِ رجالِ الأمنِ، الذين يُدَافِعُونَ عن الدِّينِ والمقدساتِ والأعراضِ والأموالِ واحْفَظُْهمْ مِن بينِ أيديهمِ ومن خَلْفِهِمِ، ونعوذُ بعظمتكَ أنْ يُغْتَالُوا من تَحْتِهِمْ.
اللهم وفق العاملين في هيئة مكافحة الفساد وسددهم...
اللهم اكفي بلادنا شر المفسدين
وعافنا من شرهم واحفظنا بحفظك يا حفيظ يا عليم.
اللهمَّ ارحَمْ هذا الجمعَ من المؤمنينَ، اللهمَّ استر عوراتِهِمْ، وآمِنْ روعاتِهِمْ وارفَعْ درجاتِهِمْ في الجنَّاتِ، واغفرْ لَهُم ولآبَائِهِمْ وأمَّهَاتِهِم، وأَصْلِحْ نيَّاتِهِمْ وذريَّاتِهِم واجمعنَا وإيَّاهُم ووالدِينَا وأزواجِنَا وذرِّيَّاتِنَا ومَنْ لَهُ حقٌّ علينَا في جنَّاتِ النعيم.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56]
المرفقات
1733339351_والله لا يحب الفساد-1.pdf